وقد أثبت التشريح أن الألياف العصبية الخاصة بالألم والحرارة متقاربة جدًّا، كما بين الطريق الذي تسلكه الألياف العصبية الناقلة للألم والحرارة حيث تدخل النخاع الشوكي (SPINAL CORD) وبعده إلى المخيخ EEREBELLUM)) ثم إلى الدماغ المتوسط MID BRAIN)) ومنه إلى المهاد (THALAMUS) ثم إلى تلافيف الفص المهادي للمخ GYRUS OF PARIETAL LOBE)).
ونخلص من هذا إلى أن الجلد من أهم أجزاء جسم الإنسان إحساسًا بالألم، نظرًا لأنه الجزء الأغنى بنهايات الأعصاب الناقلة للألم والحرارة. انظر الشكلين (3، 4).
شكل رقم (3):القسم المركزي والمحيطي للجهاز العصبي حيث يتكون الجهاز العصبي المركزي من الدماغ والحبل الشوكي، ويتكون الجهاز العصبي المحيطي من الأعصاب القحفية والشوكية. شكل رقم (4): يوضح هذا الشكل الممر الحسي للألم والحرارة درجات الحروق وأنواعها:
لو استعرضنا درجات الحروق التي يصاب بها الإنسان لوجدنا أن هناك حروق من الدرجة الأولى، وحروق من الدرجة الثانية.
وجميعها تنقسم إلى حروق سطحية، وحروق عميقة، ثم حروق من الدرجة الثالثة.
ولو ألقينا نظرة إلى ما يصيب الجلد نتيجة لهذه الأنواع الثلاثة من الحروق لوجدنا أن حروق الدرجة الأولى تصيب طبقة البشرة القرنية، وتظهر على هيئة التهاب جلدي.
ويسمى أيضًا الحرق الحمامي، وفي هذه الحالة يحدث انتفاخ وألم بسيط لأن الحرق من الدرجة الأولى يصيب خلايا الطبقة السطحية، ومن المعتاد أن ظاهرة الاحمرار والانتفاخ والألم تختفي خلال يومين أو ثلاثة أيام.
ولو انتقلنا إلى حروق الدرجة الثالثة لوجدنا أن طبقة الجلد تصاب بكاملها، وربما تصل الإصابة إلى العضلات أو العظام، ويفقد الجلد مرونته ويصبح قاسيًا وجافًّا.
وفي هذه الحالة فإن المصاب لا يحس بالألم كثيرًا، لأن نهايات الأعصاب تكون قد تلفت بسبب الاحتراق.
ونعود الآن إلى حروق الدرجة الثانية، وهي تنقسم إلى قسمين:
1 ـ سطحي.
2 ـ عميق.
يحدث في حالة الحروق السطحية من الدرجة الثانية أن طبقة البشرة (ظاهر الجلد) تنضج، وكذلك الأدمة ـ طبقة باطن الجلد ـ التي تحت البشرة.
ويحدث في هذه الحالة انفصال طبقة البشرة عن طبقة الأدمة، وتتجمع مواد مفرزة أو نتحات( بين هاتين الطبقتين، وتتكون كذلك النفط(9) تحت البشرة وهي مليئة بسوائل تشبه سوائل البلازما أو مصل الدم. ويعاني المصاب في هذه الحالة من آلام شديدة، وزيادة مفرطة في الإحساس بالألم، نتيجة لإثارة النهايات العصبية المكشوفة. ويبدأ التئام الجلد خلال أيام قد تصل إلى أربعة طبقات نتيجة لعملية التجدد والانقلاب التي تحدث في الأمعاء.
الأحشاء وعذاب يوم القيامة:
وكما يتعرض الكفار لعذاب النار من الخارج عن طريق الجلد، فإنهم يتعرضون لعذاب داخلي من نوع آخر، عن طريق سقيهم بماء حميم، إذا دنا منهم شوى وجوههم ووقعت فروة رؤوسهم، فإذا شربوا قطع أمعاءهم وأخرجها من أدبارهم، قال تعالى: (وَسُقُواْ مَآءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَآءَهُمْ) (محمد: 15).
لقد كشف علم التشريح أن الأمعاء الدقيقة هي أطول جزء في الجهاز الهضمي ـ يصل طولها إلى خمسة أمتار ـ ويتكون جدارها من ثلاث طبقات:
1 ـ الطبقة الخارجية:
وهي الطبقة المصلية: وهي عبارة عن غشاء رقيق رطب بما يفرزه من سائل مصلي.
2 ـ الطبقة الوسطى:
وهي الطبقة العضلية: التي تتكون بدورها من طبقتين:
أ ـ طبقة خارجية: تتكون من عضلات طولية.
ب ـ طبقة داخلية: تتكون من عضلات دائرية.
3 ـ الطبقة الداخلية وتسمى بالطبقة المخاطية:
وتتكون من صفيحة عضلية مخاطية، ونسيج تحت الغشاء المخاطي، وثنايا دائرية أو حلقية محمّلة بالزغب، وتحتوي على غدد معوية وحويصلات لمفاوية.
ونجد أن هذا الإبداع الإلهي في التكوين والتركيب جعل الأمعاء من الداخل في حماية من المؤثرات الداخلة إليها، التي يمكن أن تحدث آلامًا، منها آلام الإحساس بالحرارة.
فتجويف البطن مبطّن بالبريتون (الصفاق) الذي يبلغ حجمه (20.400سم مكعب) ويساوي نفس حجم الجلد الخارجي للجسم، وهو ما يسمى بالصفاق الجداري، وأما الذي يغطي الأحشاء، فإنه يسمى الصفاق الحشوي. (انظر الشكل رقم 5)
شكل رقم (5): هذا الشكل يوضح طبقات الأمعاء الدقيقة وتركيب الزغابات المعوية أما الجزء الموجود بين الصفاق الجداري والطبقة المصلية للأحشاء فيسمى المساريقا، وبه عدد كبير من جسيمات (باسيني).
والمساريقا تشبه الصفيحة المكونة من ورقتين مزدوجتين تمر بينهما الأعصاب والأوعية اللمفاوية والدموية. فمتلقيات الألم RECEPTORS)) والوحدات الحسية الأخرى الموجودة في الأحشاء تشبه تلك الموجودة في الجلد، لكن هناك اختلافات بيّنة في توزيعها.
فالأحشاء لا يوجد بها أعصاب التقبل الذاتي (PROPPIOCEPTORS)، ولكن يوجد فيها عدد قليل من الأعضاء الحسية للحرارة واللمس. لذا فإنه عندما يخدر جدار البطن بمخدر موضعي، ويفتح البطن ونمسك الأمعاء أو نقطعها أو حتى نحرقها لا ينتج عن ذلك أي انزعاج أو إحساس بألم.
ولكن عندما تتقطع الأمعاء بسبب شرب الماء الحميم (ماء حار شديد الغليان)(10) الذي ينفذ منها إلى التجويف المحيط بالأحشاء والغني بالأعصاب الحاسة ـ فإن العذاب بحرارة الحميم يبلغ أشده.