موضوع: رحمة للعالمين.... الجمعة يناير 30, 2009 10:34 am
الحمد لله الأحد الواحد ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وهو المستعان على ما نرى ونشاهد ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وقد عظم البلاء وقلّ المساعد ، وحسبنا الله ونعم الوكيل وقد عظم الخطب والكرب زائد ، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله أفضل أسوة وأكرم مجاهد ، صلى الله عليه وعلى آله أولي المكارم والمحامد ، وصحبه السادة الأماجد ، والتابعين ومن تبعهم بأحسن السبل وأصح العقائد ، وسلم تسليماً كثيراً . . . أما بعد :
فأوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله ، فاتقوا الله رحمكم الله ، فالتقوى حياةٌ في القلب ، ويقينٌ بالغيب ، وحالةٌ في النفس ، تتبينُ منها اتجاهات الأعمال ، وتتوجه بها المشاعر الباطنية والتصرفات الظاهرية ، ويتّصِل بها العبد بربه سراً وعلانية ، من تأمّل خطوب الأيام ، استغنى عن خطب الأنام ، ومن سلك مسالك الاعتبار ، أضاءت له مصابيح الاستبصار ، فتأملوا رحمكم الله في دروب المسير ، وتذكَّروا أين المصير ، وبادروا قبل هجوم الفاقرة ، وشمّروا لعمل الآخرة .
أيها الأخوة في الله : قال الله تعالى : { لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ } ، أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرةَ رضيَ اللّه عنه قال: قبَّلَ رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم الحسنَ بن عليٍّ وعندَهُ الأقرعُ بن حابس التميميُّ جالساً فقال الأقرعُ : إنَّ لي عشرةً من الوَلَدِ ما قبَّلتُ منهم أحداً ، فنظر إليهِ رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم ثم قال : " من لا يَرحمُ لا يُرحَم " ، رحمة المصطفى صلى الله عليه وسلم ، تعدت بني الإنسان ، إلى الطير والحيوان ، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : كنَّا معَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلّم في سَفَرٍ ، فانطلَقَ لحاجتِه ، فرأينا حمامة معَها فرْخانِ ، فأخذْنا فرخَيها ، فجاءَتِ الحُمَّرةُ وهي فجعة ، فجاءَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم فقالَ : " مَنْ فجَّعَ هذِه بوَلدِها ؟ رُدُّوا ولدَها إِليها " ، ورأى قريةَ نمْلٍ قد حُرَّقت ، قال : " مَنْ حرَّقَ هذِه ؟ إِنَّه لا ينبغي أنْ يُعذِّبَ بالنَّارِ إِلاَّ ربُّ النَّارِ " [ أخرجه أبو داود وصحح إسناده النووي في رياض الصالحين ] ، ودخل النبي صلى الله عليه وسلم حائطاً لرجل من الأنصار ، فإذا جمل فلما رأى النبيّ حن إليه وذرفت عيناه ، فأتاه النبيّ فمسحه فسكن فقال : " لِمَنْ هٰذا الْجَمَلِ ؟ " فجاء فتى من الأنصار ، فقال : هو لي يا رسول الله ، فقال : " أَلا تَتقي الله في هٰذِهِ البَهيمَةِ الّتي مَلَّكَكَ الله إِيّاها ، فَإِنَّهُ شَكا لي أَنَّكَ تُجيعُهُ وَتُتعبه " [ أخرجه أبو داود وغيره وصححه الحاكم ] ، يالها من رحمة نبوية عامة ، وشفقة إنسانية هامة ، عن جابر رضي الله عنه قال : " رأى النبي صلى الله عليه وسلم حِمَار قَدْ وُسِمَ فِي وَجْهِهِ فَقَالَ : " لَعَنَ اللَّهُ الَّذِي وَسَمَهُ " [ أخرجه مسلم ] ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : " نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ التَّحْرِيشِ بَيْنَ الْبَهَائِمِ " [ أخرجه أبو داود والترمذي ] ، هذا غيض من فيض من رحمته صلى الله عليه وسلم بالحيوان والطير ، فأين منظمات الرفق بالحيوان عما يحصل للحيوانات في دول الكفر ، من تعذيب وقتل ، كمصارعة الثيران ، وضربها بالسيوف ، والتحريش بين بعض الطيور كمصارعة الديوك ، واتخاذ بعض الحيوان والطير غرضاً للتنافس ، حيث توقف وترمى بالرصاص أو السهام ، أين منظمة الرفق بالحيوان ، عن الصعق الكهربائي للحيوانات ، وضربها بالهراوات ، حتى الممات ، أم أن ذبح المسلمين للأضاحي ، وتقربهم إلى الله في الحج بالهدي ، هي الشغل الشاغل لتلكم المنظمات ، هذه شعيرة من شعائر الله ، وسنة من سنن الأنبياء والمرسلين ، ولن يتخلى عنها المسلمون طال الزمن أم قصر ، لأنها تشريع إلهي ، وأمر رباني ، قال العليم الجليل ، في محكم التنزيل : { وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ } .
أمة الإسلام : بلغ من تواضع النبي صلى الله عليه وسلم وزهده ، أنه ما شبع من تمر أو بر في يوم من أيام حياته ، أخرج البخاري في صحيحه من حديث جابر رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يربط بطنه بحجر من الجوع ، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : " لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللّهِ يَظَلُّ الْيَوْمَ يَلْتَوِي ، مَا يَجِدُ دَقَلاً ـ تمراً رديئاً ـ يَمْلأُ بِهِ بَطْنَهُ " [ أخرجه مسلم ] ، ولم يتنعم بالنوم على الفراش الوثير في حياته ، مع أنه كان يحكم أكبر دولة في العالم آنذاك ، دخل عمر بن الخطاب رضي الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نائم على حصير قد أثر في جنبه الشريف ، وفي خزانته صاع من شعير ، فبكى عمر ، قال : " ما يُبْكيك يا بن الخطاب " ؟ قلت : يا نبيّ الله ، ومالي لا أبكي وهذا الحصير قد أثّر في جنبك ، وهذه خِزانتك لا أرى فيها إلا ما أرىٰ ، وذاك قَيْصَرُ وكِسْرى ، في الثمار والأنهار ، وأنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وصَفْوَتُه ، وهذه خِزانتكٰ فقال : " يا بن الخطاب ألا ترضى أن تكون لنا الآخرة ولهم الدنيا " ، قلت : بلى " [ متفق عليه ] ، وكان صلى الله عليه وسلم يسلم على الأطفال ويمازحهم ويداعبهم ، ويقضي حاجة الفقير وذا الحاجة ، بعيداً عن الكبر والأنفة ، والشدة والغلظة ، بل كان رفيقاً رقيقاً ، متواضعاً لله ولعباده ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : " مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم شَيْئاً قَطُّ بِيَدِهِ ، وَلاَ امْرَأَةً ، وَلاَ خَادِماً " [ أخرجه مسلم ] ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه ، قَالَ : كُنْتُ أَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم ، وعَلَيْهِ رِدَاءٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الْحَاشِيَةِ ، فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ ، فَجَبَذَهُ بِرِدَائِهِ جَبْذَةً شَدِيدَةً ، نَظَرْتُ إِلَىٰ صَفْحَةِ عُنُقِ رَسُولِ اللّهِ وَقَدْ أَثَّرَتْ بِهَا حَاشِيَةُ الرِّدَاءِ مِنْ شِدَّةِ جَبْذَتِهِ ، ثُمَّ قَالَ : يَا مُحَمَّدُ مُرْ لِي مِنْ مَالِ اللّهِ الَّذِي عِنْدَكَ ، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ فَضَحِكَ ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ " [ أخرجه مسلم ] ، فأين دول الكفر عن تواضعه صلى الله عليه وسلم للمسلم والكافر ، وهي تقتل الناس معصومي الدماء ، وتنتهك الأعراض ، وتعتدي على المقدرات ، ولا ترضخ لقوانين الأمم المتحدة ، ولا لمجلس الأمن الدولي ، وتدعي الديمقراطية والتحررية ، وهي أبعد ما تكون عن ذلك ، ثم تأتي عبر صحفها بتزوير الوثائق ، وقلب الحقائق ، وتشويه صورة النبي صلى الله عليه وسلم ، وتصويره على أنه إرهابي ، ويدعو إلى قتل الأبرياء ، وتعذيب السجناء ، وهو صلى الله عليه وسلم قد نهى عن الانتقام ممن أساء إليه ، وعفى عنهم وصفح ، ورحم وتجاوز ، فأفيقوا أيها الناس ، أيها البشر ، في كل بقعة من بقاع العالم ، فقد جاءكم النذير عن صدق محمد السراج المنير ، صلى الله عليه وسلم ، فما عليكم إلا أن تقرءوا سيرته العطرة ، لتعرفوا حقيقته البيضاء الناصعة ، فهو أرحم بالناس من أنفسهم ، فكم كانت رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بالكفار ، وتأسيه لموت إنسان وهو على الكفر ، بل كان يدعوهم إلى الإسلام ، حتى وهم على فرش الموت ، لعله ينقذهم من النار ، عن أنَسٍ رضيَ اللَّهُ عنه قال : " كان غُلامٌ يهوديٌّ يَخدُمُ النبيّ صلى الله عليه وسلم فمَرِضَ ، فأتاهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَعودُهُ ، فقعَد عندَ رأسهِ فقال لهُ : أسلِمْ ، فنظَرَ إلى أبيهِ وهوَ عندَهُ ، فقال له : أطِعُ أبا القاسِم صلى الله عليه وسلم ، فأسلمَ ، فخَرَجَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم وهو يقول : الحمدُ للّهِ الذي أنقَذَهُ منَ النار " [ أخرجه البخاري ] .
موضوع: رد: رحمة للعالمين.... الجمعة يناير 30, 2009 10:35 am
أمة الإسلام : لقد ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم أروع المثل في العفو والتصافح ، والتجاوز والتسامح ، والإعراض عن الجاهلين ، والإحسان إلى الغافلين ، عن عائشةَ رضيَ الله عنها قالت : " استأذنَ رهطٌ من اليهود على النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقالوا : السامُ عليكَ ـ الموت عليك ـ فقلتُ : بل عليكم السامُ واللعنة ، فقال : " يا عائشة إنَّ الله رفيقٌ يحبُّ الرفقَ في الأمر كله " قلتُ : أَوَ لم تسمَعْ ما قالوا ؟ قال : " قلتُ وعليكم " [ متفق عليه ] ، وكذبه قومه ، واتهموه بالأباطيل والأكاذيب ، وطردوه من بلده ، وأخرجوه من أهله ، فذهب حتى وصل قرن الثعالب ، فإذا هو بجبريل وملك الجبال عليهما السلام ، قَالَ : فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ وَسَلَّمَ عَلَيَّ ، ثُمَّ قَالَ : يَا مُحَمَّدُ ! إنَّ اللّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ ، وَأَنَا مَلَكُ الْجِبَالِ ، وَقَدْ بَعَثَنِي رَبُّكَ إِلَيْكَ لِتَأْمُرَنِي بِأَمْرِكَ ، فَمَا شِئْتَ ؟ إنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الأَخْشَبَيْنِ ـ الجبلين ـ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم : " بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللّهُ مِنْ أَصْلاَبِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللّهَ وَحْدَهُ ، لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً " [ متفق عليه ] ، وعندما أحاط بهم يوم فتح مكة العظيم ، وتمكن من رقابهم قال لهم : " مَا تَرَوْنَ أَنِّـي صانعٌ بِكُمْ ؟ ، قالُوا : خيراً ، أَخٌ كريـمٌ ، وابنُ أخٍ كريـمٍ ، قالَ : " اذْهَبُوا فَأَنْتُـمُ الطُّلَقَاءُ " ، أي رحمة هذه ، وأي شفقة تلك ، مقابلة للإساءة بالإحسان ، ومقابلة الظلم بالغفران ، لقد مُلأ قلبه صلى الله عليه وسلم عفواً عظيماً ، وإحساناً كبيراً ، حتى عفا عمن كذبوه واتهموه ، وتجاوز عمن طردوه وأدموه ، وصدق الله العظيم القائل : { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } ، فويل للكفار والنصارى ، واليهود الحيارى ، من مشهد يوم عظيم ، يوم يقوم الناس لرب العالمين ، يوم تزل القدم ، ولا ينفع الندم ، إن لم يعودوا إلى رشدهم ، ويؤمنوا بربهم ، ويصدقوا نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم ، أخرج مسلم في صحيحه من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ : " وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ ! لاَ يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هٰذِهِ الأُمَّةِ ، يَهُودِيٌّ وَلاَ نَصْرَانِيٌّ ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ ، إِلاَّ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ " ، ويصدق ذلك قول الله جل وعلا في حق القرآن : { وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ } .
أيها المسلمون : مساكين أولئك الكفار ، لم يعرفوا حقيقة النبي المختار ، ذو الرفعة والإكبار ، المؤيد بربه الواحد القهار ، لم يدركوا أنهم نبي هذه الأمة جمعاء ، عرب وعجم ، بل لجو في عتو ونفور ، وزهو وغرور ، غفلوا عن سيرته ، وتعاموا عن سجيته ، وتغافلوا عن رحمته ، وأيم الله لقد بلغت شفقة الحبيب صلى الله عليه وسلم ورحمته كل شيء ، حتى نالت الكفار ، وهم يقعون فيه ويسبونه ، ويسيئون إليه ويشتمونه ، ويستهزءون به ويرسمونه ، عن عبدِ اللهِ بنِ عمرو رضيَ اللهُ عنهما ، عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال : " مَن قَتلَ مُعاهِداً لم يرحْ رائحةَ الجنة ، وإِنَّ ريحَها توجَدُ من مَسيرةِ أربعين عاماً " [ أخرجه البخاري ] ، وصلى الله عليه وسلم : " ألاَ مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِداً ، أوْ انْتَقَصَهُ ، أوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ ، أوْ أخَذَ مِنْهُ شَيْئاً بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ ، فَأنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " [ أخرجه أبو داود وغيره ، وصححه الألباني برقم 2655 في صحيح الجامع ] ، فهل بعد هذه الرحمة من رحمة ، وهل بعد تلك الشفقة من شفقة ، ولكن الكافرين لا يعلمون ، رحمة لو بلغت أعداء الله ، لما تخلف منهم أحد عن ركب الإسلام ، سأل النجاشي عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم ، واليوم عميت الأبصار ، وتشتت الأنظار ، ومن تأمل السيرة النبوية الشريفة ، والأحاديث الصحيحة الكريمة ، ليدرك شفقة هذا النبي الكريم على جنس بني آدم ، فهو صلى الله عليه وسلم لا يكذب ، ولا يخلف الوعد ، ولا يخون ، ولا يقتل ، ولا يدعو إلى ذلك ، بل ينهى عنه ، ويحذر منه ، عن أنس رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا بعث جيشاً قَالَ : " انْطَلِقُوا بِاسْمِ اللَّهِ وَبِاللَّهِ ، وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ، لاَ تَقْتُلُوا شَيْخاً فَانِياً ، وَلاَ طِفْلاً صَغِيراً ، وَلاَ امْرَأَةً ، وَلاَ تُغْلُوا ، وَضُمُّوا غَنَائِمَكُمْ ، وَأَصْلِحُوا ، وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ " [ أخرجه أبو داود ] ، نهى نبي الرحمة ، ورسول الرأفة ، عن قتل أطفال الكفار ، إذ لا ذنب لهم ، ومنع قتل نسائهم إذ لا جرم لهم ، فأين دول الاحتلال اليوم عن هذه الرحمة العالمية الأبوية ، والشفقة النبوية ، في العراق وفلسطين وغيرهما ، قتل وانتهاك لأعراض المسلمات من النساء ، وقنص وتشتيت ويتم للأطفال الرضعاء ، والله لقد بلغ حقد الكفار على المسلمين أوجه ، ووصل حسدهم آخره ، دنسوا كتاب الله ، وشوهوا بيوت الله ، ومثلوا بعباد الله ، فأين القوانين الدولية ، والأعراف العالمية ، أم أنها سراب وخداع ، وتمويه وضياع ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا بَعَثَ جُيُوشَهُ قَالَ : " اخْرُجُوا بِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَىٰ ، تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ ، لاَ تَغْدِرُوا ، وَلاَ تَغُلُّوا ، وَلاَ تُمَثِّلُوا ، وَلاَ تَقْتُلُوا الْوِلْدَانَ ، وَلاَ أَصْحَابَ الصَّوَامِعِ " ، فأين العنف وأين الشدة والتطرف التي زعم الكفار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا إليها ، أو حث عليها ، فليأتوا بدليل على زيفهم ، وبينة على زيغهم ، ولن يستطيعوا إلى ذلك سبيلاً ، فأذاقهم الله عذاباً وبيلاً ، جزاءً وفاقاً ، فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذاباً ، بارك الله لي ولكم في الوحيين ، ونفعني وإياكم بهدي سيد الثقلين ، أقول قولي هذا ، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب ، فاستغفروه وتوبوا إليه ، إنه كان للأوابين غفوراً .