الصورة الشعرية ركن من أركان النص وتعد منطقة جذب لإحساس القارئ ومشاعره خصوصاً عندما تكتب بدقة وتركيز واضح وتتضح
مهارة الشاعر في أبعادها وإيحاءاتها وإيماءاتها، فهي تعد المميز النوعي لجنس الكتابة الشعرية، وهي السمة المميزة للنص وبؤرته
الجمالية وأهم أدوات الشاعر لبناء النص الشعري، يقول الأستاذ الشاعر خزعل الماجدي في كتابه العقل الشعري: (حياة الشعر، قوته
واندفاعه، فكم سيبدو الشعر شاحباً هزيلاً، إذا افتقد إلى الصور، وكم ستبدو اللغة الشعرية ثرثرة إنشائية، لو لم تستفزنا بصورة قافزة
نشطة نابهة). ويقول عنها (س.داي لويس) (الصورة الشعرية رسم قوامه الكلمات).
أما عز الدين إسماعيل رحمه الله يقول عنها (تركيبة وجدانية تنتمي إلى عالم الوجدان أكثر من انتمائها إلى عالم الواقع) فالشاعر المتميز
هو الذي يبتكر لنا صوراً جديدة مبتكرة منفردة بملامحها وأجزائها وعلاقة بعضها مع بعض، بعيدة كل البعد عن الوصف المباشر
والتقريرية المملة بدلالات إيحائية ورمزية جميلة رائعة خلابة عن طريق التركيبات الاستعارية المكثفة المكتنزة بالإيحاء وعمق الدلالة يكتبها
بشعور صادق وبتوافق تام بين الفكر والإحساس وبين الجزء والكل بنمطيها الحسي والذهني معبراً عما يختلج بنفسه ويكنه في قلبه من
خلال الاندماج مع المتخيل الشعري حيث فضاءات الدهشة والومضات التأملية المتتالية، موصلاً لنا تموجات الصور الشعرية داخل محيط
المشهد الشعري الذي تتنامى فيه إيقاعات الروح وتتشظى من خلاله تفاعلات الوعي والخيال، فهو يستنطق حواسنا ويرتب لنا متعة
القراءة بصورها المتعددة تتراوح بين حسية بصرية وذهنية خيالية مجردة فالشاعر من خلال دقة الصور ينغمس في ذاته ويغوص في عقله
الباطني ناسج العالم الخارجي بشكله الظاهري مع العالم الداخلي بصور حسية ونفسية قابلة للحركة والنمو تعطي الشعر قيمة فنية
وجمالية يقول ستيفن سبندر في كتابه صناعة القصيدة (يحتم على الشاعر المتميز أن يكون قادراً على التفكير بالصور، وعليه أن يمتلك
سيطرة كبيرة على اللغة مثل سيطرة الرسام على حاملة ألوانه).
ناسجا وشائج حميمة بين الصورة وبين اللغة التي يكتب بها، فاتحاً نافذة نطل من خلالها على أسرار تلك الصور ومكنوناتها الباذخة
الروعة والجمال مضفيا دلالات إيحائية عميقة على المعنى المراد إيصاله يقول باوند: (الصورة هي التي تعرض مركباً عقلياً وعاطفياً في
لحظة من الزمن) وأجمل تلك الصور الشعرية هيا التي تمتزج فيها الحسي النفسي بالواقعي الخارجي متضمنة المعنى واللون والصوت
الحركة والزمان والمكان نقلا لنا ما يراه في ذاته ويموج نفسيته وإلا ما الفائدة من نقل الواقع وتطابقه كما في الصورة المرئية وإن أظهر
لنا حركة سردية في الصورة إذ يجب أن يهتم بالتفكير الحسي محطماً الحدود الزمنية والمكانية ومشكلها بألوانه النفسية كما يقول
أروين ادمان (تعد ارتباط بين مجموعة من الصور والرؤى والأفكار المندمجة في وحدة مفردة خلال حالة نفسية تربط بينهما).
فكلما زادت قوة مخيلة الشاعر بالاستعارة والأنزياحات اللغوية زادت القيمة الإبداعية المفعمة بالديمومة والحيوية والجمل، فالتجديد
بالصورة الشعرية أمر حتمي إذا ما أردنا منها توصيل تلك الشحن والطاقات المتفجرة في ذات الشاعر ووجدان المتلقي لأن الصورة المقلدة
لا تلبث إلا أن تخبو جذوتها وتتحول إلى رماد تذروه رياح النسيان بالصور القديمة المستهلكة لا رونق لها ولا بهاء ومن أنواع الصور
الشعرية التي بينها لنا الأستاذ خالد الغريبي في كتابه قضايا النص الشعري العربي الحديث، من حيث تركيبها وهيئتها (بسيطة - مركبة -
كلية - جزئية - حسية - تجريبية) ومن حيث نوعها وتكوينها وبناؤها (رمزية - إيقاعية - تضادية - عنقودية - تشكيلية) ومن حيث جهة
مرجعيتها وأفقها (استراجعية- استكشافية- استشرافية) ومن حيث جهة طبيعتها الأجناسية (مسردة - مسرحية).