عدم صمت مطبق دام أزيد من أربعين عامًا عن سر امتلاك الكيان الصهيوني للسلاح النووي، وسط تسوقه الإعلامي لامتلاكه له بمعطيات تتجاذبها التهويلات والمبالغات، قرع أجراس العالم للاعتراف الصريح ليهود أولمرت بكشف هذا السر في مقابلة صحفية لمحطة تلفزيونية ألمانية بأن : "إسرائيل لا تهدد أي بلد بأي شيء ولم تفعل ذلك قط. أقصى ما حاولنا الحصول عليه لأنفسنا هو أن نكون قادرين على العيش دون إرهاب. لكننا لم نهدد أي شعب بالإبادة"، مضيفا "أما إيران فهي تهدد صراحة وبوضوح وعلنا بمحو إسرائيل من الخريطة. هل يمكنكم أن تقولوا إن الأمرين متساويان عندما يتطلعون لامتلاك أسلحة نووية مثل أمريكا وفرنسا وإسرائيل وروسيا".

الغريب أنه رغم امتلاك "إسرائيل" لأسلحة الدمار إلا أن النظام العربي لم يتحرك لمواجهة التحدي النووي "الإسرائيلي"، ولم يتغير أيضاً بعد الإعلان "الإسرائيلي" الرسمي عن هذا الامتلاك، بما يشكله من خطر على الوجود العربي والسلام والأمن في المنطقة العربية. ولذلك فإن معالجة هذا الخطر تبدو أكثر صعوبة بعد أن تكشف السر ومن قبله الحقائق المذهلة حول طبيعة ومدى ما تمتلكه "إسرائيل" من أسلحة نووية سواء من ناحية الكم أو من ناحية النوع أو وسائل إيصالها.

الاعتراف الرسمي سبقه اعترافات غير رسمية أكدت امتلاك الدولة العبرية للسلاح النووي بنية استعمالها كقوة للردع ضد أي هجوم خارجي، فمنذ سنوات هدد البروفيسور اليهودي "إسرائيل ايلداد" في إحدى محاضراته في جامعة (باريلان): إننا سنذيق عدونا مرارة الهزيمة والدمار، كما أورد الكاتب الأمريكي اليهودي زئيف لتكوير في كتابه "المواجهة": بأن "إسرائيل" لن تتردد ولو للحظة في استخدام السلاح النووي بهدف إبادة العدو.

لا شك أن الخيار النووي "الإسرائيلي" يعد الركيزة الأساسية والاستراتيجية للكيان الصهيوني منذ نهاية الأربعينات، ذلك أن هذا السلاح الخطير في يد هذا الغاصب يجب أن يأخذ في الحسبان أن "إسرائيل" قد تستخدمه ضمن استراتيجيات الترهيب الإقليمي والعالمي.

ففي عام 1948 م بدأت أحلام إسرائيل في أن تتحول إلى دولة نووية، خاصة بعد العثور على احتياطي كبير من رواسب الفوسفات التي تحتوي على اليورانيوم بفضل عملية مسح للكشف عن الموارد المعدنية في صحراء النقب قام بها فرع التخطيط والبحث في وزارة الدفاع الإسرائيلية، وفي أقل من عام أتمت إسرائيل وضع برنامجها النووي بنية الحصول على أسرار البحوث النووية، فنظمت مجموعة من العلماء الشباب ضمن هيكل خاص في وزارة الدفاع وبعثوا للخارج للتخصص في مختلف فروع العلم النووي في كل من بريطانيا وأمريكا وهولندا وسويسرا وأنشئت كذلك دائرة للطبيعة النووية في معهد وايزمان في رخوبوت عام 1952 م، كما عقدت اتفاقات مع فرنسا من أجل تطوير مفاعلها النووي "ديمونة" في الخمسينات. وفي العام 1960 م شاركت بعثة إسرائيلية في التفجيرات النووية الفرنسية في الصحراء الجزائرية، واتفقت مع فرنسا على تصميم طائرة ميراج تستطيع حمل قنابل نووية.

وفي بداية الستينات حصلت إسرائيل على ثلاث مفاعلات نووية من الرئيس الأمريكي إيزنهاور تحت شعار "الذرة من أجل السلام"، وبعد حرب أكتوبر 1973 م كشفت مصادر إعلامية أمريكية أن إسرائيل كانت تنوي استخدام القنبلة النووية في الحرب، وفي عام 1980 م صرح فرانسيس بيرين الرئيس السابق للجنة الطاقة الذرية الفرنسية قائلا : إننا متأكدون بأن لدى إسرائيل أسلحة نووية وأن لديهم الإمكانية لإنتاج قنبلة أو قنبلتين سنويا. كما أفاد تقرير أمريكي عام 1984 م أن إسرائيل تحتفظ بعدد من القنابل النووية بين 50 و100 قنبلة.

وفي العام 1986 م كشف موردخاي فعنونو الذي عمل لفترة طويلة في مفاعل "ديمونة" النووي في النقب في تصريحات لصحف بريطانية وأسترالية عن أسرار النشاطات النووية الإسرائيلية، وكشف فعنونو الذي سميت الفضيحة باسمه لاحقا عن أن إسرائيل تنتج 40 كيلوغراما من البلوتونيوم سنويا، أي ما يكفي حسب الخبراء لإنتاج عشر قنابل نووية كل عام. واعترف بيرين بأن فرنسا ساعدت إسرائيل في بناء مصنع لاستخلاص البلوتونيوم.

هذه المعطيات تدل على أن إسرائيل ظلت تسعى باستمرار إلى تطوير ترسانتها العسكرية وتنفي في الوقت ذاته امتلاكها للسلاح النووي أو إنتاجها للقنبلة النووية، وسط انعدام لأي ضغوط على نشاطها النووي وعدم توقيعها على معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية في مقابل فرض السرية التامة على هذا النشاط. غير أن هذا النشاط النووي الإسرائيلي سرعان ما عاد إلى الظهور مع الأنباء المؤكدة لقرب امتلاك إيران للقنبلة النووية وسط تنامي نشاطها وأبحاثها العلمية في هذا المجال، وهو ما جعل الكثير من المراقبين يتخوفون من أن إسرائيل ستقدم على عمل شبيه لتدميرها المفاعل النووي العراقي عام 1981 م. السلاح النووي حسب أولمرت ضروري لأمن الدولة العبرية واستمرار بقائها، ويجب أن لا يسمح لأية دولة عربية أو إسلامية بامتلاكه وأن تكون إسرائيل هي المحتكر الوحيد له في المنطقة، وأن لا يطرح موضوع تملك إسرائيل للسلاح النووي للنقاش العام داخل وخارج إسرائيل.

ففي الوقت الذي تضغط فيه أمريكا على إيران وتهدد كل الدول العربية بمصير شبيه بنظام صدام في حالة العصيان تقوم إسرائيل تقوم بتطوير غواصات كروز جديدة التصميم قادرة على حمل رؤوس نووية في البر والبحر حسب ما كشف مسؤولون سابقون في البنتاغون لصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، دون أن تحرك الولايات المتحدة ساكنا، كما تركز "إسرائيل" الآن على إنتاج صواريخ حاملة لرؤوس نووية يبلغ مداها 1450 كم، بل إن صحيفة "جينز انتلجنس ريفيو" كشفت النقاب عن القدرات النووية "الإسرائيلية" في تقرير لها نشرته ضمنته معلومات مؤكدة بامتلاك "إسرائيل" لأكثر من مائتي قنبلة نووية إضافة إلى نظام كامل للتخزين تحت الأرض مدعمة بثماني صور لم تنشر من قبل كانت قد التقطتها أقمار التجسس الروسية والفرنسية منذ سنوات، إضافة إلى خريطة تفصيلية وبالأرقام تؤشر إلى الكثير من الأماكن النووية المعروفة بالفعل مثل : المركز النووي في ديمونة في صحراء النقب والمخصص لإعداد البلوتونيوم، والسوريك ناحال سوريق وهو مركز للأبحاث النووية، وموقعه غير بعيد عن تل أبيب حيث يوجد مفاعل أمريكي الصنع، والقاعدة الخاصة بالإطلاق التجريبي للصواريخ "جريكو-2" طويلة المدى وهي مقامة في منطقة "بالماكيم" على شاطئ البحر، وعلى مسافة ليست بعيدة عن قطاع غزة.

كما يوجد بالقرب من حيفا أيضاً مركز "بوديفات" ومركز "البابونا" وهما مخصصان للأسلحة النووية التكتيكية، أما القلب الحقيقي للمنظومة النووية فإنه يوجد فوق تلال تقع على الشريط الساحلي المتجه إلى القدس، وتوضح الصور التي التقطتها الأقمار الصناعية استمرار زيادة القواعد في "كفر زخاري" التي تبلغ مساحتها 20 كيلومتراً مربعاً ويوجد فيها ما لا يقل عن خمسين مخزناً تحت الأرض تحتوي أيضاً على قواعد لإطلاق الصواريخ "جريكو -2".

وهنا يطرح السؤال نفسه : لماذا لم تقم إسرائيل بإجراء تجارب نووية معلنة واكتفت بالاعتراف المخجل ؟

لا شك أن مصالح إسرائيل نفسها هي التي حددت ذلك الخيار من خلال عوامل عديدة مهمة من أهمها الافتقار إلى مساحة شاسعة من الأرض غير مؤهلة لإجراء التفجير عليها دون تعريض السكان لخطر الإشعاع النووي وأيضا أن إجراء التجربة النووية سيفقد إسرائيل جزءا من مخزونها النووي بالإضافة إلى ارتفاع التكلفة المالية لإنشاء موقع التجربة النووية وتجهيزه والأهم من ذلك سيضع التفجير الحكومات العربية تحت ضغط شعوبها لتحقيق التوازن النووي مع إسرائيل وسيسهل السبيل أمام هذه الحكومات للحصول على مساعدة الأصدقاء أو طلب ضمانات دولية تحد من إمكانية استخدام إسرائيل للأسلحة النووية نهيك على الثمن السياسي الذي ستدفعه إسرائيل عند التفجير مثل تحديد المعونات التي تحصل عليها من أمريكا والدول الأخرى.

وبما أن أسلحة الدمار الشامل "الإسرائيلية" أصبحت حقيقة، تؤدي إلى اختلال التوازن العسكري في المنطقة، فمعنى هذا أن مقولات السلام المقبل، وخارطة الطريق الأمريكية، والدولة الفلسطينية مجرد أوهام ستذهب أدراج الرياح في ظل تفجير ألولمرت للقنبلة الأولى وهو السر بامتلاك السلاح النووي.