موضوع: الخلايا الجذعية.. وإنتاج الإنسولين الأحد أغسطس 16, 2009 12:40 am
بحث مشترك( أ.د. صالح بن عبدالعزيز الكريّم د. فاطمة محمد سعد القدسي) كتبت مقالاً عن الخلايا الجذعية في العدد الحادي عشر من مجلة الإعجاز العلمي وضحت فيه تعريفاً كاملاً بالخلايا الجذعية وطرق الحصول عليها واستخداماتها الأولية في بعض النواحي الطبية، كما تعرضت إلى الفرق بين الخلايا الجذعية الجنينية والخلايا الجذعية البالغة. كما شرحنا الناحية الفقهية لهما، والجانب الأخلاقي. وفي هذا العدد من مجلة الإعجاز العلمي سنركز على تجميع الأبحاث الحديثة المعلمية منها والتطبيقية لعلاج مرض السكري ومدى الاستفادة من زراعة الخلايا الجذعية في إنتاج الإنسولين.
كيف يعالج مريض السكر الآن؟
أصبح من البداهة معرفة أن مريض السكر شخص يعاني من نقص شديد في مستوى هرمون الإنسولين الذي تفرزه الخلايا البنكرياسية، وقد يكون السبب هو انتهاء وظيفة الخلايا البنكرياسية بمهاجمة خلايا الجهاز المناعي لها، وبالتالي تتوقف عن إنتاج الإنسولين، وهذا النوع يظهر على صغار السن (Type 1 diabetes) أو قد يكون السبب زيادة الجلوكوز في الدم نظراً لعدم كفاءة وقدرة ما يفرز من الإنسولين ويظهر على كبار السن أو زائدي الوزن (Type 2 diabetes) فكيف يمكن أن يعالج مرض السكري؟
تشير جميع المراكز الطبية المتخصصة إلى أن النوع الأول لا مفر ممن يصاب به من استخدام الإنسولين كعلاج، وكذلك النوع الثاني إلا أن النوع الثاني يمكن أن يتحكم به المريض نفسه من خلال تنظيم الغذاء والتحكم فيه بالرياضة والمتابعة الشخصية لكن في حالات يجب أن يأخذ المريض الإنسولين حتى يتجنب ما يحدثه المرض من مضاعفات وهنا يكون السؤال وتكون الحاجة للحصول على الإنسولين، والإنسولين المستخدم اليوم كان نتيجة استخدام الهندسة الوراثية بحقن جين الإنسولين إلى جينوم بكتريا القولون لإنتاج الإنسولين (يمكن مراجعة ذلك في كتابي الهندسة الوراثية)، وهنا يتبادر للذهن سؤال لماذا لا تتم زراعة الخلايا البنكرياسية؟ قبل زراعة الخلايا البنكرياسية هناك نجاح في زراعة بنكرياس كامل متبرع به من شخص متوفى وسليم إلى شخص مصاب بداء السكري ولكن زراعة بنكرياس كامل ليست كما هي الحال في زراعة الكلى لأن عملية زراعة البنكرياس تقتضي الحصول أولاً على بنكرياس سليم من شخص قبل الموت مباشرة وهي غير متاحة بدرجة كبيرة، كما أن مشكلات لفظ الجسم للعضو الجديد بسبب المناعة هي بحد ذاتها عائقاً للنجاح نظراً لأن معظم الحالات في زراعة البنكرياس تحتاج إلى استخدام دواء التثبيط للجهاز المناعي لفترة طويلة جداً مما يترتب عليه من تضعيف لمستوى أدائه وبالتالي تعرض المريض لمزيد من الأمراض وهذا بصرف النظر عن زراعة البنكرياس إلى زراعة خلاياه فقط. وقد نجح الأطباء في علاج بعض المصابين بداء السكر بحقنهم بكمية من خلايا البنكرياس المنتجة للإنسولين وحيث إن هذه الخلايا تعتبر أجساماً غريبة فلا مناص من حقن المريض بأدوية تثبيط للجهاز المناعي حتى لا يرفضها، هذا إشكال والإشكال الآخر هو صعوبة الحصول على هذه الخلايا ومن هنا اقترحت فكرة أبحاث استخدام الخلايا الجذعية في علاج مرضى السكري وبقي السؤال: إذا كانت الخلايا الجذعية لها قدرة على التمايز وإعطاء أي نوع من الخلايا وخلايا البنكرياس على أنواع مختلفة (خلايا بيتا وخلايا ألفا وخلايا دلتا وخلايا متعددة الببتيد البنكرياسية (pancreatic polypeptide) والمعروف علمياً أن المتخصصة في إفراز هرمون الإنسولين هي خلايا بيتا Beta، فهل يكفي أن تتمايز الخلية الجذعية إلى خلايا بيتا البنكرياسية فقط لتعطي الإنسولين؟ هذا من الناحية النظرية البحتة صحيح، وقد أثبته بعض العلماء وحصلوا من تجاربهم على نسبة من هرمون الإنسولين ولكن أبحاثاً علمية أخرى تجعل لوجود الأنواع الأربعة لخلايا البنكرياس مع بعضها دوراً إيجابياً وضرورياً لإعطاء نسبة أعلى من هرمون الإنسولين، وهذا ما يحتم ضرورة تحويل الخلايا الجذعية وتمايزها إلى الأنواع الأربعة.
لقد كانت البداية في استخدام الخلايا الجذعية الجنينية للفأر كمصدر وتم فعلاً الحصول على جميع أنواع الخلايا البنكرياسية وتمت تنميتها معملياً ومن ثم استخدمت كخلايا معززة للإنسولين وعولج بها فأر يعاني من مرض السكري فاختفت أعراض مرض السكري من الفأر، وبناء على هذه النتائج المشجعة على تجارب الفئران المعملية عمد مجموعة من الباحثين إلى استنبات خلايا جذعية للإنسان، وكونت خلايا تكتلية تعرف بالأجسام شبيهة الأجنة Embryoid bodies ثم عرضت هذه الأجسام كعامل محفز لنمو الخلايا العصبية Nerve growth factor فوجدوا أنها تعبر عن جين يسمى PDX-1 يسيطر على عملية نسخ جين الأنسولين داخل الخلية ووجوده مرتبط بوجود خلايا بيتا المنتجة للإنسولين وتقرر من هذا البحث أن الخلايا الجذعية يمكن أن تعطي خلايا تفرز الأنسولين إلا أنه إلى الآن لم يتم استخدامها في معالجة داء السكري على الإنسان قد يعود ذلك لما يواجهه الباحثون من رفض للخلايا مناعياً ومن هنا كان السؤال عن استنبات خلايا بيتا المريض نفسه البالغة في المختبر ومن ثم استخدامها في العلاج. ومن المعروف بيولوجياً أن خلايا بيتا البالغة لو تم الحصول ولو على عدد بسيط منها لا يسهل انقسامها والحصول على نسخ منها للمعالجة ومع أن بعض العلماء في جامعة كاليفورنيا عام 2001م تمكنوا من برمجة خلايا البنكرياس البشرية لأن تنقسم بإدخال جينات في جينوم تلك الخلايا وانقسمت فعلاً إلا أنهم وجدوا أنها لا تنتج الإنسولين، عولجت هذه الخلايا مرة ثانية بإدخال جين محفز لخلايا بيتا فأصبحت لديهم خلايا بيتا المعدلة وراثياً بجين الإنسولين فأعطت إنسولين والذي تم تجربته في فأر فأعطى نتائج جيدة للتغلب على المرض. بقي أن نذكر فكرة علماء الأجنة بالبحث عن خلايا جذعية في البنكرياس أو القنوات البنكرياسية وقد تم تجريبياً البحث عنها في القنوات البنكرياسية Pancreatic duets للإنسان البالغ وكان من المفاجئة أن تكون هناك خلايا بنكرياسية في القنوات البنكرياسية عند استزراعها في المختبر وأن هذه الخلايا أفرزت الإنسولين والتفسير البيولوجي لذلك هو أن خلايا القنوات البنكرياسية قد أعيدت برمجتها جينياً وتحولت إلى خلايا البنكرياس وهذا محتمل لكنه بيولوجياً صعب، ولكن الأكثر قبولاً منه هو احتمال وجود خلايا جذعية جينية في القنوات البنكرياسية استجابت للتمايز إلى الخلايا البنكرياسية، وتذكر بعض الأبحاث أن هناك خلايا عصبية نامية Developing neural ceils في القنوات البنكرياسية تم توجيهها بمحفزات نمو خاصة للتحول إلى خلايا بنكرياسية، وهذا يعني بيولوجياً نزع التمايز أولاً dedifferentiation وإعادة التمايز لاحقاً redifferentiation وأياً كان سبب وجود الخلايا البنكرياسية يبقى التساؤل هل سيتم استخدام هذه الخلايا البنكرياسية في حل معضلة مرض السكري لدى الإنسان؟ أم أنها ستواجه ببعض المعوقات؟ هذا ما يمكن أن يجيب عليه أبحاث المستقبل ـ بإذن الله.