موضوع: ملاحظات حول القصة الجزائرية الراهنة الجمعة يونيو 05, 2009 12:29 pm
الثراء الفوضوي للتجربة في ظل الغياب المريب للفعل النقدي عيسى شريط
إذا ما تأملنا رأي النقاد والكتاب الجزائريين فضلا على رأي الشعراء أنفسهم، فإننا نقف على حقيقة قد تبدو للوهلة الأولى مغالية من حيث أنها تؤكد بشكل قاطع أن النص النثري في الفضاء الأدبي الجزائري الراهن أكثر الأجناس الأدبية تطورا ونضجا، مما مكنه من إيجاد مكانة له ضمن فضاء نظيره العربي وتمكن من مسايرة تطوره من كل النواحي الشكلية والموضوعية..ففي مجال الشعر، يبدو أن القصيدة الراهنة تفتقر الى جملة العناصر التي تضمن لها صفة القصيدة الشعرية أو بالأحرى شعريتها "Poécité"، لعل أهم هذه العناصر هو بديهية توفرها على عاملي الصدق الفني والتجربة الفكرية والحياتية، في حين يتوفر النص النثري على هذين العاملين بشكل يجعله أكثر نضجا وعمقا... الغرض المستهدف من هذا التمهيد ليس المقارنة بين الجنسين الأدبيين بقدر ما هو الإشارة الى أهمية ومستوى النص النثري الجزائري رواية وقصة قصيرة، مما يستدعي لفت انتباه النقاد الى ضرورة احتضانه نقدا أكاديميا يمهد له سبل التطور أكثر باعتباره الجنس الأدبي الوحيد حاليا، الكفيل بلعب دور السفير المتميز للتجربة الأدبية الجزائرية ضمن نظيراتها الأدبية العالمية هذا من جهة، ومن جهة أخرى، محاولة إثارة انتباه المعنيين الى الاهتمام أكثر بالنص النثري الذي أرى أنه مهمش مقارنة بنظيره الشعري، فمنابر الشعر في الجزائر كثيرة علبى الرغم من ضعف القصيدة الشعرية من حيث الإضافة والتجديد والتجربة الفنية الفكرية والحياتية، بل ويعتقد الشعراء أنفسهم بأن القصيدة الجزائرية الراهنة هي مجرد اجترار لتجارب سابقة، هذا الشاعر الرائع "عاشور فني" يؤكد ( الاستعجالية واستعادة تجارب الآخرين هما آفتا الإبداع في الوقت الراهن، لقد شاع السطو على نصوص الآخرين...التجارب الزائفة تتصدر المنابر الإعلامية وتصادر حق الآخرين)(1)..ويؤكد الشاعر "الأخضر فلوس" من جهته وبإصرار مثير في كثير من اللقاءات وأكثر من منبر نفس الطرح، بل يكاد يجزم في بعض الأحيان أن ما ينشر الآن من قصائد لا يتعدى على الإطلاق الفعل الاستنساخي الوفي لتجارب سابقة أتى معظمها من المشرق العربي...
قبل التطرق الى تجربة القصة القصيرة الجزائرية الراهنة، انطلاقا من تجربتي الشخصية المتواضعة، بالإضافة الى اعتمادي على جملة المقاربات النقدية الانطباعية التي تمكنت من حوصلتها على مدى أكثر من أربع سنوات، وعلى ضوء ما أنتج من القصص المنشورة سواء عبر الملفات الأدبية الصحفية أو عبر ما نشرته بعض الهيئات والجمعيات المتخصصة، أرى أنه من البديهي أن نعرج قليلا على محور مفهوم القصة القصيرة تنظيرا بعيدا عن المفاهيم المدرسية القاموسية البسيطة الساذجة التي تستند على مفاهيم تعمل دوما على تكريس حدود صارمة يتعذر تجاوزها، قامعة كابتة لكل مبادرة مبدعة مؤسسة عادة على توفر عامل التحرر من كل موروث كابت..(إن محاولة التنظير للقصة القصيرة وشرحها والتعريف بها كمحاولة وصف مرآة لشخص همجي لم ير مرآة في حياته) هكذا تعتقد الكاتبة الأمريكية " هالي بيرنت Hallie Burnett ) (2) التي أشرفت على المجلة الأمريكية "Story" لمدة تقارب أربعين سنة، وهذا الاعتقاد النابع من صاحبة تجربة كبيرة لها باع في كتابة القصة القصيرة (*) لا يمكن المرور عليه مرور الكرام، بل يستدعي الانتباه والتمعن فيه وفيما يحوي ما بين سطوره..لعل أبرز ما نستخلصه هو أن هاجس تعريف الأشياء اللاصقة بالفعل الإبداعي تعريفا كيميائيا نهائيا مطلقا حيث رسم الحدود الصارمة وحصر القواعد الملزمة يتعذر تجاوزها، يعد ضربا من التهور الذي لا يسعى إلا خلف كبت كل مبادرة إبداعية تسعى الى التجديد، كما يعمل هذا التهور وبشكل وفـيّ على تكريس الموروث بكل حذافيره سلبا وإيجابا..التعريف أو المفهوم في اعتقادي، يسعى الى تحقيق غرض محدد يصب في إدراج بعض البديهيات التي تمكننا من اعتبار ما نقرؤه رواية أو قصة، أو قصة قصيرة، مما يحتم بل يجب على التعريف أن يتحرر من صفة "المطلق" ويكتفي بالإشارة الى ما يجب توفره من عناصر يسمح لنا بإمكانية تحديد وتصنيف ماهية النصوص بغض النظر عن أسلوب كتابتها أو كيفية بنائها، وتأسيسا على ما سلف يمكن اعتبار أي نص نثري يتوفر على جملة من العناصر أهمها الأسلوب، الشخصيات، الأحداث ، المواقف، الرؤى والأفكار التي تشكل وجهات النظر، عملا قصصيا حتى وإن تحرر في كيفية بنائه من كل الأساليب والمذاهب المعهودة التي يمجد بعضها فعل اللاتجاوز لكل الخطوط الحمراء المحددة مسبقا، ذلك في اعتقادي، ما يعمل بشكل وفـيّ على هضم حق القارئ وحرمانه من لذة المتعة التخيلية التي تمكنه من المساهمة في العملية الكتابية الإبداعية عبر ما يضيفه من لمسات ذاتية للنص، خلافا مثلا، لما كان "تشيخوف" يؤسس عليه أعماله الأدبية التي تسهر على احترام القارئ وإقحامه في العملية الإبداعية، إذ قال ( عندما أكتب أراهن بعمق على القارئ واعتمد عليه في إضافة العناصر الذاتية والشخصية التي يفتقر إليها نصي)(3)..لعل "تشيخوف" يبحث من خلال ذلك على ضمان فعل التواصل الإيجابي بين نصه والقارئ، واليقين أن هذا التواصل لن يتم إلا إذا كان النص موحيا وجذابا ومغريا الى حد يتمكن فيه من إثارة فضول القارئ المعاصر وجذبه الى قراءته و متابعته، ذلك يتحقق بفعل الإمتاع والتشويق ودغدغة الوجدان والعقل، أما إذا ما أفتقر النص النثري الى حركتي الجذب والإغراء فإنه لن يتمكن من إثارة حركة التقارب لدى القارئ بقدر ما تثير حركة نفوره مما يمنع التواصل بينهما إيجابا(**)..علما بأن مفاهيم القصة القصيرة اختلف في تحديدها وتعريفها كثير من الكتاب والنقاد أسلوبا وبناء ومحتوى، مما يؤكد صعوبة التنظير المطلق لهذا الجنس الأدبي المتميز، واعتقادي أن المفاهيم المعاصرة التي تحاول تحديد ماهية القصة القصيرة هي التي تكتسي الأهمية اعتبارا للراهن ورؤاه الفلسفية والفكرية والجمالية التي تمكننا من إنتاج أدب جزائري راهن يتوفر على قدرة التأقلم والتفاعل الإيجابي والظواهر الفكرية والثقافية الآنية التي يبدو أنها لا تتفاعل وكل قيمة بالية تكرس التطرف واللاتسامح والانسداد اتجاه الثقافات الأخرى، ذلك فقط ما يمكننا من الحفاظ على الذاتية المتميزة وتوفير إمكانية الوجود في ظل زحف العولمة بكل أشكالها، مقارنة والمفاهيم القديمة التي ربما قد تجاوزها الزمن في مسايرة هذا الراهن... من بين المحاور التي تطرقت إليها الكاتبة الأمريكية "بيرنيت" في كتابها استعراضها لمفهوم عدد من الكتاب المعاصرين للقصة القصيرة، يرى البعض أن القصة التي لا تحوي على وجهة نظر مع بناء فني جيد لا تساوي شيئا.. ويرى البعض الأخر بأنها تعتبر حكاية من صنع الخيال لها معنى وممتعة من حيث جذب انتباه القارئ، وعميقة من حيث تعبيرها على الطبيعة البشرية. ويرى بعضهم بأن القصة القصيرة الناجحة هي تلك التي تتوفر على عاملي المتعة والجذب، ولا أهمية للاتجاه الذي تحاول استدراج القارئ إليه، فإن ما يهم القارئ حسب رأي "تشيخوف" هو أن تشده القصة وتصدمه وتمتعه فضلا على زرع الشعور فيه بأنه قد خاض تجربة أكثر عمقا من تجاربه الخاصة..في حين يعتقد بعض الكتاب بأن على القصة أن تقدم فكرة في المقام الأول ثم وجهة نظر ومعلومة ما عن الطبيعة البشرية بحس عميق، ويأتي بعد ذلك الأسلوب...وخلاصة لكل هذه الرؤى المعاصرة والمختلفة ترى الكاتبة بأن العنصر الجوهري الذي يحدد جودة القصة في النهاية هو القصة نفسها ومدى صدقها الفني..لعل القارئ الكريم قد لاحظ عبر مجمل المفاهيم أن الكتاب المعاصرين يبحثون دوما على تحرير القصة القصيرة من كل ضوابط وقواعد صارمة يتعذر تجاوزها...
موضوع: رد: ملاحظات حول القصة الجزائرية الراهنة الجمعة يونيو 05, 2009 1:19 pm
بارك الله فيك موضوع رائع منذ صغري كنت مولعة بقراءة القصص القصيرة لكتاب جزائرين وعموما في مجلة العربي الكويتية فقد كنت اجد العديد من القصص القصيرة مكتوبة من طرف مشاهير الكتاب العرب والاجانب الا اني كنت اختار القصصة الخاصة بالجزائريين منهم فقط فهي كما تقولها الاستاذة سماش عزفها على الوتر الحساس ابدع والطف