ماذا تقول عروس اللغات عندما تتحدث عن حسنها
حقاً إنها عروس الزمان، وحسناء الأوان. كالزنبقة بين النبات، وكالفردوس في الجنات، إذا طالعتها نهاراً فهي الشمس، أوليلاً فهي البدر، إذا أحببتها أحبتك جميع العلوم، وإن تركتها فأنت الملوم!
سألتها إحدى التلميذات فقالت: من أنت أيها العروس؟
- أنا لغة «الضاد»، وفصاحة الأجداد، وأم الألسنة، وسيدة الأزمنة.
ولماذا أنت لغة «الضاد»؟
- لأنه الحرف الوحيد الذي لا يوجد في غيري من اللغات، ولا تحتويه اللهجات.
من أجل هذا فقط تزعمين أنك عروس؟
- لا يا بنية، إنني أزدان بكثير من الصفات والشمائل، وأنفرد عن غيري من اللغات بالفضائل.
ما أجملك وما أبلغك! ولكن هل لي أن أسألك سؤالاً محرجاً؟
- تفضلي.
كم عمرك؟!
- عمري بدايته قديمة وآماده مستديمة؛ فأنا الأسماء التي تعلمها أبوك «آدم» ورتلها جدك «يعرب» وكتبها نبي الله «إسماعيل» وحفظها «منزل القرآن الكريم».
ما أطول هذا العمر أليس كذلك؟
- بلى ولكن بلا شيخوخة، بلاعقم؛ فأنا صالحة لكل زمان ومكان، ولمالا؟ فأنا لغة القرآن.
وســعت كتاب اللـه لفظــاً وغـايـة
ومـا ضـقت عن آي به وعـظات
أنا البحر في أحشائه الـدر كـامنٌ
فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتي؟
هل لديك مقاييس للجمال كملكات الجمال؟
- نعم فمقاييس الجمال عندي كثيرة أبرزها ثلاثة؟
التناظم والتناسق والتناظر.
ألا توضحين هذه المقاييس؟
- بلى، فالتناظم يعني توازن كل عضو ولفظ مع مجاوره، فلا تناكر ولا تخالف ومنه قولهم:
لها أيطلا ظبي وساقا نعامة
وإرخاء سرحان وتقريب تتفل
هذا التناظم يا عروس فما التناسق؟
- التناسق هو تقارب الأعضاء والألفاظ إضافة وحجماً، فلا شقاق ولا فراق، ومنه قولهم:
في حزم عمرو في سماحة حاتم
في حلم أحنف في ذكاء إياس
- أما التناظر فهو :
تباين الأعضاء والألفاظ شكلاً ولوناً وطولاً وقصراً فيبدو الجمال، ويظهر الكمال، ومنه قولهم:
الوجه مـثل الصبح مبيــض
والشـعر مثــل الليـل مسود
ضدان لما استجمعا حسناً
والضد يظهر حسنه الضد
الله أيتها العروس، ولكن..
- على رسلك يا بنيتي فالحديث ذو شجون، وكلي فنون، فعليك بالصبر الجميل، وعليَّ ألا أطيل، وحسبك أن تعلمي أنني الوحيدة في لغات العالم أتمتع بضمير «مستتر» مع أن ضمير غيري «مستطر»!
وماذا أيضاً؟
- أمتاز بكثرة الأضداد والأنداد مثل:
«ولد - زوج - صريم- توأم» وغيرها.
- كذلك قراءة بعض كلماتي يميناً ويساراً مثل «خوخ» و«كبري ربك».
وقولهم:
مــــودته تـــدوم لكــــل هــول
وهــــل كــــلّ مــــودتــه تدوم؟
ألا يوجد مثل هذه الخصائص في اللغات الأخرى؟
- كلا. ويوجد لديّ الكثير، ولكن وعدتك بألا أطيل!
حقاً إنك ملكة جمال لغات العالم؟
- ذكرتني يا تلميذتي الصغيرة بالجمال ومقاييس الجمال.
كيف؟
- حروف أبجديتي متماثلة بلا تخالف، وأبجدية غيري متباينة
بلا تآلف؛ مما سهل حفظي وكتابتي، وحسن رسمي وقراءتي.
أريد دليلاً عملياً وليس كلاماً نظرياً؟
- انظري يا بنيتي إلى الـ «الباء» وأخواتها، وإلى الـ «الحاء» ومثيلاتها وإلى الراء والزاي، والدال والذال، والسين والشين، والصاد والضاد، والطاء والظاء، والعين والغين والفاء والقاف، فهذه عشرون.
والباقي؟
- «يأكلونهم»
عجباً لك أيتها العروس: وهل لديك مميزات أخرى؟
- الكثير يا تلميذتي الصغيرة: وصفي يتبع موصوفي، وعند غيري عكس ذلك، ومثناي كلمة واحدة ومثنى غيري كلمتان، فأي نسبة بين «تو-جيرل» و«بنتان»؟ (على لغة من ألزم المثنى الألف).
على ماذا؟
- ما عليك مما أقول؛ فهذا أمر شرحه يطول.
كلي آذان صاغية فهل تذكرين مميزاتك الباقية؟
- كما تشائين وتحبين.
- حروفي منقوطة و..
مهلاً يا عروس، ولماذا كانت حروفك منقوطة؟
- عجباً لك يا صغيرة: لو لم تكن كذلك فكيف تفرقين بين الحمل والجمل؟
- حروفي منقوطة، وكلماتي مضبوطة و...
ولماذا الضبط يا عروس؟ ومعذرة على المقاطعة، وعدم المتابعة.
- لا تعتذري واعتبري، فالضبط مطلوب، والشكل محبوب حتى لا يصبح السيَّد السيِّد، ولا الحِمام الحَمام!! وذلك إذا اتحد الرسم، وتساوى الجسم.
الله، ما أبلغك! نعم نعم.. إيه يا عروس.
- لي علامات ترقيم، بها يفهم المعنى ويتم التعليم.
تقصدين النقطة أو النقطتين، والفاصلة والشرطتين والتنصيص والقوسين؟.
- نعم.
لكن أي فرق بين النقطة والنقطتين والتنصيص والقوسين مثلاً؟
- يا صغيرتي: لكل واحدة حكاية ولوضعها رواية؛ فالنقطة توضع إذا تم الكلام واكتمل التعبير، أما النقطتان فتوضعان إذا احتاج الكلام إلى التفصيل والتفسير.
والتنصيص والقوسان؟
- التنصيص: هلالان صغيران حول المنقول بالنص والاقتباس، أما القوسان فحول الاعتراض والالتباس.
أمرك غريب وسرك عجيب فهل لديك ما هو أغرب وأعجب؟
- نعم تماسكت خيوطي، وتنوعت خطوطي، فجمال خطي دليل على حسن الأذواق، وهو مفتاح للأرزاق، ولكن إياك يا صغيرتي من كتابتي على جدران المنازل والأسواق، لأن ذلك مما ينافي الآداب والأخلاق.
أبشري، وماذا أيضاً؟
- جرس نثري كموسيقى شعري.
كيف؟
- ألم يكفك كلامي المسجوع وقولي المصنوع؟! ولكن من باب الإفادة والاستزادة رتلي هذه الآية وسوف تدركين المزيد والمفيد:
{وقرآناً فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلاً}.
وماذا عن «نحت» كلماتك وكثرة اشتقاقاتك؟
- يا بنيتي لو لم تكن لي هذه الخصائص لما سمعت عن «الحيعلة»، «والحوقلة»، «والبسملة»، «والحمدلة» ولولاها لما استطعت تعريب المصطلحات ولا تسمية «المخترعات» كالحاسوب والمذياع والهاتف والتلفاز!
طال الحديث يا عروس، فهل بقي لديك علم محبوس؟
- كثير وكثير ولكن حسبك أن صوري بيانية، وتراكيبي معنوية، ومفرداتي بديعة!
- حروفي الأبجدية نصفها ظلماني، ونصفها نوراني!! عددها بلغ ثمانية وعشرين، ومجموع عددها ستة آلاف إلا خمسين!!
ويكفيني فخراً أن مفرداتي جاوزت الستة ملايين!! وبقواعدي يقاس الفهم والذكاء ومدى الاستيعاب والصفاء!!
وهل أكلوك -كما قرأنا- البراغيث يا عروس؟
- أضحكتني أضحك الله سنك يا صغيرتي، ولكن كيف أكلتني وقد ضاقت عني جميع القواميس؟
صدقت فما أجملك وما أكملك، وما أعزك وما أخلدك!!
وأنت فعلاً يا سيدتي عروس الزمان، وحسناء الأوان.
- بارك الله فيك يا تلميذتي النجيبة، وأنت ما أوعاك وما أوفاك