لست أدري ما أقول..
وقد أعود لأقول شيئا معينا!..
وقد أكتفي بالبكاء صامتا.. وأدع فرصة للأشياء لكي تتلاطم بداخلي!..
وحتى يحين موعد الشيء الذي لا أعرفه..
أدعوكم لحفلة بكاء متقدة!..
رحمك الله عبد الوهاب.. فقط هذا ما تريده.. أما نحن فبحاجة إلى شيء يصفعنا جيدا حتى
نطلب رحمة الله بأدب يليق بجلاله.. وتذلل يليق بمقامنا!..
هنا حيث تتلاطم الأشياء..
--------------------------------------------------------------------------------
--------------------------------------------------------------------------------
عبد الوهاب*
حين يموت مؤرخ..
يحل شيخ أبيض حبوته.. ثم يفتح سجلا ضخما بضخامة الأشياء التي يحويها اسمه (التاريخ)..
ثم يسجل: رجل مر من هنا!!
لا شيء أكثر من سطر ينقش على هامة التاريخ الذي طالما نقشت من أجله السطور..
حين يموت مفكر..
يطفأ فانوس.. وتسقط دواة ينتثر حبرها على صفحات كتاب قديم!..ولا يصرخ أحد!
حين يموت مفكر..
يخبو نور كان يضيء رصيف الحياة.. يسقط نجم كان ينير درب الحيارى.. تتعطل بوصلة كانت
شمعة في يد البحار!..
--------------------------------------------------------------------------------
--------------------------------------------------------------------------------
عبد الوهاب*
الذين تموت أجسادهم.. وتبقى أرواحهم تطير مع الملائكة في السماء!..
الذين نظن أنهم ماتوا.. لأن دفناهم تحت التراب.. وهم أحياء لا يموتون..
خلدوا على وجه الأرض.. نقشوا وجه التاريخ.. ورسموا مسيرة الزمان!..
الذين نواريهم التراب.. نجزع لأنا أسلمنا أجسادهم لنهاية تفصلنا عنهم..
وهم يرحلون نحو بداية أخرى.. تنبت أرواحهم من تحت الأرض لتصبح أشجارا
سامقة.. تسقط ثمرا للجائعين.. تمنح ظلا للعابرين.. تشمخ كمنارات للمسافرين!..
الذين.. يولدون آحادا ويموتون أمما.. يعيشون أفرادا.. ويصنعون شعوبا..يمرون على
الدنيا لا يأخذون منها قليلا أو كثيرا..ويعطونها وجه آخر.. وعمرا أطول!..
أولئك تتعانق الأشياء لموتهم.. ويبتدئ التاريخ يموتهم صفحة أخرى!..
--------------------------------------------------------------------------------
--------------------------------------------------------------------------------
وتركك في الدنيا ضجيجا كأنما..
تداول سمع المرء أنمله العشر!.
وهل ثمة ضجيج أكبر من أن ترحل هادئا.. باسما.. راضيا.. مطمئنا..
وفي الكون من خلفك نحيب.. يحرك البحر.. ويفجر الشمس.. ويقف
الجميع من هوله في صمت.. ذهلهم الرحيل لأنهم كانوا يتذوقون
في فمهم ماء حلوا باردا.. يتعطشون إليه في زمن الأشياء المحترقة..
والآن.. رحل الساقي.. والمورد يعج بالعطاشى اللاهثين!..
إنها الأسطورة..
حين تفتح لنا عينا كانت مفتوحة لكنها لا تبصر.. تفتح لنا أذنا هي الأخرى
كانت مفتوحة لكنها لا تسمع.. ثم ترحل وتترك في العين غشاوة وفي السمع
ضعفا.. وفي القلب ذهول بامتداد المحيط!..
كلا.. إنها ليست أسطورة!..
إنها المعجزة..
حين تجرد منا حالة العمى الذي لا نشعر به.. وتتركنا مبصرين نصنع أشيائنا بذاتنا
ونغرف لأنفسنا ماء.. ولا ننتظر الساقي!..
المعجزة.. التي تأتي والكون فراغ كبير.. وترحل ولا يبقى مكان فارغ سواءا محرابها..
الذي ترجلت عنه وقد ملئت الكون نورا وضياءا!..
--------------------------------------------------------------------------------
--------------------------------------------------------------------------------