معارض الكتب ودورها في تعميق الوعي الثقافي
من التقاليد الثقافية الراسخة في البلدان والامم المتطورة إقامة معارض الكتب بصورة شبه دائمة، والهدف من هذا قبل كل شي هو جعل الكتاب بمختلف مضامينه في متناول يد المواطن من اجل زيادة الوعي لديه سواء في الجوانب العلمية او الادبية او الثقافية عامة، ولعل الامر لايحتاج الى كثير من التمحيص لكي نكتشف سبب اهتمام الشعوب المتطورة بإقامة معارض الكتب على الرغم من ان شبكة الانترنيت جعلت من الوصول الى أنفس الكتب وأندرها أمرا هيّنا لا يحتاج الى كثير من البحث او الجهد او حتى المال أحيانا، ومع ذلك لازلنا نسمع بالمعارض (المدوّية) التي تُقام في بيروت او القاهرة او دبي او فاس في المغرب وغيرها، ناهيك عن تلك المعارض العالمية المتكررة التي تقيمها وتشرف عليها المؤسسات الجامعية وغيرها في اوربا والغرب عموما.
ولعل قائل يطرح علينا التساؤل التالي، هل لدينا القدرة على التفاعل الايجابي مع الكتاب ومعارضه؟ وهل هناك إمكانية للمواطن البسيط على اقتناء الكتب مع ارتفاع ثمنها بصورة لافتة؟ وهل يسمح لنا الظرف الراهن بالانشغال في مثل هذه الامور التي يعدّها البعض كمالية قياسا لاحتياجات الناس الاخرى كالمأكل والملبس وما شابه ؟!.
قد تبدو مثل هذه التساؤلات منطقية وقابلة للنقاش، غير ان ذلك لا يلغي أهمية الكتاب ومضامنيه المتنوعة في إغناء الفكر الانساني الشعبي وغيره، ولا يجب أن يكون هذا مبررا للعزوف عن الكتاب سواء من لدن المتخصصين او عامة الناس، كما ان ثمة أمرا هاما ينبغي التنبّه إليه من لدن الجهات الرسمية المتخصصة، وهو قصور الدور الرسمي في دعم الكتاب وفي ترسيخ التقليد المتحضر للتعامل معه وأساليب نشره بين الناس كافة بمختلف اعمارهم ومشاربهم.
وهنا علينا ان نناقش هذا الموضوع بشيء من الاستفاضة والتروي، وبدءً نسأل الجهات الرسمية المسؤولة عن توزيع الكتاب وعرضه في معارض متخصصة في المناسبات الوطنية وغيرها، هل هي راضية عن دورها وجهدها المبذول بهذا الصدد؟، وهل قدمت تسهيلات واضحة كي تجعل الكتاب في متناول يد القارئ بسهولة؟،وهل قامت بدورها هي ومن يهمهم الامر بتوعية الناس وإظهار الدور الهام للكتاب في زيادة وعي الناس ونشر وترسيخ منظومة السلوك والفكر المثقف بينهم ؟!.
إنها أسئلة هامة كما يبدو والأهم منها هو الاجابة عنها بصدق وبروح المسؤولية الانسانية والاخلاقية والوطنية في آن واحد، ولعل الجانب المهم ايضا فيما يتعلق بهذا الموضوع أهمية ان لا يلجأ المعنيون الى لغة التبريرات والتهرب من المسؤولية، بل على من يهمه الامر من الرسميين تحديدا ان يواجه الأسئلة ويجيب عنها بصدق وشجاعة وأن يطرح رؤاه بثقة ووضوح -سواء كان فردا او مؤسسة او منظمة ثقافية- تلك الرؤى التي تسهم بصورة او أخرى في ترويج ثقافة (معارض الكتب) وترسيخها كتقليد انساني وطني متحضر، وسيبقى الهدف كما هو واضح تنوير الأوساط الشعبية بحُزَم فكرية ايجابية متواصلة لزيادة وعيها الانساني كونها من الشرائح
الأكثر حاجة الى مثل هذه المضامين التي تحاول الارتقاء بها الى مصاف السلوك والتفكير المتنوّر.
وهنا تحديدا تتوجه التساؤلات الى الجهد الحكومي المختص بهذا الجانب، ومدى ما قدمته المؤسسات المختصة من فعّاليات تصبّ في ترسيخ توزيع الكتاب وإيصاله الى القارئ العام الذي ينبغي ان يكون هو الهدف أكثر من غيره في هذا الجانب، ولعل الجواب الذي سنتفق عليه هو ملاحظة غياب الجهد الحكومي أو ضعفه في افضل التقديرات حيث لم ترجع الانفاس كاملة الى معرض بغداد الدولي للكتاب على سبيل المثال، ولم نجد بديلا ناجحا له، ناهيك عن الانشغال بأمور وجوانب يضنها المسؤولون اهم من توصيل الكتاب الى القارئ، وهم قطعا واهمون، فالمواطن المتنوّر لا يُتعب حكومته إلاّ إذا كانت تستحق ذلك، في حين ستجد فيه دعما كاملا لها في حال نجاحها في كسبه من خلال إدارتها الناجحة لشؤون الشعب وتنويرها له بزيادة وعيه ومهاراته السلوكية والفكرية، ولعل التجارب العالمية الراهنة قدمت ولا تزال تقدم لنا إشارات لا تقبل الشك بأن الشعوب المثقفة هي الأكثر استقرارا من غيرها وأن حكوماتها متوازنة ومقبولة كونها تتربع على عرش شعوب متنورة وأكثر وعيا من غيرها، لذا سنكتشف بأن الجهد الحكومي المبذول في توعية الشعب من خلال نشر وتوزيع الكتاب لن يذهب سدى بل سيصب في صالح الحكومات مثلما يصب في صالح شعوبها.
ولكي نسهم ونجتهد معا في ترسيخ تقاليد اقامة معارض الكتب نقترح الخطوات الاجرائية التالية:
1- أن تتضافر جهود الرسميين والاهليين من المعنيين للعمل على جعل إقامة معارض الكتب (الجوهرية وليست الشكلية) ظاهرة ثقافية راسخة في المجتمع.
2- أن يتدخل الجهد الحكومي بقوة وبصورة مخطط لها على نشر وتوزيع وتوصيل الكتاب من خلال المعارض الى اكبر عدد ممكن من القراء، مع الاسهام الجاد في دعم اسعار الكتب.
3- الانفتاح على العناوين العلمية والثقافية والادبية والدينية وغيرها مع التنبّه للمضامين التي لا تصب في صالح الوعي الانساني.
4- أن نعمل معا لا سيما المؤسسات الرسمية المعنية بنشر الكتاب، على توظيف المناسبات الوطنية وغيرها لاقامة المعارض وتوصيل الكتاب للقراء بأيسر الطرق وأسهلها وأقلها تكلفة.
5- أن يتدخل القطاع الخاص بقوة (مع القبول بهامش خسارة مؤقتة) ليسهم بتنشيط معارض الكتب ويعمل على تحويلها الى مصدر ربحي قادر على مجاراة الفعاليات الاقتصادية في المجالات الاخرى.
6- أن تحاول الجهات المعنية وجميع من يهمه الامر اكتشاف طرق جديدة لترويج الكتاب وإنعاش بعض مشاريع الترويج السابقة للتشجيع على اقتناء الكتاب كما حدثت موجة (كتاب الجيب) في اوربا قبل عقود.
وبذلك وغيره من الرؤى والمقترحات القابلة للتطبيق الملزم يمكن ان نسير في الطريق القويم الذي يضاعف من قداسة مضمون الكتاب ودوره في تكريس الوعي الانساني، ويقرّب المسافات بين الحكومات وشعوبها التي ستصبح أكثر معرفة ووعيا لخفايا الحياة وظواهرها في الوقت نفسه.