طريق المجهولأعلم أنّكِ تتعذبين..
تشقين في حياتكِ و تتألمين..
ليال تمرّعليكِ وأنتِ تبكين..
و لأحزانكِ تستسلمين..
في طريق مجهول تسيرين..
الى اين تتوجهين؟؟
و عن أيّ شيء تبحثين؟؟
ما اجمل! أن يكون للمرء صديق يحبه,يشاطره احزانه و مخاوفه,افراحه و امانيه,يحس معه بالراحة و الامان,بالسعادة و الاطمئنان.
كان لي صديقة مثالية ,فتاة مهذبة و وفية,جعلت منها الاخت و الرفيقة,فلم اكن ارجو صداقة غيرها,كنت اشكوها ما يعتلج صدري و يخالج فكري,فكانت بدورها تبدي الاهتمام البالغ فتصغي و تنصح,كنت اراها سماء صافية او شمسا ضاحية لفرط سعادتها و حبها للحياة,غير انني كثيرا ما لحظت ذهولها وشرودها,و لم يكن السبب خافيا عني,فقد كانت صديقتي فتاة يتيمة الاب,تعيش مع امها و اختها,كانت الام تبالغ في حبها لابنتيها ,فلا تفرض عليهما شيئا,و تترك لهما الخيار في كل فعل,تسعى جاهدة لسعادة ابنتيها و راحتهما باي ثمن! اعتقادا منها انه واجبها باعتبارها الام و الاب معا.
درست مع صديقتي المرحلة الابتدائية كاملة,و كنا نتنافس فيها على المرتبة الاولى منافسة الاصدقاء.انتقلنا الى الاكمالية و اصبحنا في قسمين مختلفين,انتابني شعور بالاسى حيال ذلك و لكنني سرعان ما تجاوزت الامر,كانت السنة الاولى لنا في المتوسطة عادية لا تختلف عن سابقاتها,ألتقي صديقتي مرارا,نتحدث في امور عدة,مع العلم انني لاحظت في حديثها و تصرفاتها اختلافا طفيفا لم أعره اهتماما كبيرا,مرت الايام و نقص فيها ارتباطي بتلك الصديقة,وجدت رفيقات يدرسن معي في نفس القسم و وجدت هي لنفسها صديقات ايضا,و لكننا لم ننس بذلك العلاقة الوثيقة التي تربطنا والتي لم ترد يد الزمان الاّ التخفيف من حدتها,وتغيرت بمرور الايام و تعاقبها صديقتي تغيرا بالغا, أصبحت ارى فيها شخصا غير الذي عهدته,انخفضت علاماتها الدراسية بشكل ملحوظ,وصارت تصاحب فتيات ما كان حريّا بها ان ترافقهن,و حتى مظهرها اختلف,فظهرت علامات الخلاعة و التبجح جليا فيه,وقفت مشدوهة لهول ما عاينت,و الامر الذي زاد من ذهولي و حيرتي رؤيتها برفقة بعض الفتيان, فعجبت لذلك غاية العجب وحزنت الحزن كله.
ر ثيت حال صديقتي مطوّلا و ندمت لفراقها,فقد شقّ عليّ امرها كثيرا,صدق من قال'ليس كل ما يتمناه المرء يدركه',فكرت في طريقة اعيدها بها الى الطريق السوي فلم اجد افضل من محادثتها.
انتظرت خروجها من المدرسة و تبعتها حتى لحقت بها,كانت سعادتها برؤيتي عظيمة,و لكني ما ان بدأت بالحديث حتى تغيرت ملامحها و امتقع لونها,رأيت بين ألحاظها التعاسة و البؤس,الحيرة و الندم,الوجل و الارتياب,كانت تبدي موافقتها لأقوالي على مضض و لكنها لم تعدني بشيء,كانت تتحدث بنبرة الخوف و الانكسار,فلما لاحظت منها ذلك استعجلت الحديث و قد قررت بيني و بين نفسي معاودتها في فرصة اخرى.
عدت الى المنزل خائبة متعثرة الخطى,مدركة مدى صعوبة الامر,أخذت افكر و افكر فارتأيت مكاتبتها علّها تبثني احزانها دون خوف او قلق, فالقلم احيانا يفصح بما لا يقدر له اللسان,كاتبتها آخذة في ذلك النواحي كلها,ذكّرتها بسوء تلك الفعال,و انّ وعيد الله شديد,و الخسارة في الدارين كبيرة,ودعوتها الى الاستقامة قبل فوات الاوان.
انتظرت ردها في شوق و استعجال,فكان لي ما أردت,كان ردها جميلا و مؤلما في ذات الوقت,فقد حدثتني بمدى حبها لي و كم كانت تعتز برفقتي و تعتبرني مثلها الاعلى.و لكنها لا تقدر ان تتخلى عن حياتها الراهنة فهي كما قالت متعلقة بها تعلق الطفل الرضيع بوالدته فلايستطيع عنها بعادا,و أنّ اصدقاءها و رفاقها يعنون لها الكثير فهم الحياة التي تحياها و الهواء الذي تستنشقه,و تأسفت الفتاة في الاخير لعدم تمكنها من الرجوع لسابق سيرتها و انها تود ذلك بشدة لكنها لا تستطيع.
أحسست عند الانتهاء من رسالتها بحزن وألم هائلين,و أيقنت أنّ سبيل استردادها مستحيل,و لا مندوحة لها من قدرها,فهي واحدة من اللواتي كتب عليهن الشقاء,فتاة بائسة حزينة تبحث عن الحنان الذي افتقدته من أبيها و الذي لم تستطع امها تعويضه لها وسط عالم قاس مليء بالوحوش البشرية,تجول في متاهاته وتسير في طريق مجهول.