أصول وقواعد المطالعة الحرة
د.عبد اللطيف الصوفي
تعد المطالعة الحرة، أفضل وسيلة، لتنمية الميل للقراءة بعامة، وتحسينها، وتطويرها. وهي ليست بهذه البساطة التي قد تبدو للبعض، بل هي عملية شديدة التدرج في النمو، كما أنها بحاجة إلى عناية ورعاية كبيرتين. وهي أيضاً بحاجة إلى أصول وقواعد. يقول الدكتور ستيفان كراشين خبير تعليم اللغات: "إن البحوث، والدراسات الخاصة بهذا الموضوع، أثبتت أن الطلاب الذين يقرؤون كثيراً، هم الأقدر على تحسين قواعدهم اللغوية، وتطوير ثروتهم اللفظية، بل وعلى تعلم أصول الكتابة، من أولئك الذين يقرؤون قليلاً، أو الذين لا يعطون للقراءة الحرة، حقها من التقدير والإهتمام."
ومن الخطأ، أن يقضي التلاميذ معظم وقتهم في دراسة قواعد اللغة، وإستظهار الألفاظ الجديدة، سواء تعلق الأمر بلغتهم الأم، أم باللغة الأجنبية التي يدرسونها. كما أنه من الخطأ الاعتقاد، أن المطالعة الحرة سهلة، ميسورة للجميع متى شاؤوا، دون إستعداد لذلك، أو دون رعاية خاصة، لأنها في تقديرهم، ليست بحاجة إلى أصول وقواعد. وليس الأمر بهذه البساطة، أي أن يأخذ الإنسان كتاباً ويطالع به متى شاء، ويتركه متى شاء، انطلاقاً من كونها مطالعة حرة.
وتساعد القراءة الحرة المنتظمة، على زيادة الثروة اللغوية للقراء، وتحسن من سرعة قراءتهم، وتطوير فهمهم، وتحسين كتابتهم، فضلاً عن زيادة ثقافتهم، وإثراء معلوماتهم. ويرجع ذلك لسببين اثنين، الأول: كونُها تمنح المرء القدرة على الإرتباط أكثر باللغة، لأنها قراءة مشوقة إذا أحسن الإنسان إختيار مادتها، فهي تجعله أكثر إقبالاً على التعليم والفهم لا بل تجعله أكثر إقبالاً على الحياة. أما السبب الثاني، فلأنها تسمح ببناء معرفة لغوية شخصية، وتطوير الحاجات القرائية، وهي متعددة ومتنوعة.
وتختلف القراءة الحرة بصورة جلية عن القراءة للدراسة، إذ عندما يختار المرء كتاباً للمطالعة الحرة، يجد نفسه حراً، يقرأ بملء إرادته فهو يحب الكتاب، لأنه غير مفروض عليه وظيفةً مدرسية، وهو فيها غير ملزم بتذكر كل ما يقرأ، أو إستظهار المعلومات وحفظها للإمتحان، بل جل ما يحتاجه منها هو الإستمتاع، وتمضية وقت الفراغ بما يحب، وبشيء جميل.
وهناك بعض النصائح التي يمكن تقديمها للقراء بخصوص المطالعة الحرة:
- ضع هدفاً محدداً للقراءة الحرة، وحدد عدد الكتب التي تريد قراءتها، خلال الفصل الدراسي الواحد من السنة، أو خلال العطلة الصيفية، أو أية فترة أخرى.
- اجعل القراءة الحرة جزءاً من حياتك اليومية، وخطط لقراءة عدد من الصفحات كل يوم، أو عدد من الساعات كل يوم (نصف ساعة، ساعة، أو أكثر).
- اقرأ في الجلسة الواحدة على الأقل نصف ساعة، تنهي فيها قراءة فصل معين من الكتاب، أو جزء محدد منه، وتتوقف عند مكان يحسن التوقف عنده.
- اختر كتاباً صغيراً مثل كتب الجيب، تحمله معك أينما ذهبت، تقرأ فيه كلما وجدت فرصة سانحة لذلك، وهذه الطريقة تفيدك في القراءة عند الإنتظار في عيادة طبيب مثلاً، أو وقوفك في رَتلٍ ما تنتظر دورك، كما يفيدك للقراءة وأنت تجلس في الحافلة أو في القطار أو غيره، وهو أمر شائع في الدول المتقدمة، حيث لا أحد يضيع وقته سدى.
- احتفظ لديك بدفتر صغير، تسجل فوقه ملاحظاتك حول ما تقرأ، كأن تسجل ملخصاً لكتاب أنهيت قراءته، أو تكتب توقعاتك حول نهاية قصة ما زالت بين يديك، واقتربتَ من استكمال قراءتها. واصنع به في مكان آخر، جدولاً بالكتب التي قرأتها.
- حدث صديقك، أو أحد زملائك، أو واحداً من أهلك، عن الكتب التي قرأت، أو التي ما زلت تقرؤها.
- تحدث مع أستاذك إذا كنت طالباً حول الكتاب الذي قرأت، وخذ منه موعداً لمناقشة هذا الكتاب معه، بعد استكمال قراءته، وهذا الموعد، ليس قصد إختبار معلوماتك عنه، بل للحديث معه حوله.
وقد يكون أستاذك لا يعرف هذا الكتاب، ولم يسبق له أن سمع عنه. ومن المفيد هنا أن تصنع بطاقة معلومات عن الكتاب وتسلمها له.
إن التحدث مع الآخرين عن الكتب المقروءة، يفيد كثيراً في تركيز المعلومات، وهو سبيل هام لإتقان اللغة وتطويرها. فعندما يتحدث الإنسان مع أستاذه، أو زملائه، أو أسرته، عن الكتاب الذي قرأه، تتثبت المعلومات في ذهنه من جهة، وتبرز الأفكار الهامة حول النص من جهة أخرى. إن مثل هذه المناقشة، تجعل القارئ يعيد المعلومات في ذاكرته، ويعرف ما حصله، أو ما بقي في ذهنه منها، فضلاً عن فوائد معرفية متعددة أخرى.
لقد اعتاد كثير من الناس، على القراءة للتسلية، ولكن ذلك لا يكفي، كما لا يكفي أن يقول المعلم للتلميذ: "اقرأ كتاباً", أو "عليك بالقراءة والمطالعة، إنها مفيدة"، أو يردد على مسامعهم، مقولة الجاحظ "الكتاب خير جليس"، بل المطلوب أبعد من ذلك، إذ يجب تعريف الناس، بأهمية القراءة في حياتهم اليومية، والدراسية، والوظيفية، وبأنها ضرورية للإنسان، كالطعام والشراب، مع شرح أنواعها وأصولها وتقنيانها، ومهاراتها، وسبل اكتساب عادتها وتطويرها، حتى تصبح جزءاً منهم، لا يحلو لهم العيش من دونها.
www.balagh.com