اختلف المؤرخون والمفسرون في الوقت الذي طلب فيه الحواريون من عيسى عليه السلام أن يطلب من الله تعالى إنزال مائدة عليهم من السماء ليأكلوا منهاوتكون لهم عيدا. وسبب هذا الخلاف يرجع إلى سذاجة مثل هذا الطلب وغرابته، من جماعة آمنت ايمانا عميقا بالله تعالى وبقدرته.
قال(الزجاج): "يحتمل مسألة الحواريون عيسى عليه السلام المائدة على ضربين:
أحدهما: أن يكونوا أرادوا أن يزدادهوا تثبيتا كما قال ابراهيم عليه السلام: "ربي أرني كيف تحيي الموتى"
ثانيهما: أن يكون سؤالهم هذا قبل أن يأتي عيسى عليه السلام بمعجزاته بإذن الله تعالى، كإحياء الموتى وإبراء الأكمة والابرص".
وقال (أبو علي القارصي): "لا يجوز أن نأخذ سؤال الحواريين على ان يكونوا شكّوافي قدرة الله سبحانه وتعالى، لأنهم كانوا عارفين بالله مؤمنين به، وكأني بهم سألوا عسى عليه السلام ليعرفوا مدى صدقه، وصحة أمره من حيث لا يعرض عليهم فيه إشكال ولا شبهة، ولذلك قالوا: "وتطمئن قلوبنا". كما قال ابراهيم عليه السلام: "ولكن ليطمئن قلبي".
وقال البعض الآخر غن انزال المائدة من السماء كان دليلا على أن الحواريين لم يكونوا في ذلك الوقت قد استكملوا إيمانهم.
وقال (الزجاج):" إن قول عيسى عليه السلام : "اتقوا الله إن كنتم مؤمنين" معناه: اتقوا الله أن تسألوه شيئا لم تسأله الأمم قبلكم"
وقيل كذلك إن المسيح عليه السلام أمر الحواريين بألا يقترحوا الآيات ويقدموها بين يدي الله ورسوله، لأن الله أراهم من قبل المعجزات بإحياء الموتى وإبراء ذوي الأمراض المستعصية.
قال بعض المفسرين إن المائدة لم تنزلمن السماء، وهذا لا يجوز، لأن سبحانه وتعالى قال:" إني منزلها عليكم".
وقال(كعب) غن المائدة نزلت من السماء على عيسى عليه السلام والحواريين يوم الأحد، ومن أجل ذلك اتخذه النصارى يوم عطلة كل الأسبوع.
وقال ابن عباس إن عيسى عليه السلام قال لبني اسرائيل صوموا ثلاثين يوما، ثم اسألأوا الله تعالى بعد ذلك ما شئتم فيعطيكم.
وصاموا ثلاثين يوما، فلما فرغوا من صيامهم قالوا للمسيح عليه السلام:
إنا لو عملنا لأحد من الناس، وأنجزنا له عمله، لأطعمنا طعاما، ونحن صمنا وجعنا، فادع الله أن ينزل علينا مائدة من السماء.
ودعا عيسى عليه السلام ربّه. ويضيف ابن عباس قائلا:"فأقبلت الملائكة بمائدة يحملون عليها سبعة أرغفة وسبعة أحواتت حتى وضعوها بين ايديهم، فأكل منها آخر الناس كما أكل أولهم".
وقال عطاء بن السائب:"كانت إذا وضعت المائدة لبني اسرائيل اختلفت عليهم من السماء بكل طعام إلا اللحم.
وقال سعد بن جبير: "أنزل على المائدة كل شيء إلا الخبز واللحم".
وقال قتادة: وكان على المائدة ثمر من أثمار الجنة.وكانت تنزل عليهم بكرة وعشيا حيث كانوا كالمن والسلوى لبني اسرائيل.
وقال سلمان الفارسيّ: " لما سال الحواريون عيسى عليه السلام أن ينزل عليهم مائدة من السماء، لبس صوفا خشنا وبكى ثم قال: اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لاولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وانت خير الرازقين.
فنزلت سقرة حمراء بين غمامتين وهم ينظرون إليها، وهي تههوي منقضة حتى سقطت في رفق بين ايديهم.
ويضيف سلمانن الفارسي: وكان من الصحابة المقربين إلى رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم: "وبكى عيسى عليه السلام وقال: اللهم اجعلني من الشاكرين، اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها مثلة وعقوبة. وكان اليهود ينظرون إليها.
كانوا ينظرون غلى شيء لم يروا مثله قط، ولم يجدوا ريحا أطيب من ريحه.
فقام عيسى عليه السلام فتوضأ وصلى صلاة طويلة، ثم اتجه إلى المائدة وكشف المنديل عنها وهو يقول: بسم الله خير الرازقين.
ويصف سلمان الفارسي ألوان الطعام التي أنزلها الله تعالى مع المائدة فيقول:"كان عليها سمكة مشوية ليس عليها فلوسها تسيل سيلا من الدسم، وعند رأسها ملح ، وعند ذنبها خل، وحولها كل أنواع البقول، عدا الكرّات"
"كان على المائدة كذلك خمسة ارغفة على واحد منها زيتون ، وعلى الثاني عسل، وعلى الثالث سمن، وعلى الرابع جبن، وعلى الخامس قديد(أي لحم مجفف).
وسال احد الحواريين-واسمه شمعون- عيسى عليه السلام:
أمن طعام الدنيا هذا..ام من طعام الآخرة؟..قال عيسى عليه السلام: ليست شيء مما ترون من طعام الدنيا ولا من طعام الآخرة، ولكنه شيء خلقه الله عزّ وجل بالقدرة الغالبة، كلوا مما سألتم يمددكم ويزدكم من فضله.
ويكمل سلمان الفارسي روايته قائلا:" وقال الحواريون لعيسى عليه السلام: ياروح الله لو أريتنا من هذه الآية اليوم آية أخرى!
فقال عيسى عليه السلام: يا سمكة!..إحيي بإذن الله.. واضطربت السمكة وعادت إليها فلوسها وشوكها ففزع الحواريون منها!.
وقال لهم عيسى عليه السلام: ما لكم تسألون أشياء إذا أعطيتموها كرهتموها؟. ما أخوفني عليكم أن تعذبوا...ونظر عيسى عليه السلام إلى السمكة وقال لها: يا سمكة!...عودي كما كنت بإذن الله تعالى. وعادت السمكة مشوية كما كانت.
قال له الحواريون: ياروح الله، كن أول من يأكل منها ثم نأكل نحن من بعدك.
فقال لهم عيسى عليه السلام:معاذ الله أن آكل منها !..ولكن يأكل منها من سألها. فخاف الحواريون أن يأكلوا من الأطعمة التي كانت فوق المائدة.
و إذ ذاك دعا عيسى الفقراء من اهل الفاقة والمرضى والمبتلين، ثم قال:
كلوا منها جميعا، ولكم الهناء ولغيركم البلاء.
و أكل منها ألف وثلاثمئة رجل وامرأة، فنظر عيسى عليه السلام إلى السمكة فإذا هي كهيئتها حين نزلت من السماء.
ثم طارت المائدة صعدا إلى السماء وهم ينظرون إليها في تعجب و ذهول، حتى اختفت عن انظارهم في السماء. ولم يأكل من هذه المائدة يومئذ مريض إلا شفي، ولا فقير إلا استغنى ولم يزل غنيا حتى وافته المنية.
وندم الحواريون ومن لم يأكل منها.
ويقول بعض المؤرخون والمفسرين إن المائدة كانت إذا نزلت اجتمع الأغنياء والفقراء والكبار والصغار يتزاحمون عليها، فلما رأى عيسى عليه السلام ذلك جعلها مناوبة بينهم.
وقالوا إن المائدة ظلت تنزل من السماء أٍربعين يوما، وكانت تنزل يوما وتنقطع يوما، كما كان قوم النبي صالح عليه السلام، يشربون لبن الناقة يوما بعد يوم.
من كتاب: مائدة من السماء