فصل في أسماء الإيمان والدين
تعريف الإيمان
بسم الله الرحمن الرحيم ،الحمد لله رب العالمين، وصلي الله وسلم وبارك علي نبينا محمد وعلي آله وصحبه أجمعين.
قال -رحمه الله تعالي-:
فصل: والإيمان: قول باللسان، وعمل بالأركان، وعقد بالجنان، يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان، قال الله -تعالي-: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ فجعل عبادة الله -تعالي- وإخلاص القلب وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة كله من الدين .
--------------------------------------------------------------------------------
هذا موضوع آخر يقال له: "أسماء الإيمان والدين" ويتعلق به التكفير والتفسيق ونحوه، وهو الذي عند المعتزلة، يسمى المنزلة بين المنزلتين؛ وذلك لأن الأمة اختلفوا في مسمى الإيمان فتباينت فيه أقوالهم.
الإيمان في اللغة: هو التصديق. ولكن الشرع أضاف إليه إضافات، وأدخل فيه الأعمال، وأدخل فيه الأقوال، فأصبح الإيمان شاملًا للعقائد والأقوال والأعمال، أصبح مسمى شرعيا، وما ذاك إلا أن المسميات الشرعية نقلت من مسماها اللغوي إلي مسمى خاص كسائر المسميات الشرعية، فعندما -مثلًا- أن العرب لا تعرف اسم الإيمان إلا أنه التصديق، ولا تعرف اسم الكفر إلا أنه التغطية، تغطية الشيء وستره يسمي عندهم كفرا في قول شاعرهم: في ليلة كفر النجوم ظلامها
..........................
ولا تعرف الفسق إلا أنه هو الخروج -فسقت الرطبة: خرجت من قشرتها- ولا تعرف النفاق إلا أنه الاستخفاء، ولا تعرف الشرك إلا أنه الاشتراك في التجارة أو نحوها، ولا تعرف التوحيد إلا أنه الواحد المفرد العدد الفرد، فجاء الشرع وجعل لهذه الألفاظ مسميات شرعية، ونقلها من المسمى اللغوي إلي المسمى الشرعي.
فالإيمان -مثل ما سمعتم-: قول باللسان، وعقد بالجنان، وعمل بالأركان، يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان. هذا هو مسمى الإيمان في الاصطلاح أو في الشرع، في لغة الشرع أدخل فيه الأعمال وسماها إيمانا -كما ستأتي الأدلة عليه إن شاء الله- بعد أن كان الإيمان هو التصديق، أما الكفر: فإنه الخروج من الدين وجحد الرسالة، وجحد النبوة وجحد التوحيد.
وجحد وإنكار العبادة يسمى كفرا شرعا، أما اسم الفسوق: فهو المعصية؛ لأنها خروج عن الطاعة، أما النفاق: فهو مسمى شرعي يطلق علي إظهار الإيمان وإبطان الكفر، أما التوحيد فنقل من مسماه اللغوي إلي مسمى شرعي: أنه إفراد الله بالعبادة.
أما الشرك: فنقل من مسماه اللغوي إلى مسمى شرعي، وجعل اسما لدعوة الله ودعوة غيره معه -إشراك غير الله معه في نوع من أنواع العبادة- يسمى شركا. فهذه مسميات نقلها الشرع وجعلها لمسميات خاصة، والكلام الآن على الإيمان؛ ذلك لقدم الخلاف وقوة الخلاف فيه.
فذهب بعضهم إلى أن الإيمان هو المعرفة، من عرف فهو مؤمن، هل هذا صحيح؟ الله تعالى رتب على الإيمان الجزاء -رتب عليه الثواب- كثيرا ما يذكر الله الإيمان ويذكر ثوابه، فهل كل عارف يستحق الثواب؟ معروف -مثلًا- أن فرعون عارف، قال الله -تعالى- عن موسى: لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ .
هل فرعون مؤمن؟ المؤمنون يدخلون الجنة، وكذلك إبليس عارف بأنه مؤمن بالله، عارف بأن الله ربه هو الخالق، فهل يقال له: مؤمن مستحق للثواب؟ كذلك -أيضا- المنافقون كثير منهم عارفون ولكنهم جحدوا عنادا، المشركون عارفون -أيضا- يقول الله -تعالى-: فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ .
فهل يقال: إنهم مؤمنون يستحقون ثواب الإيمان؟ إذن عرفنا أن هذا القول باطل، الذين قالوا: الإيمان هو المعرفة، هناك من يقول: إن الإيمان هو التصديق مجرد التصديق. وهذا القول مشهور عند فقهاء الحنفية، أن مجرد التصديق هو الإيمان، وقالوا: إنه هو مسمى الإيمان في اللغة.
ولهم كلام طويل، ولكن نحن نقول: إن الله -تعالى- قد وصف المؤمنين بصفات زائدة عن التصديق، مما يدل على أنه لا بد من التصديق مع الأعمال، فلا يكون المؤمن مؤمنا إلا بتلك الأعمال.
الدليل الأول: قوله -تعالى- في سورة الأنفال: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ .
فجعل المؤمنين حقا هم المتصفون بهذه الخمسة، ومنها: ما هو عمل بدني كالصلاة، وعمل مالي كالزكاة كالنفقة، وعمل قولي كالذكر، وعمل قلبي كالوجل: وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ فدل على أن الإيمان يعم هذه الأشياء.
الدليل الثاني: قوله -تعالى-: إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ نفى الإيمان عن غيرهم هؤلاء، فأصبح من الإيمان الخرور: إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا والتسبيح: التسبيح بحمد الله وعدم الاستكبار، والتجافي: تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ والدعاء: يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا إلى آخرها، فهذا كله من الإيمان.
الدليل الثالث: قوله -تعالى- في سورة الحجرات: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فجعل من الإيمان الجهاد، وجعل منه ترك الريب: ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وجعل منه العمل.
فلا شك أن هذا كله دليل على أن الإيمان شيء زائد على التصديق؛ إذن فيكون الإيمان مثل ما عرفه الموفق -رحمه الله- وهو قول أهل السنة، ذكروا أن البخاري رحمه الله يقول: رويت في هذا الكتاب عن ثلاثمائة من العلماء كلهم يقولون: الإيمان قول وعمل.
يريد بذلك أن مشياخة الذين أخذ عنهم كلهم على هذا القول: الإيمان قول وعمل. بدأ البخاري كتابه بعد المقدمة التي هي في الوحي بكتاب الإيمان، ثم قال: وهو قول وفعل ويزيد وينقص. ولم يذكر الاعتقاد؛ لأنه لا خلاف في الاعتقاد، هو قول وفعل واعتقاد، +ولما لم يكن الاعتقاد فيه خلاف، أو فلا، وذكر ما فيه الخلاف وهو القول والفعل، أن الإيمان تدخل فيه الأقوال والأفعال، ثم يترتب على ذلك كمال الإيمان ونقصانه وزيادته.
كثير من الحنفية والأشاعرة ونحوهم يعتقدون أن الإيمان شيء واحد، وأنه لا يتفاوت وأن الناس فيه مستوون، وأن إيمان جبريل وميكائيل، ومحمد وموسى، وعيسى إبراهيم -مثل إيمان أطراف الناس، وهذا بلا شك فيه خطأ؛ ذلك لأنهم متفاوتون في العقيدة وقوة اليقين، ومتفاوتون في آثار تلك العقيدة على العباد.
وإذا كانوا متفاوتين دل على أن الإيمان يتفاوت: فنحن نعرف أن هناك إنسانا رزقه الله علما وقراءة وتدبرا، وأقبل على السنة وأقبل على الحديث، وأقبل على القرآن وأخذ يتأمل، وقامت عنده الأدلة، ورسخت في قلبه أدلة الوحدانية وأدلة الربوبية، وأدلة البعث والنشور، وأدلة الأعمال والأحكام، وأدلة الرسل والإيمان بهم والملائكة ونحوهم رسخت في قلبه، وكان من آثار رسوخها أن انبعثت جوارحه، انبعثت بالأعمال فصار لسانه ينطق بالذكر، وصار سمعه لا يسمع إلا الخير، وصار بصره لا يبصر إلا ما فيه الخير، وكان سكوته ذكرا ونطقه ذكرا وعمله خيرا؛ كل ذلك من آثار ما رسخ في قلبه من تلك الأدلة.
هناك آخر: ما سمع إلا القليل، ولا اهتم إلا بالقليل من السنة، ولم يتعلم إلا أطراف المعلومات، ولكنه مع ذلك امتلأ قلبه بالزهو والسهو، امتلأ قلبه بزينة الدنيا وزهرتها والميل إليها، امتلأ قلبه بمحبة الشهوات، فإذا رأيته لا تسمعه يذكر الله إلا قليلًا، ولا ترى جوارحه تنطق ولا تنطلق إلا قليلًا بالأعمال الصالحة، بل هو ضد ذلك لا يذكر إلا ما يشتهيه، وما يميل إليه ولا ينطلق إلا إلى هوى نفسه، أعماله الصالحة قلة وقليلة، فهل يقال: إنهما سواء، هل يقال: إن إيمان هذا وإيمان هذا مستويان؟ الذي يقول ذلك ما معه فكر.
نعود إلى كلام الموفق، قوله: "إن الإيمان قول باللسان" يدخل في ذلك الأذكار هي من الإيمان، فإذا قلت: سبحان الله والحمد لله، والله أكبر وأستغفر الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ولا الله إلا الله، وأعوذ بالله وبسم الله والله ربنا. أليس هذا من الإيمان؟ هذا من الإيمان، وهو قول اللسان، وكذلك إذا دعوت إلى الله ودعوت إلى الخير وعلمت الناس الخير، وكذلك إذا قرأت كتاب الله وتلوته كل نطق تنطق به، وهو يدل على الخير فإنه من الإيمان.
يقال: هذه الكلمة إيمان، هذه التهليلة إيمان، وهذه التسبيحة من الإيمان، قول باللسان واعتقاد بالجنان -بالقلب-، الاعتقاد: ما انعقد عليه القلب، وتمسك به العقد، أصله انعقاد القلب على الشيء وعدم التردد في ثبوته، فإذا اعتقد قلبك ثبوت البعث فهذا من الإيمان.
إذا اعتقد قلبك ثبوت عذاب القبر فهذا من الإيمان، اعتقد قلبك ثبوت الوحي فهذا من الإيمان، اعتقد قلبك ثبوت الحشر والنشر والجزاء على الأعمال وتفاصيل ذلك فهذا من الإيمان، اعتقد قلبك ثبوت الملائكة وكثرتهم فهذا من الإيمان، اعتقد قلبك ثبوت الرسالة وكثرة الرسل فهذا من الإيمان... إلى آخر ذلك.
كل ما يعقد عليه القلب فإنه من الإيمان، ولا شك -أيضا- أنه يتفاوت، كذلك -أيضا- عمل الجوارح: فالصلاة من الإيمان، والصدقات من الإيمان، والصيام من الإيمان، والطواف والحج والوقوف ورمي الجمرات، والجهاد في سبيل الله والأمر بالمعروف، والدعوة إلى الله -تعالى- وما أشبه ذلك.
كل هذه من الإيمان؛ لذلك تجدون البخاري في كتابه -في صحيحه- يبوب على ذلك فيقول: باب الصلاة من الإيمان، باب أداء الخمس من الإيمان، باب أداء الزكاة من الإيمان، باب الصبر من الإيمان… وهكذا يعدد خصال الخير ويجعلها من الإيمان؛ لأنها من الأعمال بالجوارح، والأعمال بالجوارح هذا +أعظم من الإيمان.
أما الأدلة على ذلك فمنها قوله -تعالى- الآية التي سمعنا في سورة البينة: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ الدين هو الإيمان، فجعل هذه الخمس من الإيمان، العبادة يدخل فيها أنواع الطاعة، وأنواع القربات كلها من الإيمان.
الإخلاص: إرادة وجه الله -تعالى- بالعمل وعدم إرادة غيره، هذا -أيضا- من الإيمان الحنيف، وهو المقبل على الله معرضا ما سواه، هذا من الإيمان، الصلاة من الإيمان، الزكاة من الإيمان، كلها من الدين، كذلك الإيمان ذكر أنه يزيد وينقص، يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان، قد ذكرنا من ينكر الزيادة، وتبين لنا خطؤهم وبعدهم عن الصواب.
والأدلة واضحة على ذلك، قال الله -تعالى-: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ "زادهم إيمانا" وفي الآية التي قرأنا في سورة الأنفال يقول -تعالى-: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا كذلك في سورة الفتح قوله -تعالى-: لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم.
كذلك في سورة التوبة يقول الله -تعالى-: وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ والحاصل: أن هذا دليل واضح على أن الإيمان يزيد وينقص، وكل شيء قبل الزيادة فإنه يقبل النقصان، والدين اسم للإيمان، وتعرفون حديث جبريل المشهور سأل فيه عن الإسلام، ففسر بالأعمال الظاهرة، ثم سأل عن الإيمان، ففسر بالأعمال الباطنة.
يعني: لما أقول: إن مع الإسلام الإيمان، فسر الإسلام بالأعمال الظاهرة، والإيمان بأعمال القلب، ثم سأل عن الإحسان ففسر بالمراقبة والمشاهدة، ثم أخبر بأن هذا كله من الدين، قال: يعلمكم دينكم فصار الإسلام والإيمان والإحسان كله من الدين، وإذا قلت: هل هناك فرق بين الإسلام والإيمان؟.
فيه انتباه أو ترتيب، فيقال: إذا قرنا جميعا -ذكر الإسلام والإيمان جميعا- فإن الإسلام الأعمال الظاهرة، والإيمان أعمال القلب، وأما إذا اقتصر على واحد منهما فإنه يعم الجميع، لكن قد يشكل على الإنسان بعض الأدلة، مثل قوله -تعالى- في سورة الحجرات: قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ .
قد كثر الكلام حول هذه الآية ولا إشكال فيها -والحمد لله-؛ وذلك لأن هؤلاء الأعراب أسلموا -يعني: استسلموا ظاهرا- والإيمان لا بد أنه يصير نابعا من القلب، وهؤلاء لم يصل الإيمان الحقيقي إلى قلوبهم؛ لأجل ذلك قال: وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ فجعلهم مرتابين -في قلوبهم ريب- فأثبت لهم الإسلام ونفى عنهم الإيمان: قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا .
وذلك لأنهم استسلموا ظاهرا وقلوبهم مترددة -يعبدون الله على حرف، فإن أصابهم خير اطمأنوا به، وإن أصابتهم فتنة انقلبوا على وجوههم- فهؤلاء نفى الله عنهم الإيمان؛ لأن الإيمان ينبع من القلب ويؤثر على الأبدان: يؤثر على السمع، ويؤثر على البصر، ويؤثر على اليد، ويؤثر على الرجل، ويؤثر على اللسان، وهؤلاء إنما أعمالهم ظاهرة أنهم مسلمون ولكن ليس معهم دافع الإيمان.
أما قوله -تعالى- في سورة الذاريات: فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يعني: قوم لوط، البيت: هم أهل بيت لوط، لا شك أن لوطا وأهل بيته ما عدا امرأته أنهم جمعوا بين الوصفين -جمعوا بين وصف الإيمان والإسلام-: الإيمان الباطن، والإسلام الظاهر ولو كان أحدهما يكفي عن الآخر.
والحاصل: أنا إذا رأينا الإسلام مطلقا فسرناه بالإيمان وبالأعمال كلها، وإذا رأينا الإيمان وحده فسرناه بالإسلام وبالأعمال كلها، وإذا ذكرا معا فأحدهما أخص من الآخر، فالأعم هو الإسلام، وأخص منه الإيمان، وأخص من الإيمان الإحسان.
بسم الله الرحمن الرحيم ،الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما قوله -تعالى- في سورة الذاريات: فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يعني قوم لوط، البيت هم أهل بيت لوط، لا شك أن لوطا وأهل بيته -ما عدا امرأته- أنهم جمعوا بين الوصفين ، جمعوا بين وصف الإيمان والإسلام، الإيمان الباطن والإسلام الظاهر ، ولو كان أحدهما يكفي عن الآخر.
والحاصل أنا إذا رأينا الإسلام مطلقا فسرناه بالإيمان وبالأعمال كلها، وإذا رأينا الإيمان وحده فسرناه بالإسلام وبالأعمال كلها، وإذا ذكرا معا فأحدهما أخص من الآخر، فالأعم هو الإسلام، وأخص منه الإيمان، وأخص من الإيمان الإحسان، فمثلا لو كان هناك حائط صغير مستدير حول عشرة أمتار، طوله عشرة، وعرضه عشرة، ثم مِن ورائه حائط آخر، طوله عشرون طولا وعشرون عرضا، ثم وراءه حائط ثالث، طوله ثلاثون طولا وثلاثون عرضا، وكل واحد في وسط الآخر، أدخلنا في الواسع … أدخلنا فيه جمعا كثيرا من الناس، وقلنا: هؤلاء مسلمون، ثم أخذنا ننتقي المؤمنين وندخلهم في الثاني، وأبقينا الذين هم على وصف الإسلام ولم يدخل الإيمان في قلوبهم، أدخلنا الذين إيمانهم قوي في داخل الحائط الثاني، رجعنا إلى الحائط الثاني وأخذنا ننتقي منهم خلاصة الخلاصة الذين بلغوا الذروة في الأعمال وأدخلناهم في الحائط الصغير في الحائط الصغير الذي هو عشرة في عشرة، وقلنا: أنتم أهل الصغير المحسنون وأنتم أهل الثاني المؤمنون، وأنتم أهل الثالث المسلمون، فأصبحوا ثلاث مراتب: المرتبة الخاصة هم المحسنون، والتي فوقها هم المؤمنون، والعامة هم المسلمون. javascript:emoticonp('
')