الحمد لله الذي خصنا بخير رسله وأنزل علينا أكرم كتبه،وشرع لنا أكمل شرائعه أحمده سبحانه وأشكره لا أحصي ثناء عليه أكمل لنا الدين وأتم علينا النعمة فقال جل من قائل كريم: { ..الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِينًا.. } (المائدة:3).وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم .أما بعد:فاتقوا الله عباد الله واستجيبوا لأمر ربكم حيث يقول: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } (الحديد:28).الحمَدُ للهِ العَلِيِّ ذي المِنَنْ..الواهبِ الرَّزَّاقِ ديِّانِ الدَّينْ..هو الذي أنقذني مِنْ قبلِ أنْ..أكونَ في ظُلْمَةِ قبرٍ مُرْتَهنْ..بأحمدِ المهديِ النبيِ المُرتَهنْ (سيرة إبن هشام ، ج1-2،ص453.).من أعظم حبيب في قلبك من البشر؟.أمك؟.أبوك؟ زوجتك؟ أبنك؟.أبنتك؟.لا ورب الكعبة فإنه لن يكمل إيمانك حتى يكون نبيك محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم أحب البشر إليك أحب إليك من كل الناس بل وحتى من نفسك التي بين جنبيك واسمع معي لما في الصحيح عن أنس رضي الله عنه عن الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو يقول
(لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ))، وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول:يَا رَسُولَ اللَّهِ لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا مِنْ نَفْسِي فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : ((لَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ))فَقَالَ لَهُ عُمَرُ فَإِنَّهُ الْآنَ وَاللَّهِ لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي فَقَالَ النَّبِيُّ((الْآنَ يَا عُمَرُ))؛ حبُ المصطفى صلى الله عليه وسلم هو أساس من أساسات الإيمان،حب المصطفى صلى الله عليه وسلم لا يجادل فيه إلا جاهل أو زنديق منافق، من حُرم حب خير الورى حُرم من أكبر حلاوة في الحياة حلاوة الإيمان أخبرنا عن ذلك من لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى بقوله
(ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ))(البخاري،الإيمان،ح(15)).أقولُ ولا يُلْقى لقوَليَ عائِبٌ..مِنَ الناسِ إلا عازبُ العقلِ مُبْعدُ..وليسَ هَوَايَ نازِعاً عَنْ ثنائهِ..لعليِّ بِهِ في جنةِ الخُلْدِ أَخْلدُ..مع المصطفى أرْجو بِذاكَ جِوارهُ..وفي نَيْلِ ذاكَ اليَوْمِ أسْعىَ وأجهدُ.صلى عليك الله ياعلم الهدى،صلى عليك الله ياإمام التقى،صلى عليك الله ياحبيب من اتقى، أخي الحبيب تعال معي وانظر إلى الحب في حلته البهية،وفي أكمل صوره العملية ترجمه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين بمنهجهم في الحب تقتدي البشرية:هذا أبوبكر رضي الله عنه يبكي فرحاً حينما يعلم أنه رفيقاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم في هجرته يمشي أمامه في الهجرة يوم يذكر الرصد ويمشي خلفه يوم يذكر الطلب حتى إذا جاء أمر فداه بنفسه، فداك أبي وأمي والناس أجمعين ياسيدي يارسول الله،وهذه نسيبة بنت كعب المازنية أم عمارة امرأة تحمل السيف تذوذ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم تكشف عنه الرجال وتساقط حوله الأبطال،فيقول لها سليني يا أم عمارة فتقول أسألك مرافقتك في الجنة،لا إله إلا الله حب في الدنيا وحب في الآخرة! وبعد أن انتهت غزوة أُحد مر جيش النبي صلى الله عليه وسلم وهو عائد للمدينة بامرأة من بني دينار،وقد أُصيب زوجها وأخوها وأبوها،فلما نُعوا لها قالت:فما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟.قالوا:خيراً يا أم فلان،هو بحمد الله كما تحبين،قالت:أرونيه حتى أنظر إليه،فأشير إليها حتى إذا رأته قالت:كل مُصيبة بعدك جلل يارسول الله(تريد صغيرة). الله أكبر طغى حبها لرسول الله على حبها لزوجها وأخيها وأبيها،وجاءت إليه بعد أُحدٍ أيضاً أُم سعد بن معاذ ،وسعد آخذ بلجام فرسه،فقال:يا رسول الله أمي، فقال:مرحباً بها ووقف لها،فلما دنت عزاها بابنها عمرو بن معاذ.فقالت:أما قد رأيتك سالماً،فقد اشتويت المصيبة (أي استقللتها)(الرحيق المختوم ، ص317)،ونماذج الحب الصادق التي ضربوها في حب الحبيب صلوات ربي وسلامه عليه عديدة يضيق المجال عن حصرها.لكن السؤال أين نحن من حب المصطفى صلى الله عليه وسلم ؟.لاشك أننا كلنا محبين لخير الورى وقد ترجم ذلك عملياً في المقاطعة الأخيرة للبضائع الدانمركية والتي نرجوا ألا تخفت حتى يرجع القوم لرشدهم ويعلم العالم أن لرسول الله محبين صادقين،لكنَّا نجد من بين أمة الإسلام من يفهم ذلك الحب على غير وجهه وينزله في غير منزلته!.فمنهم من قصره على حفلات ووجبات في هذا الشهر يجتمع فيها الناس فيذكرون طرفاً يسيراً من سيرته العطرة ويأتون فيها بمدائح شعرية وغير شعرية قد تصل لحد لا ترضاه شريعة الإسلام ولا يرضاها الحبيب صلوات ربي وسلامه عليه لوكان بيننا لأنها تتجاوز به عن مكانة العبودية والنبوة والرسالة إلى مجال الألوهية والعياذ بالله،فكيف يرضاها وهو الذي حذر أمته من أن تقع فيما وقع فيه النصارى حيث سول لهم الشيطان بخطوات فاتبعوه ؛عظَّموا مولد المسيحوأرخوا التاريخ بمولده،ثم غالوا في التعظيم والمديح والإطراء حتى قالوا المسيح ابن الله-تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً- من قبل فقال صلى الله عليه وسلم محذراً
(لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ))(البخاري كتاب أحاديث الأنبيااء حديث رقم 3189)؛وكل ذلك يتم بدعوى إظهار الفرح والحب للحبيب صلى الله عليه وسلم ؟.لكن أماعلم القوم أن البشرية أجمع أُصيبت بمصيبة ونُكبت بنكبة في هذا الشهر لا تدع مجالاً بعدها للفرح ألا وهي موت الحبيب صلى الله عليه وسلم فكيف لقلب مات حبيبه أن يفرح؟.كان أصحابه صلى الله عليه وسلم وهم خير من أحبه حين يذكرون وفاته يبكون بكاء مراً؛ذكر الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء أن بلالاً ترك المدينة وترك الأذان حزناً لوفاة حبيبه صلى الله عليه وسلم ورحل للشام ومكث بها "حتى قدم عمر الجابية فسأل المسلمون عمر أن يسأل بلالاً يؤذن لهم فسأله فأذن يوماً فلم يُرى يوماً كان أكثر باكياً من يومئذ ذكراً منهم للنبي صلى الله عليه وسلم " (الإمام شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي،سير أعلام النبلاء،ط[10](بيروت:مؤسسة الرسالة،1414هـ/1994م)،ج1،ص357).أولئك القوم الذين أحبوه محبة صادقة بكوا لذكره فكيف لقوم اليوم أن يفرحوا؟والأعجب من ذلك أنك ترى في القوم قبل الوليمة وبعدها من هو بعيد كل البعد عن سنة الحبيب صلوات ربي وسلامه عليه؛تنظر إليه فتراه وقد أسبل إزاره وحلق لحيته وعانق الدخان فمه،وتناثر الكلام القبيح من شدقيه أهذه ثمرات المحبة؟وقد جعل القوم من تلك الولائم أساساً للولاء والبراء فمن حضرها واستحبها فهو محب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أنكرها وحذر منها فهو وهابي مبغض لخير البرية صلوات ربي وسلامه عليه!.إن الحب الحقيقي يا أمة خير الورى يدفع للاتباع الكامل والدقيق للحبيب صلوات ربي وسلامه عليه؛ومن أكبر الأمثلة على ذلك عبدالله بن عمر رضي الله عنه ومما أُثرعنه أنه كان إذا سافر من المدينة إلى مكة جاء تحت شجرة وأجهد نفسه أن يبول تحتها لأنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يبول تحتها،كان يحاول أن يضع قدمه حين يمشي في المكان الذي مشى فيه النبي صلى الله عليه وسلم فهذا هو الحب الحقيقي،الأمة أيها الأحباب لا تحتاج لحب بارد لا حياة فيه يقتصر على المواسم والمناسبات وإنما هي بحاجة إلى حب يشتعل حرارة تدفع للاتباع والاقتداء كما أمر الله به في قوله: { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ()قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ } (آل عمران: 31-32). الخطبة الثانية
الحمد لله حمداً طيباً كثيراً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له جعل النجاة لمن استمسك من الدين بالعروة الوثقى وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبده ورسوله خير من أمر بالبر والتقوى.أمابعد:فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن في مقابل تلك الفئة فئة خشيت من الوقوع فيما وقعت فيه أختها فجفت وأخذت تنظر لكل من يُكثر من الصلاة والسلام على رسول الله أو من الثناء الحق عليه بأنه صوفي مبتدع،مع أن الحبيب صلوات ربي وسلامه عليه يقول
(..مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا ..))،ولماذا يصلي علينا الله تأتي الإجابة في الكتاب العزيز حيث يقول الله: { هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمً } (الأحزاب:43).وإنا والله لا نظن بكلا الطائفتين إلا أنهم أرادوا طريق الحق فأخطأوا،فنقول لهم ولأمة الإسلام كافة اعلموا أن الخير والنجاة من فتن العصر المتراكمة المظلمة إنما هو بإتباع ما جاءنا من ربنا عز وجل وبالاقتداء بما ثبت عن المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه وما كان عليه سلف هذه الأمة فقد تركن صلى الله عليه وسلم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك وقد حذرنا بقوله
(..فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ يَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّهَا ضَلَالَةٌ فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَعَلَيْهِ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ))(الترمذي كتاب العلم،حديث رقم 2600).فكل عبادة مهما استحسنتها النفوس ومال إليها الهوى لم تثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عن الخلفاء الراشدين وليس لها سند أوأصل يُضرب بها عرض الحائط لأنها تبعد صاحبها عن طريق الهدى فيضل وهو يبغي الرشاد.وأقول للآباء والمربين إن بين ناشئة أمة الإسلام جهلاً عظيماً بسيرة الحبيب صلوات ربي وسلامه عليه فليحرص كل أب وكل مرب أن يُذكر من أتمنه الله على تربيتهم بسيرة المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه ووجوب أن يحبه المحبة الصادقة الصحيحة التي تدفع للإقتداء والفداء.