موضوع: فصل في علم الطب من كتاب مقدمة ابن خلدون الأحد فبراير 15, 2009 4:45 pm
من الفروع الطبيعيات صناعة الطب وهي صناعة تنظر في بدن الإنسان من حيث مرضه وصحته فيحاول صاحبها حفظ الصحة وبرء المرض بالأدوية والأغذية ،بعد أن يبن المرض الذي يخص كل عضو من أعضاء البدن ، وأسباب تلك الأمراض التي تنشأ عنها ، وما لكل مرض من الأدوية مستدلين بذلك بأمزجة الأدوية وقواها على المرض بالعلامات المؤذنة بنضجه وقبوله للدواء. أولا: في السجية و الفضلات والنبض محاذين لذلك قوة الطبيعة فإنها المدبرة في حالتي الصحة والمرض .وإنما الطبيب يحاذيها ويعينها بعض الشيء بحسب ما تقتضيه طبيعة المادة و الفصل والسن ويسمى العلم الجامع لهذا كله علم الطب وربما أفردوا بعض الأعضاء بالكلام وجعلوه علما خاصا ،كالعين و عالمها وأكحالها .وكذلك ألحقوا بالفن منافع الأعضاء ومعناها المنفعة التي خلق لأجلها كل عضو من أعضاء البدن الحيواني وإن لم يكن ذلك من موضوع علم الطب إلا أنهم جعلوه من لواحقه وتوابعه و لجالينوس في هذا الفن كتاب جليل عظيم المنفعة وهو إمام هذه الصناعة التي ترجمت كتبه فيها من الأقدمين ،يقال:يقال إنه كان معاصرا لعيسى عليه السلام ويقال إنه مات بصقلية في سبيل و مطاوعة اغتراب وتآليفه فيها هي الأمهات التي اقتدى بها جميع الأطباء من بعده. وكان للإسلام في هذه الصناعة أئمة جاؤوا من وراء الغاية مثل الرازي و المجوسي وابن سينا ، ومن أهل الأندلس أيضا الكثير وأشهرهم ابن زهر وهي لهذا العهد في المدن الاسلامية كأنها نقصت لوقوف العمران وتناقصه وهي من الصنائع التي لاتستدعيها إلا الحضارة والترف كما نبينه وللبادية من أهل العمران طب يبنونه في غالب الأمر على تجربة قاصرة على بعض الأشخاص ويتداولونه متوارثا عن مشايخ الحي وعجائزه ، وربما يصح منه البعض إلا أنه ليس على قانون طبيعي ولا على موافقة المزاج وكان عند العرب من هذا الطب الكثير وكان فيه أطباء معروفون كاحارث بن كلدة وغيره والطب المنقول في الشرعيات من هذا القبيل وليس من الوحي في شيء وانما هو أمر كان عاديا للعرب .ووقع في ذكر أحوال النبي صلى الله عليه وسلم من نوع ذكر أحواله التي هي عادة وجبلة ،لا من جهة أن ذلك مشروع على ذلك النحو من العمل .فإنه صلى الله عليه وسلم إنما بعث ليعلمنا الشرائع ولم يبعث لتعريف الطب ولا غيره من العاديات .وقد وقع له في شأن تلقيح النخل ما وقع ن فقال : "أنتم أعلم بأمور دنياكم ". فلا ينبغي أن يحمل شيء (من الذي وقع ) من الطب الذي وقع في الأحاديث الصحيحة المنقولة على أنه مشروع فليس هناك ما يدل عليه ،اللهم إلا إن استعمل على جهة التبرك وصدق العقد الإيماني ، فيكون له أثر عظيم في النفع وليس ذلك من الطب المزاجي وإنما هو من أثار الكلمة الإيمانية ، كما وقع في مداواة المبطون بالعسل ونحوه والله الهادي إلى الصواب لارب سواه. هذا النص من كتاب مقدمة ابن خلدون وهذا الكتاب فيه أكثر من 597 فصل تحتوي على جميع أمور الحياة. وهو من الكتب الصعبة الفهم والمعقدة جدا.