بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد الذي بلغ البلاغ المبين، وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد، فإن كثيراً من الناس يجهلون كثيراً من أحكام
سجود السهو في الصلاة، فمنهم من يترك
سجود السهو في محل وجوبه، ومنهم من يسجد في غير محله، ومنهم من يجعل
سجود السهو قبل السلام وإن كان موضعه بعده، ومنهم من يسجد بعد السلام وإن كان موضعه قبله، ولذا كانت معرفة أحكامه مهمة جداً لاسيما للأئمة الذين يقتدي الناس بهم، وتقلدوا المسئولية في اتباع المشروع في صلاتهم التي يئمون المسلمين بها. فأحببت أن أقدم لإخواني بعضاً من أحكام هذا الباب، راجياً من الله تعالى أن ينفع به عباده المؤمنين.
فأقول مستعينا بالله تعالى مستلهماً منه التوفيق والصواب:
سجـود السهـو: عبارة عن سجدتين يسجدهما المصلي لجبر الخلل الحاصل في صلاته من أجل
السهو، وأسبابه ثلاثة: الزيادة والنقص والشك.
الزيـــادة
إذا زاد المصلي في صلاته قياماً أو قعوداً أو ركوعاً أو
سجوداً متعمداً بطلت صلاته.
وإن كان ناسياً ولم يذكر الزيادة حتى فرغ منها فليس عليه إلا
سجود السهو، وصلاته صحيحة، وإن ذكر الزيادة في أثنائها وجب عليه الرجوع عنها و
سجود السهو، وصلاته صحيحة.
مثال ذلك: شخص صلى الظهر (مثلاً) خمس ركعات، ولم يذكر الزيادة إلا وهو في التشهد، فيكمل التشهد ويسلم ثم يسجد للسهو ويسلم.
فإن لم يذكر الزيادة إلا بعد السلام سجد للسهو وسلم، وإن ذكر الزيادة وهو في أثناء الركعة الخامسة جلس في الحال فيتشهد ويسلم ثم يسجد للسهو ويسلم.
دليل ذلك: حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر خمساً فقيل له: أزيد في الصلاة؟ فقال: «وما ذاك؟» قالوا: صليت خمساً، فسجد سجدتين بعدما سلم، وفي رواية: فثنى رجليه واستقبل القبلة، فسجد سجدتين ثم سلم (رواه الجماعة).
السلام قبل تمام الصلاة
السلام قبل تمام الصلاة من الزيادة في الصلاة، فإذا سلم المصلي قبل تمام صلاته معتمداً بطلت صلاته.
وإذا كان ناسياً ولم يذكر إلا بعد زمن طويل أعاد الصلاة من جديد، وإن ذكر بعد زمن قليل كدقيقين وثلاث، فإنه يكمل صلاته ويسلم ثم يسجد للسهو ويسلم.
دليل ذلك: حديث أبي هريرة رضي الله عنه « أن النبي صلي الله عليه وسلم صلى بهم الظهر أو العصر فسلم من ركعتين، فخرج سرعان الناس من أبواب المسجد يقولون: قصرت الصلاة، وقام النبي صلي الله عليه وسلم إلى خشبة المسجد فاتكأ عليها كأنه غضبان، فقام رجل فقال: يا رسول الله أنسيت أم قصرت الصلاة؟ فقال النبي صلي الله عليه وسلم: لم أنس ولم تقصر ، فقال الرجل: بلى قد نسيت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة: «أحق ما يقول؟» قالوا: نعم، فتقدم النبي صلي الله عليه وسلم فصلى ما بقي من صلاته ثم سلم ثم سجـد سجدتين ثم سلم. » (متفق عليه).
وإذا سلم الإمام قبل تمام صلاته وفي المأمومين من فاتهم بعض الصلاة فقاموا لقضاء ما فاتهم ثم ذكر الإمام أن عليه نقصاً في صلاته فقام ليتمها، فإن المأمومين الذين قاموا لقضاء ما فاتهم يخيرون بين أن يستمروا في قضاء ما فاتهم ويسجدوا للسهو وبين أن يرجعوا مع الإمام فيتابعوه، فإذا سلم فضوا ما فاتهم وسجدوا للسهو بعد السلام، وهذا أولى وأحوط.
النـقــص
أ-نقص الأركان: إذا انقص المصلي ركناً من صلاته فإن كان تكبيرة الإحرام، فلا صلاة له سواء تركها عمداً أم سهواً لأن صلاته لم تنعقد، وإن كان غير تكبيرة الإحرام فإن تركه متعمداً بطلت صلاته، وإن تركه سهواً فإن وصل إلى موضعه من الركعة الثانية لغيت الركعة التي تركه منها، وقامت التي تليا مقامها، وإن لم يصل إلى موضعه من الركعة الثانية، وجب أن يعود إلى الركن المتروك، فيأتي به وبما بعده، وفي كلتا الحالتين يجب عليه أن يسجد للسهو بعد السلام.
مثال ذلك: شخص نسي السجدة الثانية من الركعة الأولى، فذكر ذلك وهو جالس بين السجدتين في الركعة الثانية. فتلغى الركعة الأولى وتقوم الثانية مقامها فيعتبرها الركعة الأولى ويكمل عليها صلاته ويسلم ثم يسجد للسهو ويسلم.
ومثال آخر: شخص نسي السجدة الثانية والجلوس قبلها من الركعة الأولى فذكر ذلك بعد أن قام من الركوع في الركعة الثانية فإنه يعود ويجلس ويسجد ثم يكمل صلاته ويسلم ثم يسجد للسهو ويسلم.
ب-نقص الواجبات: إذا ترك المصلي واجباً من واجبات الصلاة متعمداً بطلت صلاته.
وإن كان ناسياً وذكره قبل أن يفارق محله من الصلاة أتى به ولا شيء عليه. وإن ذكره بعد مفارقة محله قبل أن يصل إلى الركن الذي يليه رجع فأتى به ثم يكمل صلاته ويسلم ثم يسجد للسهو ويسلم.
وإن ذكره بعد وصوله إلى الركن الذي يليه سقط فلا يرجع إليه ويستمر في صلاته ويسجد للسهو قبل أن يسلم.
مثال ذلك: شخص رفع من ال
سجود الثاني في الركعة الثانية ليقوم إلى الثالثة ناسياً التشهد الأول فذكر قبل أن ينهض فإنه يستقر جالساً فيتشهد ثم يكمل صلاته ولا شيء عليه.
وإن ذكر بعد أن نهض قبل أن يستتم قائماً رجع فجلس وتشهد ثم يكمل صلاته ويسلم ثم يسجد للسهو ويسلم، وإن ذكر بعد أن استتم قائماً سقط عنه التشهد فلا يرجع إليه فيكمل صلاته ويسجد للسهو قبل أن يسلم.
دليل ذلك: ما رواه البخاري وغيره عن عبد الله ابن بحينة رضي الله عنه « أن النبي صلى الله عليه وسلم، صلى بهم الظهر فقام في الركعتين الأوليين ولم يجلس (يعنى للتشهد الأول) فقام الناس معه حتى إذا قضى الصلاة وانتظر الناس تسليمه كبر وهو جالس فسجد سجدتين قبل أن يسلم ثم سلم. »
الـشــــك
الشك: هو التردد بين أمرين أيهما الذي وقع. والشك لا يلتفت إليه في العبادات إلا في ثلاث حالات:
الأولى: إن كان مجرد وهم لا حقيقة له كالوساوس.
الثانية: إذا كثر مع الشخص بحيث لا يفعل عبادة إلا حصل له فيها شك.
الثالثة: إذا كان بعد الفراغ من العبادات فلا يلتفت إليه ما لم يتيقن الأمر فيعمل بمقتضى يقينه.
مثال ذلك: شخص صلى الظهر فلما فرغ من صلاته شك هل صلى ثلاثاً أو أربعاً فلا يلتفت لهذا الشك إلا إن يتيقن أنه لم يصل إلا ثلاثاً، فإنه يكمل صلاته إن قرب الزمن ثم يسلم ثم يسجد للسهو ويسلم، فإن لم يذكر إلا بعد زمن طويل أعاد الصلاة من جديد.
وأما الشك في غير هذه المواضع الثلاثة فإنه معتبر، ولا يخلو الشك في الصلاة من حالين:
الحال الأولى: أن يترجح عنده أحد الأمرين فيعمل بما ترجح عنده فيتم عليه صلاته ويسلم، ثم يسجد للسهو ويسلم.
مثال ذلك: شخص يصلي الظهر فيشك في الركعة هل هي الثانية أو الثالثة لكن ترجح عنده أنها الثالثة فإنه يجعلها الثالثة فيأتي بعدها بركعة ويسلم ثم يسجد للسهو ويسلم.
دليل ذلك: ما ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: « إذا شك أحدكم في صلاته فليتحرَّ الصواب فليتم عليه ثم ليسلم ثم يسجد سجدتين » . (رواه البخاري).
الحال الثانية: أن لا يترجح عنده أحد الأمرين فيعمل باليقين وهو الأقل فيتم عليه صلاته، ويسجد للسهو قبل أن يسلم ثم يسلم.
مثال ذلك: شخص يصلي العصر فشك في الركعة هل هي الثانية أو الثالثة ولم يترجح عنده أنها الثانية أو الثالثة فإنه يجعلها الثانية فيتشهد التشهد الأول ويأتي بعده بركعتين ويسجد للسهو ويسلم.
دليل ذلك: ما رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: « إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدرِ كم صلى ثلاثاً أم أربعاً؟ فليطرح الشك وليبن على ما استيقن ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم. فإن كان صلى خمساً شفعن له صلاته وإن كان صلى إتماماً لأربع كانتا ترغيماً للشيطان » .
ومن أمثلة الشك: إذا جاء الشخص والإمام راكع فإنه يكبر تكبيرة الإحرام وهو قائم معتدل، ثم يركع و حينئذ لا يخلو من ثلاث حالات:
الأولى: أن يتيقن أنه أدرك الإمام في ركوعه قبل ن يرفع منه فيكون مدركاً للركعة وتسقط عنه قراءة الفاتحة.
الثانية: أن يتيقن أن الإمام رفع من الركوع قبل أن يدركه فيه فقد فاتته الركعة.
الثالثة: أن يشك هل أدرك الإمام في ركوعه فيكون مدركاً للركعة أو أن الإمام رفع من الركوع قبل أن يدركه ففاتته الركعة، فإن ترجح عنده أحد الأمرين عمل بما ترجح فأت عليه صلاته وسلم، ثم سجد للسهو وسلم إلا أن لا يفوته شيء من الصلاة فإنه لا
سجود عليه حينئذ. وإن لم يترجح عنده أحد الأمرين عمل باليقين (وهو أن الركعة فاتته) فيتم عليه صلاته ويسجد للسهو قبل أن يسلم ثم يسلم.
فائدة: إذا شك في صلاته فعمل باليقين أو بما ترجح عنده حسب التفصيل المذكور ثم تبين له أن ما فعله مطابق للواقع وأنه لا زيادة في صلاته ولا نقص سقط عنه
سجود السهو على المشهور من المذهب لزوال ما وجب ال
سجود وهو الشك، وقيل: لا يسقط عنه ليراغم به الشيطان لقول النبي صلى الله عليه وسلم: « وإن كان صلى إتماماً كانتا ترغيماً للشيطان » ، ولأنه أدى جزءاً من صلاته شاكاً فيه حين أدائه، وهذا هو الراجح.
مثال ذلك: شخص يصلي فشك في الركعة أهي الثانية أم الثالثة؟ ولم يترجح عنده أحد الأمرين فجعلها الثانية و أتم صلاته ثم تبين له أنها هي الثانية في الواقع فلا
سجود عليه على المشهور من المذهب، وعليه ال
سجود قبل السلام على القول الثاني الذي رجحناه.