فلسطين
المؤرخ السيد حسن الامين
حدودها
يحد فلسطين من الغرب البحر الأبيض المتوسط, على ساحل طوله نحو 224 كيلومترا ومن الشرق سوريا- ويبلغ طول الحدود بين القطرين 70 كيلومتر- والأردن على حدود طولها نحو 360 كلم ، ومن الشمال لبنان - على حدود طولها 79 كلم وسوريا، ومن الجنوب سيناء وخليج العقبة . ويبلغ طول الحدود المصرية الفلسطينية بين رأس طابا على خليج العقبة ورفح على البحر الأبيض المتوسط نحو 240 كلم هذا وطول الساحل الفلسطيني الواقع على خليج العقبة عشرة كيلومترات ونصف الكيلومتر.
تعينت الحدود بين فلسطين من جهة ولبنان وسوريا من جهة أخرى بموجب الاتفاق الفرنسي- البريطاني المنعقد في /12/1920 وفي عام 1922- 1923 عدلت هذه الحدود فأدخلت ضمن حدود فلسطين بعض الأراضي السورية القريبة من نهري بانياس والحاصباني وكذلك بعض المواقع اللبنانية وكان أهم ما أخذ من لبنان هو منطقة (الحولة) التي كان اليهود يمهدون لشرائها ثم اشتروها، وكذلك جزء من جبل عامل فيه بلدة هونين . وبموجب هذا الاتفاق تسير الحدود من "رأس الناقورة" الواقع على البحر الأبيض المتوسط باتجاه الشرق إلى قرية "يارون" في لبنان. ومن ثم يسير باتجاه الشمال الشرقي إلى "القدس" و"المطلة" في فلسطين، وعبر وادي الأردن إلى "تل القاضي" في فلسطين، وإلى "بانياس" في سوريا. وبعد ذلك يسير خط الحدود باتجاه الجنوب الغربي إلى"جسر بنات يعقوب " ومن ثم يسير باتجاه الجنوب على طول نهر الأردن حتى بحيرة طبرية، وساحلها الشرقي إلى نقطة تكاد تكون من مدينة طبرية حيث ينحرف خط الحدود في اتجاه الجنوب الشرقي إلى أن يصل محطة "الحمة" الواقعة على سكة حديد درعا- سمخ. وحسب هذا التحديد تقع جميع "بحيرة الحولة" وحوضها، و"بحيرة طبرية" بأكملها في فلسطين .
ويتألف القسم الفلسطيني الواقع شرقي البحيرتين من قطاع ضيق يمتد على طول ساحل بحيرة الحولة الشرقي، وقطعة ضيقة تقع شرقي بحيرة طبرية يتراوح عرضها بين 10 - 2000 متر على أكثر تعديل. وأما الحدود مع شرقي الأردن فقد حددها المندوب السامي البريطاني لفلسطين وشرقي الأردن في ا أيلول 1922. وهي تبدأ من نقطة اتصال اليرموك بالأردن فتسير جنوبا من منتصف مجرى نهر الأردن وبحيرة لوط ووادي العربة حيث تنتهي في ساحل خليج العقبة على بعد ميلين غربي مدينة العقبة .
وكانت الحدود بين فلسطين ومصر قد حددت بموجب الاتفاقية المعقودة في 12 شعبان 1324 أول أكتوبر- تشرين الأول- 1906 م. بين خديوية مصر والحكومة العثمانية. وتمتد الحدود من "تل الخرائب" في "رفح" على ساحل البحر الأبيض المتوسط وتنتهي في "رأس طابا" على خليج العقبة. وخط الحدو هذا يكاد يكون في امتداده مستقيم
كان العثمانيون يعتبرون هذه الحدود حدودا إدارية تفصل بين (خديوية مصر التي كانت لهم عليها سيادة اسمية- وبين ولاية سورية ومتصرفية القدس .
مساحة فلسطين السطحية
تبلغ حوالي (27009) كيلومترات مربعة: 10421 ميلأ مربعأ، من هذه المساحة (704) كيلومترات مربعة : 262 ميلا مربعا، مساحة بحيرة الحولة وبحيرة طبرية ونصف مساحة البحر الميت. ولا يمكن اعتبار أرقام مساحة البلاد صحيحة ونهائية، وذلك لعدم تعيين الحدود في "وادي عربة" بين فلسطين وشرقي الأردن. فقد جعل الحد في وسط الوادي ولكنه لم يعين حتى نهاية الحكم البريطاني فضلا عن مجرى نهر الأردن الذي يفصل بين البلدين، عرضة للتغيرات الكثيرة, الأمر الذي يؤثر في خط الحدود, وبالتالي في مساحة البلاد. ان الوكالة اليهودية تذكر في صفحة 435 من احصاءاتها المطبوعة في عام 1947 بأن ما يملكه اليهود من ارض فلسطين, في نهاية شهر أيلول من عام 1946 بلغ 18070000 أي ما يعادل 6,8% من جميع أراضي البلاد. وتوزع الدونمات عليها كما يلي:
175000 أجرتها الحكومة للوكالة اليهودية.
325000منحتها الحكومة للوكالة اليهودية وهي من أملاك الدولة.
420600 ما حصل عليه اليهود في عهد الدولة العثمانية- حسب إحصاءات الوكالة اليهودية- وذلك بعد جهود عظيمة بذلت خلال خمسين عاما في العهد المذكور، وهذه الدونمات تعادل نحو 6،1% من مجموع مساحة البلاد باع العرب هذه المساحة في وقت لم يعلموا فيه شيئا عن الغايات الصهيونية.
261400 مساحة الأراضي التي اشتراها اليهود من عرب فلسطين. وبعضها نتيجة لقانون نزع الملكية وتنفيذا لأحكام أصدرتها المحاكم المختصة، أو لظروف اقتصادية بالغة القسوة والشدة . 625000 ما باعه الأقطاعيون من بعض (اللبنانيين ) و(السوريين) من غيرأهل فلسطين وتفصيلها كمايلي: 1807000 دونم
400000 دونم في مرج بني عامر 156000 دونم في أراضي امتياز بحيرة الحولة00 دونم أراضي امتياز وادي الحوارث 28000 دونم من أراضي أقضية الناصرة وصفد وعكا وبيسان وجنين وطول كرم . ويتضح من هذه الأرقام بأن الفلسطينيين باعوا، ومعظمهم تحت ظروف قاهرة، أقل من 1% من مجموع مساحة البلاد البرية. وفي آخر إحصاء للأعداء أنهم كانوا يملكون في نهاية الانتداب البريطاني من فلسطين 15،7% من مجموع مساحة ا لبلاد . هذا والدونم يساوي ألف متر مربع أو 10/1 من هكتار. والفدان الواحد يساوي 0,405 من الهكتار.
عدد السكان
قدر العثمانيون سكان فلسطين في عام 1914 العام الذي أعلنت فيه الحرب العالمية الأولى ب689275 نسمة 8% منهم من اليهود. وكان عدد سكان فلسطين حسب التقدير الرسمي ، في سنة 1920م 673000 نسمة منهم 0 521000 من المسلمين .67000 من اليهود و78000 من المسيحيين و7000 من المذاهب الأخرى. وفي الإحصاء الذي أجراه البريطانيون في 22 تشرين الأول (أكتوبر) من عام1922 بلغ عدد السكان 757182 نسمة بينهم 83794 يهوديا، والباقي عرب يعودون في أصولهم إلى العناصر العربية التي هاجرت قديما من الجزيرة العربية وسكنت في هذه البقعة المقدسة من الوطن العربي.
وفي 13 اذار من عام 1947 م قدر عدد سكان البلاد بنحو 193367 نسمة على حساب عدد بدو بئر السبع هو 47981 كما جاء في إحصاء عام 1931. ولما كان عدد هؤلاء البدو بلغ في إحصاء فني سري دقيق، أجرته الحكومة عام 1946، 91934 نسمة فيكون عدد سكان فلسطين هو:
1933673-47981×91934=1977626 نسمة . بينهم 614239 يهوديا، وهذا يعادل نحو 31% من مجموع السكان وفي اخر إحصاء للأعداء أن عددهم بلغ عند نهاية الانتداب حوالي 650000 نسمة إلا أن معظم هؤلاء اليهود كانوا من المهاجرين الذين دخلوا البلاد بالقوة، وخلافا لرغبات سكانها الأصليين فلا يمكن اعتبارهم كالسكان العرب مواطنين فلسطينيين شرعيين بأي حال من الأحوال، وعليه فإن النسبة المذكورة أكثر من الواقع بكثير.
تطور قضية فلسطين
وفيما يلي كلمة للدكتور عبد الوهاب الكيالي عن الحركة الصهيونية منذ سنة 1897 حتى سنة 1947 السنة المشؤومة التي تمزقت فيها فلسطين. أما ما أتى بعد ذلك فسيكون له دراسات مستغلة نرجو أن نوفق لاستيعابها. قال الدكتور الكيالي :
تعود جذور الصراع العربي- الصهيوني المعاصر إلى ثلاث ظواهر متداخلة متفاعلة متناقصة، برزت فى القرن التاسع عشر وحددت الإطار العام للحركة الجدلية التاريخية في المنطقة العربية :
أولا: الظاهرة الإمبريالية وأطماع الغرب في المنطقة.
ثانيا: ظاهرة اليقظة القومية التحررية عند العرب.
ثالثا: الظاهرة الصهيونية الاستيطانية الإجلائية وهي ظاهرة وثيقة الصلة والتحالف بالظاهرة الأولى كما سنبين.
لفلسطين أهمية تاريخية وروحية وجغرافية واستراتيجية فريدة. فهي قلب الوطن العربي وواسطة عقده وفي التي تصل أوروبا بآسيا وإفريقيا وهي مهد الديانات التوحيدية الكبرى في التاريخ وملتقى الحضارات ومن أهم بقاع الأرض قاطبة من النواحي الاستراتيجية والسياحية والدينية. ومن هنا كانت أطماع الدول الغربية في فلسطين قديمة العهد، تشهد بقوتها ومداها الغزوات الصليبية المتعاقبة. وقد استعاد الغرب اهتمامه الشديد بمنطقتنا في أعقاب احتلال بريطانيا للهند في القرن السابع عشر وبروز الأساطيل الغربية لتأمين المواصلات والتجارة بين الدول الأوروبية ومستعمراتها. كما أيقظت حملة نابليون بونابرت على مصر وفلسطين في أواخر القرن الثامن عشر وأطماع بريطانيا ورغبتها في السيطرة المباشرة نظرا إلى ما انطوت عليه حملة نابليون من تهديد خير للمصالح البريطانية . من هنا إن بريطانيا حرصت على الحفاظ على الإمبراطورية العثمانية كحاجز في وجه أطماع الدولة الغربية الأخرى وعارضت قيام أية قوة حقيقية محلية في المنطقة . وهكذا نظرت بريطانيا في قلق بالغ إلى بروز محمد علي الكبير في مصر ما لبث أن تحول إلى تدخل عسكري عندما هزمت جيوش محمد علي (بقيادة ابنه إبراهيم باشا) الجيوش العثمانية ووحدت مصر وسوريا الطبيعية مهددة بذلك استنبول عاصمة الدولة العثمانية ومعها مصالح الدول الغربية وامتيازاتها في المنطقة. أثار تقدم جيوش محمد علي في المشرق العربي ما عرف ب "المسألة الشرقية" واستتبع ذلك إقدام بريطانيا على الالتزام بسياسة ثابتة هدفها الحفاظ على المصالح التجارية البريطانية في المنطقة، تحت ستار حماية الأقليات الدينية، وذلك عن طريق الحيلولة دون قيام دولة موحدة تضم مصر وسوريا تستطيع أن تهدد نفوذ الدولة الأجنبية ومصالحها. وكان من جراء تلك السياسة أن أقامت بريطانيا أول قنصلية غربية في القدس عام 1839 وجهت معظم جهودها ونشاطها إلى حماية الجالية اليهودية في فلسطين التي لم تكن تتجاوز تسعة الاف وسبعمائة نسمة. وحاولت بريطانيا استقدام جاليات يهودية لأسباب ودوافع استعمارية بينها في وضوح الفايكونت بالمرستون رئيس وزراء بريطانيا في رسالة بعث بها إلى سفيره في إستانبول شرح فيها المنافع السياسية والمادية التي تعود على السلطان العثماني من جراء تشجيع الهجرة اليهودية إلى فلسطين وإقامة حاجز بشري استعماري يحول دون قيام دولة موحدة تضم المشرق العري وإفريقيا العربية.
"إن عودة الشعب اليهودي إلى فلسطين بدعوة من السلطان وتحت حمايته تشكل سدا في وجه مخططات شريرة يعدها محمد علي أو من يخلفه".
وقد تبنى فكرة بالمرستون في هذا الصدد رجال السياسة الاستعمارية البريطانية الذين توالوا على الحكم في بريطانيا في القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين . ولا شك في أن شق قناة السويس واحتلال بريطانيا لمصر في النصف الثاني من القرن التاسع عشر كان لهما أعمق الأثر في تفكير الساسة الإنكليز الاستراتيجي بالنسبة إلى أهمية فلسطين وضرورة السيطرة عليها وأدى بالتالي إلى تزايد الحماسة لفكرة إقامة مستعمرة يهودية تحت الحماية البريطانية فيها.