صدام حسين في ميزان الإسلام
اخترت الحديث في هذا الفصل عن الرئيس صدام حسين، وعن سر الاهتمام به لهذه الدرجة والرجل –كما يقال-ذهب بخيره وشره، والمهم الآن هو العراق وشعبه ومقاومته الباسلة، أقول رغم ذلك لابد من إنصاف الرجل وعدم الانسياق وراء الدعاية الأمريكية التي تريد تصويره كحاكم طاغية ارتكب مجازر جماعية بحق شعبه، عدوانيا....الخ
فبالنسبة لي لا زلت اعتقد أن هذا الرجل صاحب مشروع تاريخي، وأنه كان يكفي ليبقى في الحكم أن يعترف بإسرائيل وأن يطلق يد الشركات الأمريكية تعيث فسادا في النفط العراقي، ولكنه آثر المواجهة مع أمريكيا ويقاتل بنفسه على العيش ذليلا تحت أقدام السيد الأمريكي، وأن دوره لم ينتهي بيوم إعلان سقوط بغداد وأن الأيام القادمة حبلى بالأحداث التي ستثبت ذلك.
ويسرني أن أقدم شهادة ممن اختلفوا معه ولكنهم أنصفوه للتاريخ، وهذه شهادة من موقع (مفكرة الإسلام) حيث قام مراسلوا الموقع بجمع المعلومات عنه وجابوا أنحاء العراق للتحقق من كل معلومة وقدموا عملهم في كتاب يحمل عنوان (صدام في ميزان الإسلام) ، وأقدمها للإسلاميين،وبالخصوص منهم من لازالوا يناصبون الرئيس صدام حسين العداء واقتبس منه بتصرف الفصل التالي:
((قام فريق 'مفكرة الإسلام' العامل في العراق بمحاولة جمع مجموعة من الحقائق والتغيرات والتحسينات بأمانة شرعية عن حياة صدام حسين نستطيع أن تقول عنها ونحن في غاية الاطمئنان:هذه شهادتنا،والله على ما نقول شهيد.
نحكيها دون النظر في نوايا صاحبها [ صدام ] ودون النظر في تأويل كاتبها [ موقع مفكرة الإسلام ] أو فهم قارئها [ أنت ] علماً بأن هذه التغيرات لم تجمع في مكان آخر فيما نعلم أبداً ـ قبل ـ هذا الكتاب ، كما أن هذا الجمع اتصف بشمولية البحث فيكفي أن الإخوة ينتقلون أحياناً مسافة تتجاوز 300 كم من أجل التأكد من جزئية معلومة معينة ، وفي آخر ستة أشهر قبل سقوط صدام قام هؤلاء الإخوة بضرب العراق طولاً وعرضاً لم يعرفوا خلالها أهلهم ، و هؤلاء الإخوة سبق أن نالهم أذى في فترات سابقة من حكم صدام ولم يكن لهم حُظوة لديه ولامنصب ولا قُرْبة .وماسنذكره من حقائق لا يستطيع أي عراقي داخل العراق يتمتع بالإنصاف ، والاطلاع أن ينفيها أو ينفي واحداً منها ،اللهم إلا أن يقول عن بعضها : لا علم لي بها.! ولذلك فإنا لا نشك أبداً أن الناظر في هذا الكتاب من العراقيين المستوطنين خارج بلادهم والمدمنين على لعن صدام وذمه ـ من الإسلاميين ـ سيكون له هذا البحث كالصدمة التي تفيقهم من وهم عميق عاشوه طويلاً من غير أن يشعروا ، ورددوه كثيراً من غير أن يتبينوا ، حين صدقوا كل وارد ذم ـ عن صدام ـ ، وقد كان كثير منه ـ ولا أقول كله ـ وارد شيطان ...! ومن باب الشهادة جاءت هذه الأعمال التي حدثت بأمر من صدام حسين نفسه في العقد الأخير من حياته، فلم تكن خطابات جماهيرية ، ولا أحاديث تحدّث بها ليخادع مجموعة من المشايخ، ولم تستمر ليوم أو لشهر أو سنة ، ثم رفعت ... بل هي قرارات طبقت لاعلى أرض الواقع، ولمدة تزيد على عقد من الزمان تقريباً ، ولم يتوقف العمل بها إلا بخلعه من ملكه .
ونحن ننقلها كما هي من الواقع ، تاركين لطالب الحق الحكم:
1. منذ عشر سنين تقريباً أصبحت حصة التربية الإسلامية في المدارس العراقية إلزامية في الاختبارات والدرجات ، حيث يدرس الطالب فيها مادة متنوعة من قرآن وتفسير وتربية إسلامية ، فيأخذ طالب الابتدائي خلال الست سنوات حصة كل يوم وإذا ارتقى إلى المرحلة الإعدادية فيأخذ ثلاث حصص كل أسبوع ومثلها أيضاً في المرحلة الثانوية ، وقد كانت قديماً حصص الدين شبه معدومة ، ولكن بدأت في الارتقاء حتى وصلت لهذه المرحلة ، وحسب معلوماتنا فقد كانت هناك نية أكيدة لدى حكومة صدام حسين لكي ترفع هذا المعدل لأكثر من المقرر على المراحل التعليمية وقد تقرر إضافة حصة القرآن الكريم على طلاب الكليات الجامعية بمختلف التخصصات ، وأبلغ الطلاب بهذا ولم يتمكن من العمل به في وقتها، ولكن ذهاب صدام وزوال حكمه أفسد هذا الأمل لدى كل عراقي .
2. أصدر صدام حسين قراراً بإسقاط الضريبة عن أي تاجر يبني مسجداً ، بل إن التحفيز ظاهر في بناء أكبر عدد من المساجد وأكبر مساحة للمسجد الواحد ، حيث إن مقدار سقوط الضريبة عن أموال التاجر بمقدار تكلفة بناء المسجد أو عدد من المساجد ، ونحن نتساءل: هل يعقل أن هناك رجلاً يحارب الإسلام من جذوره ويسعى لخلعه ربقة ربقة ثم يسعى لتحفيز الناس لبناء مأوى الدعوة الحقيقي والذي تنطلق منه حقيقة الإسلام ؟!!!
3. قام ببناء الكثير من المعاهد الإسلامية والكليات الشرعية للسنة ، ومن هذه المعاهد نذكر منها: المعهد العالي للإمامة والخطابة بفروعه المتعددة ، وجامعة صدام للعلوم الإسلامية ، وكلية المعارف وهي كلية أهلية تدرس العلوم الشرعية في الرمادي ، والمشرف عليها هو الدكتور عبد الرزاق السعدي ، بالإضافة إلى كلية العلوم الإسلامية بفرعيها : أصول الدين والشريعة وغيرها كثير ، ونحن تعلمنا من التاريخ قديماً وحديثاً أن الظالم يسعى لحجب نور العلم والمعرفة عن الأتباع ، لأن حقيقة المعرفة المستقبلية تؤدي في الغالب إلى تربية النفوس على البذل والتضحية في سبيل أي هدف نبيل ، وهذا مايخشاه كل ظالم ، فلماذا يسعى مثل صدام إلى نشر مراكز العلوم هذه ، وهي ليست ككل العلوم بل هي علوم شرعية والتي تؤدي في واقعها إلى مراقبة العمل ومحاسبة المسئول ، وهذا أخشى ما يخشاه كل إنسان مستبد .
4. طبق نظام صدام السابق في قضية المرأة العراقية الحكم الشرعي في مسألة السفر ، فلم يجعل لها الحرية في السفر بدون محرم لما يترتب على ذلك من مفاسد عظيمة ، وهذا نص الحديث النبوي : ' لايحل لامرأة أن تسافر ثلاثة أيام بلا محرم ' وهذا من ضمن ماشنع العلمانيون على صدام في مجال حريات المرأة ، ولم يكن صدام لوحده من يطبق هذا الحكم الشرعي بل سبقته إليه السعودية منذ نشأتها ، وكذلك مازال هذا الحكم الشرعي مطبقا إلى ساعة إصدار هذا الكتاب في دولتي الكويت واليمن فقط حسب علمنا ، ونظن أن هذا ليس مما يذم به بل مما يمدح عليه ، لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم ، ولكنه شدد كثيراً في مسألة المتزوجة حيث يشترط أن يسافر معها زوجها ، ونحن نتساءل أين ذلك الخطيب الذي كنا نسمعه بعد أزمة الخليج الثانية وهو يقول : إن صدام قد سعى لنشر الزنا ومحلات الدعارة بين الشعب العراقي ، وكأن الشعب العراقي شعب عهر وفجر ، ولكنها العجلة والتسرع في إطلاق الأحكام وإصغاء الآذان لما يقال في كثير من المصادر الإعلامية
5. ظهر حزب البعث في عالمنا الإسلامي كغيره من الأحزاب القومية والعلمانية ، ولكن عندما نتتبع عجلة حزب البعث نجد أنه على خلاف باقي الأحزاب العلمانية أو من تتلحف بلباس العروبة ، فحزب البعث عند مراقبة تنظيماته ومناهجه تجد أنه في حالة تقدم بل وتغيرت جلدته كثيراً ، ولا نقول إن هذا التغير هو تغير تنظيمي لا علاقة له بشرع الله ، بل شكلت لجنة بعد أزمة الخليج بإعادة صياغة المناهج التي تشكل العقلية الدينية لحزب البعث ، وفعلاً خرجت تلك اللجنة بتوصيات مهمة وعرضت على المسئولين من أجل النظر فيها ، وكم كان العجب كبيراً فقد كتبت التوصيات كإبراء لذمة كاتبيها أمام الله وهم كانوا على يقين أنها سترفض ، ولكن تمت الموافقة على أمور مهمة جداً ، فقد عُمّم منهج شرعي علمي على جميع الحِلَق الحزبية مهما علت ، وتم إنشاء معهد مدته سنتان ، ويتم فيه تدريس العلوم الشرعية لكوادر الحزب ، وصدرت أوامر تحذيرية بمعاقبة المتخلفين عن حضور مثل هذه الدروس وغيرها في المعهد ، والذي وضع المنهج أحد الشيوخ الذين نثق بدينه وعلمه ، ومن الأمثلة على ما هو مقرر على الطبقة العليا من مستوى [ عضو فرقة ] حفظ ثلاثة أجزاء من القرآن الكريم ، وتم اختيار كتاب ' فقه السنة ' للسيد سابق ، و ' منهاج المسلم ' لأبي بكر الجزائري ، ومازلنا نذكر كلمة حق من الشيخ عايض القرني قالها في لقاء إذاعي مع إذاعة إم بي سي أثناء ضرب العراق في حربه الأخيرة حيث قال إن حزب البعث قد تغيرت كثير من المفاهيم لديه .
6. كما قام صدام بإلزام أعضاء حزب البعث ببرنامج عملي فضلاً عن البرنامج النظري الذي ذكرناه في النقطة السابقة ، حيث أمرهم بأداء الفروض الخمس جماعة في المسجد والصلاة الأسبوعية ' الجمعة ' ، وشدد على أن هذه الصلاة يجب أن تصلى في المسجد ، ولا نعلم إن كانت هناك عقوبة لمن ثبت تركه الدائم لتلك الصلاة في المسجد ، ولكن مجرد الأوامر بهذه الأشياء يعتبر حدثاً مهماً .