بسم الله الرحمن الرحيم
javascript:emoticonp('
')
javascript:emoticonp('
')
تمهيد:
مكونات السماء:
وصف القرآن السماء بالبناء: (والسماء بنيناها بأييد وإنا لموسعون)47/51، وكشف تكونها من سبع طبقات، يعلو بعضها بعضا: (وبنينا فوقكم سبعا شدادا)12/78، وهذه السباعية تصرف على وجوه، ففي وجه تفسر بطبقات الغلاف الجوي، وفي وجه اخر تفسر بعوالم سبع، ذات ترددات متفاوته، تجعل الأرض سبع طبقات، كل منها لها سماؤها. فالكون هو عبارة عن سبع مستويات من الوجود، تتداخل فيما بينها، وتتقاطع دون ان يشعر العالم بالعالم المحاذي...
وفي هذا السياق، ذكر احتواء السماء على الأبراج، يقول تعالى: (ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين)16/15، وعلى المجموعات الكوكبية، التي تحيط بالنجم، فأشار من بينها إلى المجموعة الشمسية: (ذ قال يوسف لأبيه يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين)4/12، فأشار إلى احد عشر كوكبا يحيطون بالشمس، وأشار إلى القمر كتابع إلى الأرض، وهو ما يكشف عن وجود الأقمار لبقية كواكب المجموعة الشمسية. ويمكن تعريف (الأبراج) بالمجموعات الشمسية، مما يولد مفهوم المجرات، التي هي عبارة عن مجموعات، تشبه مجموعتنا الشمسية، تنتظم حول محور المجرة، التي يصدق عليها مفهوم (البرج). مما يعني أن المفهوم واحد، ولكن هناك أحجام تعبر عن المفهوم بمستويات عدة، ليس إلا ..
وميز القرآن بين ستة أجرام سماوية:
الكوكب: هو الجسم المعتم ..
التابع: يدور حول الكوكب ويتبعه
النجم: هو جرم ملتهب..
الثقب الأسود: هو نجم منطفئ، يمثل قوة منكدرة ..
الشهاب: هو كتله ملتهبة تجوب الفضاء..
النيزك: هو حجر يسقط من السماء.
وقد ذكر الأجرام الثلاثة الأولى في الآية: (فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين، فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين، فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون)76-78/6، وذكر الثقوب السوداء في قوله تعالى: (إذا الشمس كورت، وإذا النجوم انكدرت)1-2/81، فانكدارها انقلابها من باعثة للضوء إلى جاذبة له، وذكر الشهاب في قوله تعالى: (وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا، وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا)8-9/72، كما ذكرها في قوله تعالى: (وحفظناها من كل شيطان رجيم، إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين)17-18/15. وذكر النيازك في قوله تعالى: (فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم)32/8، وكذلك في قوله تعالى: (يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا سحاب مركوم)44/52.
الشمس والوقود النووي:
يتعرض القرآن إلى الشكل الهندسي للشمس، في قوله تعالى: (الشمس كورت)1/81، فالشمس ليست بالدائرة المسطحة، كما قد يتوهمها الإنسان القديم في جزيرة العرب حين ينظر إليها في الأفق، ويطلق عليها لفظة (قرص الشمس) لتجاري في خياله قرص الخبز، إنما للشمس شكل هندسي آخر، هو الشكل الكروي، بهذه التفصيلات يقدم خطاب القرآن تصورا للشمس يتضح فيه، بأنها كرة ملتهبة، وان ضياءها المتقد متوقف على وقود.
الشمس مصدر للإضاءة: (هو الذي جعل الشمس ضياء)5/10، ولتحقيق امتداد هذه الحقيقة نرجع إلى النظير الوسيط: (وضياء وذكرا للمتقين)48/21، الذي يقودنا إلى النظير المجيب: (فاتقوا النار التي وقودها)24/2، فالشمس هي نار ذات وقود: (النار ذات الوقود)5/85، ويمكن القراءة: "هو الذي جعل الشمس نارا، فاتقوا النار ذات الوقود". أي اتقوا الشمس، لذلك يمكن تعريف الشمس، في الاصطلاح القرآني بـ(النار).
وعن طبيعة ذلك الوقود، يمكن مراجعة المزيد من النظائر مثل: (فالق الإصباح)96/6، فالصبح مؤول بالشمس، وان توصف الشمس بالانفلاق يفسره النظير: (فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم)63/26، الذي يوضح أن الشمس تعيش ظاهرة انفلاقات مهولة، (السنة اللهب التي تمتد كيلومترات عدة فوق سطحها)، تشبه انفلاق البحر لموسى، (فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم)63/26، ويفسر وجه (الانفلاق) النظير: (اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا)60/2، فهنا يشرح القرآن الانفلاقات بأنها انفجارات، ويحدد مصادر الانفلاقات على ظهر الشمس بأنها انفلاقات تنبعث من عيون(1).
ثم يحدد طبيعة تلك الانفجارت بالمقارنة بين النظيرين: (فالق الإصباح)96/6، (إن الله فالق الحب والنوى)95/6، فانفلاق الصبح هو انفلاق الشمس، بينما في النظير الثاني نفهم (الحب) بمعنى الذرات، كما تدل على ذلك المقارنة بين النظيرين: (مثقال حبة)47/21، (مثقال ذرة)61/10، لنقرأ: " إن الله فالق الذرة والنوى "، أو "ان الله مفجر الذرة والنوى"، فطبيعة الانفلاق أو الانفجار على سطح الشمس هي انفلاقات وانفجارات ذرية وننوية ...
كروية الأرض:
إذا حاولنا الكشف عن الخطابات القرآنية المباشرة، التي تحدد شكل الأرض نجد قوله تعالى: (والأرض بعد ذلك دحاها)30/79، فالدحو هو الدحرجة، فالمداحي في اللغة هي أحجار أمثال القرصة، يلعب بها الأطفال بدحرجتها على الأرض. فدحو الأرض يعني كونها كالمداحي كرواية الشكل. والمداحي لما تعرف بالقرصة(*)، فذلك ينقلنا إلى قول العرب: "قرص الشمس"، لينطبق ذلك الوصف على الأرض، فيقال: "قرص الأرض"، بهذا يتكشف أن أجرام السماء وأقربها، القمر والشمس، هي مرآة تعكس صورة الأرض في شكلها الكروي، فالأرض لها شكل القمر والشمس ... وهو ما يتضح أكثر، عندما يتسنى للإنسان ان يقف على سطح القمر لينظر الى الأرض:
أيضا مما يعزز وصف الدحو، قوله تعالى: (والأرض مددناها)19/15، فمد الأرض، بحيث كلما سار فيها الإنسان وجدها لا تتناهى، مما يعكس كونها كروية، فهو الشكل الهندسي الذي يعبر عن هذه الظاهرة. وهذا اللاتناهي في الامتداد، هو الذي يقرره قوله تعالى: (يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت)27/31، بحيث يمكن المراكبة بين الآيتين،لنقرأ: "والأرض مددناها ما نفدت" فالشكل الكروي هو الذي يوفر خاصية اللاتناهي في الامتداد، فكما استنتج ماجلان في رحلته البحرية التي دار بها حول الأرض، أن الأرض كروية، عندما وصل إلى النقطة التي انطلق منها، فهذا الاستنتاج ما أرادت التعبير عنه الآية الكريمة، والمعنى الذي أرادت إيصاله...
اما الخطاب القرآني الأكثر مباشرة في وصف شكل الأرض، نجده في قوله تعالى: (خلق السماوات والأرض بالحق يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل)5/39، يصرح الخطاب بكروية الأرض، من خلال نسبة الكروية لليل والنهار، فدوران النهار او الليل حول محيط الأرض بالكامل، فيحتل النهار محل الليل، والليل محل النهار، يعبر عن الجريان من جهة، ويعبر عن اخذ الليل والنهار شكل الأرض الكروي. لذلك نسب التكور إليهما ..
فإذا ما نظرنا إلى حركة النهار على امتداد محيط الأرض، نجد أن النهار قد أحاط بالكرة الأرضية بالكامل: (قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدا)72/28، فهذا معنى يكور النهار، أي أن النهار أخذ الشكل الكروي للأرض، فإذا ما نظرنا من جهة أخرى إلى حركة الليل في دورته على محيط الأرض، نجد أن الليل قد شمل الكرة الأرضية بالتفافه، ليتحقق قوله تعالى: (قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا)71/28. إن النظر إلى الشكلين المتكورين؛ الليل بصرف النظر عن النهار، ثم النهار بصرف النظر عن الليل، يؤدي إلى تشكل مشهدين، في كل مشهد تستغرق حركة كل منهم كامل الكرة الأرضية، فيتضح حين نريد المطابقة بين الحركتين الشاملتين، الليلية والنهارية، ان احدهما يتكور على الثاني، ويغشاه، وكأننا أمام خطين متطابقين أو دائرتين متداخلتين. وهو المعبر عنه بالغشيان: (زوجين اثنين يغشي الليل النهار)3/13. وهذا الأمر سيتضح أكثر في العنوان التالي ...
وإذا ما توجنا ذلك بذكر النظير: (الشمس كورت)1/81، فهذا التصور الكروي للشمس يسحبه القرآن على الأرض، حين يشير إلى تكوير الليل والنهار، فيمكن القراءة: "الأرض كورت".
الكروية والدوران:
الأرض هي الكوكب الذي تتعاقب عليه آيتي الليل والنهار، في هذا الفصل يوضح القرآن دوران الأرض، كما يتابع معالجة كرويتها من خلال ظاهرتي الليل والنهار..
يطلق القرآن على النهار لفظة (وجه) في قوله تعالى: (وَجْهَ النَّهارِ) 72/3، ثم يفسر لفظة (وجه) بالنظير: (وَجْهَكَ شَطْرَ)144/2، فيكون الوجه هو الشطر، وبناء على كون النهار آية تتظاهر على الكوكب، فان قوله: (وَجْهَ النَّهارِ) 72/3، أي النهار شطر كوكب الأرض. ثم في خطوة لاحقة يوضح الخطاب القرآني ان وجه النهار الذي يشغل شطر الأرض يتزامن مع وجه الليل الذي يشغل الشطر الثاني منها، وذلك قوله تعالى: (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه)106/3، كما إن النظير يوضح أن (اليوم) يتألف من وجه النهار: (تبيض وجوه)، ووجه الليل(وتسود وجوه)، يصادق على هذا النظير: (أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً) 27/10. فيمكن تصور الدلالة التركيبة المحصلة في القراءة: "يوم، تبيض وجه الأرض بالنهار ويسود وجهها الآخر بقطع من الليل مظلم"
اليوم = النهار(:تبيض وجوه) + الليل(:تسود وجوه)
إن حركة الأرض حول نفسها، وما تتسبب به بتولد آيتي الليل والنهار في ظرف اليوم، هي التي يقول عنها تعالى: (يوم: تقلب وجوههم في النار)66/33، وقد عرفنا فيما تقدم إن (النار) في الخطاب القرآني اسم من أسماء الشمس، "يوم: تقلب وجوههم في نار الشمس"، فنفهم أن اليوم يتشكل عن طريق انقلاب الأرض بين وجهي النهار والليل، فللأرض وجه مقبل وآخر مدبر: (وجوههم وأدبارهم)50/8، وحركة انقلابها هي التي يوصفها قوله: (انقلب على وجهه)11/22، (فألقوه على وجه)93/12، فإلقاء أو انقلاب الشيء على وجهه، أي أن طرح الأرض على وجهها ليتكشف الوجه المدبر: (اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ)10/12، يترتب عليه خلو ذلك الوجه من آية النهار ليشغل بآية الليل أو خلوه من آية الليل ليشغل بآية النهار، يدل على ذلك النظير: (أَلْقاهُ عَلى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً)96/12، حيث يفسر (بصيرا) النظير: (وجعلنا آية النهار مبصرة)12/17. فانقلاب وجه الأرض إلى الجهة التي تواجه الشمس يؤدي إلى تظاهر آية النهار ... بينما انطماس الوجه الثاني، بارتداده إلى دبره: (مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها) 47/4، يفسر مفهوم الطمس (نطمس وجوها) النظير: (وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة)12/17، فإذا كان انقلاب الأرض يؤدي إلى إضاءة وجهها بآية النهار المبصرة، فان ذلك يؤدي إلى طمس وجهها الآخر بآية الليل الماحية.
أ
أيضا توضح كلمة (ارتد) في قوله تعالى: (أَلْقاهُ عَلى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً)96/12، عن الحركة الارتدادية التي تعيشها الأرض، في دورانها حول نفسها، فيها تتردد بين آيتي النهار المبصرة والليل الممحية...
يربط القرآن بين آيتي الليل والنهار من جهة والشمس من جهة أخرى، في قوله تعالى: (والشمس وضحاها، والقمر إذا تلاها، والنهار إذا جلاها، والليل إذا يغشاها)1-4/91، هذا الخطاب من الأهمية بمكان، باعتباره يوضح أن نهار الأرض، يجلي الشمس، وان ليلها يغشى الشمس، أي أن دوران الأرض حول نفسها، هو المسئول عن تولد آيتي الليل والنهار، فليس القول أشرقت أو غربت الشمس، في خطاب الناس اليومي، إلا قولا ظاهرا، يأتي في سياق التفكير الظاهري للناس: (أكثر الناس لا يعلمون، يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون)6-7/30.
بعبارة أخرى، ان آية الشروق والغروب يلحظها الإنسان من خلال حركة ظاهرية، فيها يبدو ان الشمس تتحرك من المشرق إلى المغرب، ويرى القرآن ان هذه الحركة الظاهرية للشمس هي حركة للأرض باطنا، أي الشروق والغروب للأرض، وفي ذلك يقول: (وأشرقت الأرض بنور)69/39، الشمس، فنسب الشروق للأرض، مما يعني أن الأرض إذا أشرقت على الشمس حدث النهار على سطحها، وإذا غربت عن الشمس حدث الليل على ظهرها، يصادق على ذلك النظير: (ولِلَّهِ الْمَشْرِقُ والْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ) 115/2، فالخطاب القرآني يقسم الأرض بالنسبة للشمس إلى شطر شرقي وشطر غربي، فهناك وجه تشرق عليه الشمس وآخر تغرب عنه، وهو قوله: (والليل إذا يغشى، والنهار إذا تجلى)1-2/92، ففي اللحظة التي فيها يغشى الليل وجه الأرض يتجلى النهار في الوجه الآخر، مما يعني أن تقلّب الأرض بين يدي الشمس، يجعل الوجه المقابل للشمس هو المشرق، المشمول بوجه النهار، والآخر المدبر عن الشمس هو المغرب، الذي يغشاه الليل بظلماته...
لنتابع ذلك في امتداد الخطاب القرآني: (والليل إذا يغشى، والنهار إذا تجلى)1-2/92، فالآية تتحدث عن غشيان الليل، وتجلي النهار على الأرض، ثم يأتي النظير: (هل أتاك حديث الغاشية، وجوه يومئذ خاشعة، عاملة ناصبة، تصلى نارا حامية،(...) وجوه يومئذ ناعمة، لسعيها راضية)1-9/88، فتأتي الآية الثانية لتنتظم في المسار ذاته حين تتحدث عن الغاشية، بأنه حديث عن وجهين وجه خاشع عامل ناصب يصلى نار حامية، فهو حديث عن وجه الأرض حين تشرق عليه الشمس فيستضيء بنارها، والذي يعج بالحركة الناصبة، والوجوه الخاشعة لحرارة الشمس. فهو حديث عن وجه الأرض وحديث عن وجوه العمّال الذين يشغلون ذلك الجانب المصطلي من الأرض. ووجه آخر ناعم راضي، فهو حديث عن وجه الأرض الذي غربت عنه الشمس وعن وجه العامل الذي عاد إلى بيته ليغتسل وينعم بلباس الليل ولقاء الأهل والحديث عن رضاه بما أنجزه من سعي النهار.
فإذا كان ظاهر حديث الآية الآنفة عن وجوه أهل النار من جهة، ووجوه أهل الجنة، من جهة أخرى، فان مآله في هذا الحديث عن وجه الأرض النهاري ووجه العامل فيه، ووجه الأرض الليلي، ووجه الناعم فيه، يصادق على ذلك قوله: (إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون، هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون)55-56/36، (متكئين فيها على الأرائك لا يرون فيها شمسا)13/76، فالآية المتقدمة وصفت وجه أهل النار بانه يصلى نار حامية فسرناه بنار الشمس، بينما هذه الآيات تفسر وجه أهل الجنة بانه يعيش في الظل، ولا يرى الشمس، أي انه الوجه الذي يمثل ليل الأرض، فالأرض حين يرى وجهها الشمس يكون الآخر في الظل، فلا يرى الشمس.
فقوله تعالى: (وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ألا هو العزيز الغفار)5/39، فجريان الشمس والقمر يؤول بجريان الأرض، بدليل قوله في خاتمة الخطاب: (كل يجري لأجل مسمى)5/39، فالأرض تجري، ويترتب على جريانها حول نفسها تعاقب الليل والنهار، فيمتد الليل ليشمل المنطقة التي شغلها النهار، ويمتد النهار ليشمل المنطقة التي احتلها الليل، فيكون محيط الأرض الذي مر عليه الليل هو المحيط الذي مر عليه النهار. فيكون الليل أحاط بالكرة الأرضية بالكامل: (قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا)71/28، فهذا معنى يكور الليل، أي أن آية الليل أخذت شكل الكرة الأرضية الكروي، ويكور النهار فيشمل الأرض بالتفافه: (قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدا)72/28، فاشتق من حركة النهار حول محيط الأرض صفتها الكروية....
الفصول الأربعة:
إلا ان الأرض التي لها مغرب ومشرق: (رب المشرق والمغرب )28/26، يتحدث القرآن في موضع اخر بان لها مشرقين ومغربين: (رب المشرقين ورب المغربين)17/55، وفي موضع ثالث عن مشارق ومغارب: (رب المشارق والمغارب)40/70. ثم يوضح ان ثمة مسافة تفصل بين المشرقين وبالتالي تفصل بين المغربين في قوله: (قال يا ليت بيني وبينك بُعد المشرقين)38/43، فهذه المسافة بين المشرق والآخر تدل على حركة الشمس، الظاهرية، فهي في موقعها من الأرض متغيرة، لذلك صار لها مشرقين بينهما مسافة بعيدة، وللتعرف على هذين المشرقين، نرجع الآية إلى النظير: (فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق)19/34، فهذا النظير يكشف بان التباعد بين المشرقين هو تعبير عن سفر الشمس، وتتبع نظائر الأخيرة، يقود للنظير: (قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه كذلك نجزي الظالمين)75/12، فهذه الآية تفسر السفر بالرحلة، فالشمس في سفرها إنما تنشئ لها رحلة، تقطع فيها مسافات بعيدة، ثم قوله: (لإيلاف قريش، إيلافهم رحلة الشتاء والصيف)1-2/106، يتبين بان تلك الرحلة والسفرة هي التي ينتج عنها فصل الصيف والشتاء، فالمشرقين المتباعدين تعبير عن أن للشمس مشرقا في الصيف غير مشرقها في الشتاء، ففي الأول تكون الأرض قريبة من الشمس لذلك نشعر بالحرارة، وفي الثاني تكون الأرض بعيدة عن الشمس لذلك نشعر بالبرودة.
ثم يتحدث القرآن عن أكثر من مشرق ومغرب للأرض بالقول: (فلا أقسم برب المشارق والمغارب إنا لقادرون)40/70، فعلى ضوء وجود المسافة بين المشرقين، فان بين كل مشرقين من مشارق الأرض هناك مسافة، مما يعني أن ثمة حركة متدرجة للشمس فيها، تعبر عن جريانها في رحلة تسافر فيها عبر منازل، كما قال تعالى: (والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم، والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم، لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون)38-40/36. فالشمس تتحرك حركة مؤطرة بفلك ثابت يهبها استقرارها، وبدل أن تشير الآية إلى جريان القمر، أيضا، في رحلة فلكية خاصة به، أشارت إلى منازله، لتعبر بذلك عن حركته عبرها، مما يجعل مجرى الشمس في فلكها الثابت يؤول هو الآخر بالمنازل، " والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم، وقدرناها منازل"، فهذه الحركة في المنازل المتدرجة هي التي تخلق المشارق والمغارب، وهي التي تنشأ عنها الفصول بتغير الطقس على سطح الأرض نتيجة اختلاف منازل الأرض من الشمس.
فإذا ارجعنا قوله تعالى: (والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير)38/36، إلى النظير: (وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام(:فصول) سواء)10/41، يبين ان تقدير جريان الشمس في المنازل، قُدّر للشمس ان تقسم أيام السنة قسمة متساوية بين أربعة أيام، يوم صيفي، ويوم ربيعي، ويوم خريفي، ويوم شتوي، أي ان الله سمى (الفصل) في هذه الآية بـ (اليوم)، ترتب على تقدير الشمس ظاهرة الفصول: (وقدر فيها أقواتها في أربعة)، أي فقدر أربعة أنواع من القوت، فلكل فصل نوع من الرزق والثمار، تتناسب مع مناخ الفصل.
ويمكن أن نجد ذكر السنة والتقسيم الرباعي لها في قوله تعالى: (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة)36/9، فنفهم (منها) بمعنى (فيها)، أي فيها أربعة فصول. يدل على ذلك مقارنتها بالنظير: (وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام(:فصول) سواء)10/41، فعبارة (سواء) تفيد التساوي في التقسيم الرباعي، بحيث يمكن القراءة: "إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض، وقدر فيها أقواتها، فيها أربعة فصول سواء ". اي كل فصل يستغرق ثلاثة اشهر ...
والحمد لله رب العالمين