الشّبابُ والتّرويحُ والتوجيه

* د. مصطفى عبدالواحد
في المجتمع الإسلامي تشتد العناية بالجيل الجديد ومناهج تربيته، إيماناً بمسئولية المربين والموجهين نحو استمرار المجتمع الإسلامي في رسالته ومضيه قدماً في طريق الرشاد.
ومن هنا فإن الخطة التي يضعها المجتمع الإسلامي لِتَنشئة أبنائه ورعاية أجياله تنبع أصلاً من المبادئ التي يؤمن بها والقيم التي يسعى لتثبيتها، لا تصدر عن الهوى ولا تتملق الغرائز ولا تساير النزوات، وفي نفس الوقت لا تصادم الفطرة ولا تقف أمام دوافع الحياة.
ويظهر تقدير الإسلام للشباب ودوره في البناء والجهاد في إشادة القرآن الكريم بعزائم الشباب وبطولاته في كل مجال.. في العقيدة، وفي السلوك، وميادين الفداء والتضحية.
ومن هنا كانت عناية الإسلام بأن يقوم على تربية الشباب، وتوجيه من يؤمنون بالله واليوم الآخر، ومن يرضون بالإسلام ديناً وبمنهجه في الحياة طريقاً مستقيماً..
والمهم أن الإسلام قد رسم للآباء والمربين منهج التربية الذي يكفل استقامة النشء على طريق الإيمان، ودَلَّهم على ما يجب عليهم في هذا السبيل.
فأول ما يجب على الآباء والمربين في الأسرة أن يثبتوا أقدام الناشئة على الصراط وأن يعمقوا فيهم حقائق الإيمان الغَيْبية والكونِيّة، فالعقيدة السليمة هي الجوهر الذي يقوم عليه بناء التربية الإسلامية في الأسرة والمجتمع.
وهذا الغرس ينبغي أن يكون من القوة بحيث تمتد جذوره في النفس وتتأصل في حقيقة التكوين، فيؤتي ثماه وتتفتح أزهاره بما يكفل استمرار الإيمان في المجتمع ودوام صلاحه.
وبهذا المعنى توحى تلك الآية الكريمة:
"والذين آمنوا واتبعّهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتَهم.." [سورة الطور: 21].
فهنا يبدو جهد الآباء والموجهين في الأسرة في تبصير ذرياتهم بطريق الإيمان وتزيينه أمامهم، ثم يأتي دور الأبناء في الاتباع عن يقين، والاستقامة عن بينة، لا تقليداً ومحاكاة، بل اقتناعاً واعتقاداُ..
وليس على الآباء والموجهين إلا أن يحفظوا نور الفطرة في أبنائهم وبناتهم فلا يعرضوهم للبلاء، ولا يتْركونهم في مهب الفتن، ولا يُسْلونهم في التربية والتنشئة إلى من لا إيمان في قلوبهم ولا يقين..
والحق أن الآباء حين يحسنون تربية أبنائهم وتأديبهم، وفق مناهج الدين وخصائص الفطرة، يجنون قبل غيرهم ثمار ذلك الأدب، طاعة وإخلاصاً وبراً، مما يقر أعينهم ويملا قلوبهم بالرضا والاطمئنان.
"ربنا هَبْ لنا من أزواجنا وذرياتنا قُرّة أعْينٍ واجعلنا للمتقين إماماً" [سورة الفرقان: 74].
وهي الأمنية التي يوجه القرآن الكريم الآباء إلى ابتغائها والسعي إليها، سواء في ذلك النبيون والمؤمنون..
"فهبْ لي من لَدُنْك وليّاً يَرِثني ويرثُ من آلِ يعقوب واجعله رب رضيّاَ" [سورة مريم: 5,6].
فإذا تجاوزنا آداب الأسرة وتوجيهاتها الخلقية، نظرنا إلى الشاب المسلم بعد ذلك يدرج في شعاب الحياة وبسعى في مسالك المجتمع، فإن له أدباً آخر، غير أنه هنا ملتزم بأخذ نفسه بما يؤمن به ويضبط سلوكه وفق معايير الإيمان..
وذلك الالتزام يربط الخلق بالعقيدة كما يربط الآخرة بالأولى، ويجعل الباعث مزيجاً من ذلك كله، يتضح فيه الإيمان بالجزاء وإيثار ما عند الله..
ويبدو في توجيه الإسلام للشباب عنايته بمسألة الغريزة وتأكيد لما يجب على الشباب من جهاد لأهوائهم واستمساك بعرى الفضيلة واعتصام بجانب الخير في نفس الإنسان..
والإسلام- وهو دين الفطرة- خبير بأن هذه الغريزة من القوة والأصالة بحيث لا يخفت نداؤها ولا يهدأ إلحاحها، ولذلك وجه الإنسان فيها إلى الاستجابه الطبيعية عن طريق الزواج الذي يراه الإسلام الحل الحقيقي لهذه المشكلة، في الحالات السوية التي لا عدوان فيها ولا طغيان: "وأنكحوا الأيامَى منكم والصالحين مِنْ عبادكم وإمائكم إنْ يكونوا فقراء يُغْنهم الله من فضله" [سورة النور: 32]
يقول الله سبحانه: "ولَيسْتَعْفِفْ الذين لا يجدون نكاحاً حتى يغنيهم الله من فضله" [سورة النور: 33].
ولهذا الاستعفاف طرقه وأساليبه التي يهدي الإسلام إليها الشباب، وبالعبادة التي تملؤ القلب بالطمأنينة وتضىء آفاق النفس وتُذهب وساوس الشيطان، كما يقول الرسول صلوات الله وسلامه عليه:
"يا شباب قريش، من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء"
وببذل الجهد فيها ينفع، بحيث لا يفرغ الشباب لخيالات الغريزة وأمنياتها الطامعة: "فإذا فَرغْتَ فانَصبْ وإلى ربك فارغب" [سورة الانشراح].
www.balagh.com

بارك الله فيك