السلام عليكم ورحمة الله ذات مساء وفي إحدى أيام الشتاء القارس، تلبدت السماء بالسحب السوداء وبدأت الرعود في الدوي كأنها دبابات الحروب - المخيفة وما هي إلا دقائق حتى بدأت الأمطار تهطل وبغزارة مصاحبة لحبات البرد الندية فاتجهت صوبا نحو النافذة أسبح الله وأحمده على نعمه وبينما كانت تجول ناظري من على النافذة لمحت عجوزا تجلس قرب موقف الحافلات كنت قد اعتدت رؤيتها بالمسجد تجول في ساحته فتسقي الشجيرات التي بجانبه أو تجلس شاردة في إحدى أروقته فعرفت عندئذ أنها متشردة تتخذ من المصلى ملجأ لها في النهار وموقف الحافلات مرتعا في الليل فأشفقت لحالها وعن الوضع التي آلت إليه رغم كبر سنها فخرجت من المنزل مسرعة نحوها قبل أن يخيم الظلام وتقدمت بخطى صغيرة منها فألقيت عليها السلام فما كان منها إلا أن بادرتني بالمثل والعجيب أن البسمة لم تكن تفارق شفتاها لقد كانت في منتهى الطيبة والرقة فاستأذنتها بأن أناديها بالخالة وهذا ما زادها سرورا فقربتني منها وشكرت لي اهتمامي بحالها فأخذنا نتبادل أطراف الحديث وهويدة هويدة فتحت لي قلبها لتخفف ولو قليلا من جراحه وروت لي قصتها التي ما كدت أسمعها حتى انسكبت عبراتي وما استطعت إيقافها فالعجوز المسكينة تتألم ضعفين : ألم زوجها الذي وافته المنية وتركها تواجه أعباء الحياة وحيدة تواجه قهر الفقر الذي كان يخيم على أرجاء بيتها والذي فقدته لعدم قدرتها تسديد الديون المتراكمة عليها وألم ابنها الذي كان قتيل الجوع حين أراد السفر إلى الخارج عن طريق الهجرة الغي شرعية فلقي حتفه هو الآخر في أغوار البحار وأمواجه الهائجة فبقيت وحيدة في هذه الدنيا ترقب الأيام وهي تلوح بها هنا وهناك تقتات من صدقات المحسنين تعيش بحرقة ما بقي لها من السنين ثلاث سنوات وهي على هاته الحالة تصارع العيش وتغالبه تتجرع مرارة العيش
لقد حفرت هذه الليلة في ذاكرتي وطبعت أحداثها في مخيلتي لقد شاهدت بناظري بؤس البؤساء وشقاء الأشقياء سمعت أنين الفقر...الوحدة...زفرة التوجع تمنيت لو أنه في مقدرتي تغيير هذا الواقع المرير الذي يعيشه الكثير من أبناء جلدتنا ولكن الحقيقة أنه ابتلاء من القدير ليس لشخص بعينه بل للمجتمع بمجمله ليتعلم معنى المعروف والإحسان ليشكر الله على نعمه إن كان خيرا منهم ويشاركهم في همومهم وآلامهم إن كان حظه في الحياة مثل حظهم
- حقا لقد تعلمت من تلك الليلة الكثير زبدة ذلك : أن الإحساس بمن حولنا والاستماع إلى صدى آهاتهم يعلم المرء معنى الاعتراف بالنعمة وأن مد يد العون لهؤلاء سيضمن بقائها
موضوع: رد: ¤ّ,¸¸,ّ¤؛°`°؛¤ صدى الآهـــات ¤؛°`°؛¤ّ,¸¸,ّ¤؛ الأربعاء يونيو 23, 2010 12:03 am
جزاك الله خيرا وأسكنك فسيح جنانه بوركت اشراقة النهضة على القصة الرائعة بمغزاها و صياغتها تذكرة بما لدينا من نعم والتي قد ننساها اللهم لك الحمد لجلال وجهك وعظيم سلطانك دمت مشرقة متألقة