التواصل مع الأبناء.. علاج لأكثر من داءأحمد باقر القزويني
قال رسول الله (ص): "ملعون ملعون من يضيِّع من يعول" وقال الإمام الصادق (ع): "كفى بالمرء إثماً أن يضيِّع من يعول"..
إن البعض يثيرون الإستغراب عندما يتحدثون عن أولادهم فيصفونهم- بكل ثقة-
بالقول: "أولادي هم أغلى الناس عندي" دون أن تكون لذلك شواهد ملموسة تظهر
على تصرفاتهم أو كلامهم مع هؤلاء الأولاد، فهم يبخلون عليهم بالكلام
المهذب، والأسلوب الظريف ليقدمونه على طبق من ذهب للغرباء والضيوف، دون أن
تكون لأولادهم حصة منه؛ مع أنهم أولى الناس بالكمة الطيبة، والتعامل الجيد.
ولعل السبب في ذلك يعود إلى متاعب التربية وروتينها التي شغلت هؤلاء
الآباء عن حلاوتها ولذتها، وهي متاعب وآلام لا بد منها، ولا ينبغي أن تؤثر
على علاقتهم بأولادهم رغم شدة هذه المتاعب وكثرتها.. والتي يمكن تشبيهها
بآلام الولادة! فهل رأينا أماً تضرب إبنها المولود حديثاً؛ لأنه سبب لها
كل هذه الآلام؟. بالطبع كلا.. وألف كلا؛ لأنها ستكون أشوق الناس إليه وإلى
لمسه وإحتضانه في صدرها وإشباعه بكثير من القبل.. إنها تحتضنه.. راضية..
سعيدة.. قريرة العين رغم كل ما يسبب لها من معاناة وآلام.
وكذلك الحال بالنسبة للتربية التي يجب أن نفصل فيها بين متاعبنا بسبب الأطفال، وبين تعاملنا معهم.
يقول أحد خبراء العلاقات الإجتماعية: "يجب أن نبحث عن المتعة في تربية
الأطفال، ولا يمكن أن نصل لهذه المتعة إلا إذا نزلنا لمستواهم، هذا النزول
لمستوى الأطفال: (ميزة) الأجداد والجدات، عند تعاملهم مع أحفادهم، فهم
ينزلون لمستوى الطفل، ويتحدثون معه عما يسعده، ويتعاملون معه بمبدأ أن
الطفل هو صاحب الحق في الحياة، وأن طلباته مجابة ما دامت معقولة، ورغم أن
الأطفال يحبون أجدادهم وجداتهم بلا شك، إلا أنهم ينتظرون هذا التعامل
اللطيف، والعلاقة الخاصة منا نحن، وتظل صورة الأب الشاب القوي التقي هي
النموذج الذي يحبه الولد ويقتدي به ويتعلم منه كيف يقود البيت، ويرعى
زوجته وأبناءه في المستقبل.
وتظل صورة الأم الشابة الأنيقة، ذات الدين والحياء والعفة، والذوق الرفيع
هي النموذج الذي تتعلق به الفتاة وتقتدي به، وتتعلم منه كيف تكون زوجة
وأماً، والفرصة لا تزال متاحة للجميع لتغيير العلاقة بالأبناء، تغييراًَ
ينعكس إيجابياً على الجميعن سواء في التفاهم والحوار معهم، أو إحترام
شخصياتهم المستقلة، أو قبولهم على عيوبهم ونقائصهم".
العلاقة الأفقية
من الممكن تحقيق كل تلك الرغبات والآمال من خلال جعل علاقتنا بأبنائنا
(علاقة أفقية)، كعلاقة الصديق بصديقه، والتي يغلب عليها طابع الحوار
والتفاهم، أما إذا كانت العلاقة رأسية كعلاقة الرئيس بمرؤوسيه، والتي يغلب
عليها طابع الأمر والنهي، فسيكون تأثيرها الإيجابي قليلاً بلا شك.
من علامات نجاحنا في التربية، نجاحنا في الحوار مع أبنائنا بطريقة ترضي
الطرفين، ولكننا- للأسف- نرتكب أخطاء تجعلنا نفشل في الحوار مع الأبناء،
فلماذا نتعرض لهذا الفشل يا ترى؟.
أهم أسباب الفشل هو التعامل بأحد الأساليب التالية:
1- أسلوب إحتكار الموقف والإستبداد بالرأي وعدم السماح للإبن بإبداء رأيه
وتبرير موقفه وهو يعبر عنه الآباء غالباً بعبارة: ما أريد أن أسمع شيئاً.
2- أسلوب الأسئلة المحددة والقاطعة التي تحشر الإبن في زاوية ضيقة ومحرجة وهو الأسلوب الذي يتبعه المحقق أو ضابط الشرطة في الغالب.
إحتكار الموقف
فمن السهل على الآباء أن يطلقوا العنان لعبارات أو إشارات التسكيت والتي
تعني في النهاية أنهم لا يريدون أن يسمعوا شيئاً من الولد، وهذه العبارات
تكون في الغالب مثل: كافي بعد.. بعدين (بعدين).. ما عندي وقت لك.. روح عند
أمك (بالنسبة للأب)؛ أو روح عند أبيك (بالنسبة للأم)، بالإضافة إلى
الحركات التي تحمل نفس المضمون، مثل: التشاغل بأي شيء آخر عن الإبن أو عدم
النظر إليه، وغالباً ما يمد الولد يده لكي يدير وجه أمه أو أبيه إلى
ناحيته وكأنه يقول: أرجوكما إستمعا إلى، أو يقوم بنفسه ويجيء مقابل وجه
أمه حتى تسمع منه. وهنا لابد من التذكير بأن الولد سوف لن يفعل ذلك في
المستقبل لأنه سرعان ما يكتشف بأن أمه أو أباه يمكن لهما أن يستمعا بكل
إهتمام لأي شخص آخر عبر الهاتف أو أي ضيف حل على البيت مهما كان غريباً،
بل حتى أنهما يستمعان بكل إهتمام للجماد- كالتلفاز على سبيل المثال-
ولكنهما لن يستمعا إليه؛ وكأنهما يقولان له بأن كل شيء مهم إلا هو.
لذلك فمن الواجب على الآباء أن يستقبلوا أولادهم وهم يعبرون عن أنفسهم
ومشاعرهم وأفكارهم بكل إهتمام ويستمعوا إليهم برحابة صدر، لأن مثل هذا
الإستماع والإهتمام فيه إشعار بتفهمهم، وإحترامهم، وقبولهم لهم، وهي من
إحتياجاته الأساسية.
فالتفهم، والإحترام، والقبول أمور مهمة بالنسبة للإبن، وبالتالي يجب
إعتبار حديثه في تلك اللحظة أهم من كل ما يشغل بال الوالدين من أمور.
أما لو كان الوالدان مشغولين حقاً فبإمكانهما أن يعطيا لأبنائهما موعداً
صادقاً ومحدداً.. فيقولان لهم مثلاً: إننا مشغولان في الوقت الحاضر
وسنستمع إليك جيداً بعد ربع ساعة- مثلاً- إن شاء الله، وعليهما أن يهتما
بموعدهما ويفيا به.
كما يجب إستبدال العبارات التي إعتدنا عليها بعبارات أخرى، فبدلاً من أن
نقول- على سبيل المثال-: "أنا لا أريد أن أسمع منك شيئا" علينا أن نقول:
"أنا أحبك وأحب أن أسمع لك وأحس بمشاعرك" وبالأخص إذا كان الولد منزعجاً
أو محبطاً ونفسيته متأثرة فنقوم بتلطيف الأجواء ببعض الحركات مثل:
الإحتضان، أو أن نقف إلى جانبه ونربت على كتفه أو نحتضنه أو نداعب رأسه أو
نلمس وجهه أو نمسك يده ونضعها بين أيدينا.. وهكذا..
ويذكرنا الرسول الأكرم (ص) بأن الكبير أيضاً يحتاج إلى لغة الحركات
الدافئة، فما بالكم بالطفل الصغير؟! حيث إن هناك الكثير من الروايات التي
تتحدث عن العطف والحنان الكبير الذي كان يغدقه الرسول على بضعته سيدة نساء
العالمين السيدة فاطمة الزهراء (ع) والذي لم ينقطع عنه حتى بعد زواجها من
وصيه وخليفته من بعده الإمام علي (ع) وكذلك كثرة إحتضانه وتقبيله للصغار.
أمام طاولة التحقيق
يأتي الإبن إلى أبيه ويقول: "لقد ضربني أحد الطلاب في المدرسة" فينظر إليه
الأب نظرة شك وريبة ويقول: "هل أنت متأكد من أنك لم تبدأ بضربه"؟ فيجيب
الإبن: "لا والله.. أنا لم أفعل شيئاً له" فيقول له الأب: "هل من المعقول
أن تضرب من دون سبب، ماذا فعلت؛ تكلم بصدق"؟ فيجيب الولد بشيء من الخوف:
"والله العظيم ما فعلت شيئاً".. ومن ثم يقوم الطفل بتقديم دفوعاته لـ
(حضرة القاضي).. عفواً لأبيه وهو نادم كثيراً على تكلمه مع أبيه..
إن التعامل بمثل هذا الأسلوب مع الإبن قد يغلق باب الحوار بين الأب وإبنه
إلى الأبد وبالتالي يتحول الأب في نظر الإبن من صديق يلجأ إليه ويشكي له
همه إلى محقق أو قاضٍ يملك الثواب والعقاب، بل قد يعد أباه محققاً ظالماً؛
لأنه يبحث عن إتهام للضحية، ويصر على تبرئة ساحة المعتدي..
والحقيقة التي قد تغيب عن أذهان الآباء هي أن الإبن لا يريد من الأب- في
أغلب من الأحيان- أكثر من الإستماع إليه بإهتمام وفهم مشاعره..
فالولد يريد صديقاً يفهمه لا شرطياً يحميه، ولذلك يبحث الأبناء في سن
المراهقة عن الصداقات خارج البيت، ويصبح الأب معزولاً عن إبنه في أخطر
مراحل حياته، وفي تلك الساعة لن يعوض الأب فرصة الصداقة التي أضاعها بيده
في أيام طفولة إبنه.
وأسلوب المحقق يجبر الطفل أن يكون متهماً يأخذ موقف الدفاع عن النفس، وهذه
الطريقة قد تؤدي إلى أضرار لا يتوقعها الآباء وعلى رأسها تجذير خصلة الكذب
والتحايل في داخل الطفل.
المصدر: كتاب فن تربية الطفل
www.balagh.com