نبدا بسلسلة :لماذا المطالعة؟
ساعرض في هذا المقال الاسباب التي تدفعني و تجذبني شخصيا بنفس الوقت
للمطالعة. نرجو من الاعضاء ان يناقشوا هذه الاسباب ,ويعرضوا الاسباب التي
تدفعهم او تجذبهم للمطالعة او تنفرهم منها .
هناك الكثير من الكائنات الحية : من ذوات الخلية الواحدة او اقل من ذلك
الى الاعشاب,الاشجار العالية.من الحشرات الى الحيوانات المتوحشة . الاسماك
الى الطيور . من الحيوانات ذات الرادار مثل الدلفين الذي يستطيع الكشف عن
عملة معدنية تحت الرمل على بعد 1.5 كم الى الحيوانات ذات الاشعة الحمراء.
وهناك كائن اسمه: الانسان.
ماهي الحدود بين الكائنات الحية التي ذكرت اعلاه و الانسان والتي على
اساسها يعبر الانسان مكرّما عليها؟ ليست العضلات (فالاسد اقوى).و لا
القدرة على التمتع فقسم من الحيوانات يتمتع اكثر من قسم كبيرمن البشر
الجوعى. بل العقل..لذا يجب صقل و ابراز هذه الحدود ما امكن .
يستطيع الدلفين اكتشاف عملة معدنية تحت الرمل عن بعد 1.5 كمبواسطة اطلاقه موجات صوتية ( ومع هذا فالانسان مكرم عليه!)
يمكن للمطالعة ان ترتقي بالعقل فلسفيا باستغلال امر يتميّز به الانسان من
غير الحيوان,او تشريحيا :فان 100 الف خلية عصبية بالدماغ تموت يوميا
اعتبارا من جيل 1.5 سنه وحتى بقية حياته. فكيف يكون البالغ اذكى من الطفل
اذن؟ لان العبرة بالذكاء هي بعدد الوصلات العصبية والتي تزداد بالقراءة و
تقل بانعدامها ,لا بعدد الخلايا.
صورة خلايا عصبية
من يطالع يعش تجارب امته بزمانه وتجارب الامم والشعوب و القبائل و الممالك
منذ فجر التاريخ و على امتداد الجغرافيا ويحللها الى عواملها ما استطاع و
يقارن بينها فيبدا من حيث انتهى الاخرون ولا يتخبط بنفس المتاهة التي تخبط
بها الاقدمون وربما توصلوا بالنهاية لحل لها.
فلا عجب بعد هذا كله ان يسرد لنا الله قصص الامم السابقة بالقران و يأمرنا
بالاتعاظ بها “افلم يسيروا في الارض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من
قبلهم” من 109 يوسف.
ليس هذا فحسب بل ان من يقرا الماضي قد يعيش المستقبل .. فمن قرا القصص
العلمي الخيالي لجول فيرن مثل: الرحلة الى القمر او الرحلة الى القطب او
الرحلة الى اعماق البحار و الرحلة الى اعماق الارض بزمان كتابتها لعاش
الاحداث قبل ولادتها وقل هذا في باقي القصص العلمي الخيالي مثل قصة 1984.
اكثر من هذا فان من يقرا يزداد رصيده المعرفي فيستنبط قوانين تاريخية او
اجتماعية او نفسية او .. ولو كانت بصورتها غير النهائية فياخذ باستشراف
المستقبل اعتمادا على القوانين التي استنبطها من الماضي ( التاريخ)
جول فيرن (1828-1905)
مثلا لو قرا الانسان عن التجربة الشيوعية بمصر الفرعونية قبل الاف السنين
لوفر على نفسه التجربة الشيوعية الحديثة .و من يقرا تاريخ امريكا يعرف اين
ستكون المجزرة التالية او اسقاط قوانين من مجال معين على مجال اخر (مثل
بناء الرادار على هيئة رادار الدلفين) .
نعم قد يعيش القارئ في الخيال ولكن خيال اليوم حقيقة المستقبل , ومات فان
جوخ فقيرا وبعد موته بيعت لوحاته بالملايين و قد يرى ابعادا اخرى وعوالم
اخرى لا يراها بقية الناس مما يشعره بالاغتراب و قد يدخل بمتاهات فكرية
ولكن اليس لهذا السبب كرّم الله الانسان لقدرته على الاختيار و لو كان
كالنحلة مسيرا لما كان هناك معنى لجنة او لنار.
ان القارئ يكون من العارفين وليس من اولئك المتذبذبين بين الاراء المبنية
على اشاعات او وعود .ان القراءة مسألة حياة او مجزرة تتكرر بشكل مممل بسبب
جهل الضحايا.
من لا يقرا سخيف و لا يعرف ان كانت كروية الارض مجرد نظرية ام حقيقة ولو كان من طلاب الطب(كما سالني احدهم شخصيا)
90% من اللغات ستنقرض بالعولمة وبالمطالعة تدب الحياة باللغة.
ابعد هذا كله فهمنا لماذا يحرق الدكتاتوريون الكتب؟! لانه النافذة على
حقيقة اخرى, على امل اخر ,على ارض اخرى لا يهيمن عليها الدكتاتور..لذا
احرقت الصين بثورتها التي سميت الثورة الثقافية الكتب التي تعادي فكرتها و
كذا الامر مع النازيين اولم يقل احد المفكرين في المكان الذي تحرق فيه
الكتب يحرق فيه البشر ؟!
نازيون يحرقون الكتب في برلين عام 1933 ( قبل نشوب الحرب العالمية الثانية)
و الكتاب المقدس منعت ترجمته لغير اللاتينية ليحتكر رجال الدين تفسيره
(وهذه احد اسباب ثورة مارتن لوثر -مؤسس البروتستنتية) مقابل القران
بقراءاته المتعددة و كونه حمالا ذا اوجه (يثير الابداع) .والرقابة الحديثة
هي حرق للكتب بمرحلة مبكرة من النشر.
القيادة – من لا يقرا يكون ابن زمانه ومجتمعه و لا يمكنه ان يكون ابا غد لشعبه..لا يمكنه ان يكون قائدا.
الحماس - ومن يقرأ يكون على بينة من الامر لذا يكون متحمسا ولكن جذور
حماسه تكون ضاربة باعماق المنطق و ليس نابتة في الهواء . لذا قال احد
المؤرخين في اشارة منه للحماس الذي يدبه التاريخ بالشعوب ” ان التاريخ
اخطر ما صنعه الانسان” . ومن لا يقرا كيف يكون متحمسا؟!
الابداع- عندما تقرا ابداعات الامم السابقة يرتفع لديك سقف الابداع .
مثال: عندما تعلم ان السفن تتسلق الجبال بقناة بنما لابداع هندستها فسوف
تضمحل الحواجز و المعوقات لشقك طريقا جبليا من باب اولى .