بقلم :نجاح محمد العطار
يعتبر ستيفن كوفي أنجح عملاق تجاري أمريكي في استخدامه الوسائل النفسية والروحية؛ لتشجيع المدراء ـ والقراء أيضًا ـ ولتحسين أدائهم والانتقال إلى مراحل أفضل في حياتهم، وقد رفع "كوفي" لواء الفكرة القائلة إن الانفجار المادي يعتمد على اتباع مبادئ أخلاقية شخصية واضحة.
كما يُعتبر "كوفي" من المتحدثين الأقوياء الذي نشر أفكاره عبر الندوات ووسائل الإعلام ومؤسسته، ولكن جوهر كل نشاطاته يَكمُن في "العادات السبع"؛ والتي تركز على أن الأفراد هم كائنات أخلاقية تسيطر على قدرها، وأن عدم الأنانية والاعتماد على النفس هو الطريق للنجاح الدنيوي.
أولًا ـ السيرة الذاتية:
(إن كوفي هو أفضل من يهز الولايات المتحدة الأمريكية بنصائحه الحماسية الرامية إلى تطوير الذات منذ عهد ديل كارنيجي).
مجلة الولايات المتحدة الأمريكية اليوم.
ولد ستيفن كوفي لعائلة في ولاية "يوتاه" في سنة 1932م، بدأ حياته أكاديميًّا متسلحًا بشهادة ماجستير من جامعة هارفارد ودكتوراه من جامعة برجهام يانج التي علم فيها المسلكية التنظيمية، اكتسب كوفي خبرة في المجال التجاري وأظهر قدرة كبيرة في المجال التنظيمي، وعمِل كمدير للعلاقات العامة في الجامعة، ومساعدًا للرئيس الحالي لجامعة ميريل باتمان، بالإضافة إلى كونه مديرًا تنفيذيًّا في شركة مارس.
ويحمل السيد "كوفي", شهادة بكالوريوس في علوم إدارة الأعمال من جامعة يوتاه بمدينة "سولت ليك", ويحمل شهادة ماجيستير في إدارة الأعمال من جامعة هارفارد, ودكتوراه في التعليم الديني من جامعة "بيرجهام يانج".
باستطاعة "كوفي" أن يدعي أنه واحد من أفضل المُعلمين في التاريخ: فأعداد تلاميذه بالملايين، و"كوفي" يستشهد مرارًا بالفيلسوف الصيني لاو تسو ومثله الشهير: (أعطِ الرجل سمكة فبذلك تطعمه ليوم؛ ولكن إذا علمته كيف يصطاد السمك فإنك تطعمه لمدى حياته)، أدت المعرفة التي اكتسبها "كوفي" عبر التعليم إلى الاقتناع أن باستطاعة الناس تحسين أنفسهم, فقط إذا عرفوا كيف يعملون بهذه التحسينات.
زاد "كوفي" على كلمات الفيلسوف "لاو تسو" ما معناه: (اصنع معلمين لصيد الأسماك فترفع المجتمع بأسره).
ثانيًا ـ نجاح يتبعه نجاح:
(إذا كنت ترغب في النجاح في حياتك، فاجعل الإصرار صديقك الحميم، والخبرة مستشارك الحكيم).
جوزيف أديسون.
لقد أثبتت قدراته التجارية وشهادته في الأعمال التجارية من جامعة هارفارد فعالية عالية، وبعد مغادرته الجامعة، قام "كوفي" بفتح مؤسسة خاصة به من أجل تحقيق طموحه في إحداث تأثير كبير على قطاع الإدارة في الولايات المتحدة، وبمساعدة عدد من شركائه قام "كوفي" بتطوير شركته بسرعة كبيرة، إلى حد أصبح فيه بالإمكان افتتاح فروع دولية للمؤسسة.
وفي سنة 1984م، حوَّل نشاطه التجاري إلى مؤسسة جديدة للتدريب الإداري أسماها "مركز كوفي للقادة"، وبعد ثلاث عشرة سنة اندمجت الشركة مع مؤسسة "فرانكلين كويست Quest" لتصبح شركة "فرانكلين كوفي" التي يرأسها مناصفة مع شركة "هيروم سميث"، وقد أدرجت هذه الشركة على لائحة الشركات في سوق البورصة، ولديها الآن أكثر من أربعة آلاف موظف وعضو.
هناك الآن مئة وثمانية وعشرون فرعًا لمتاجر "فرانكلين كوفي سفن هابتز Franklin Covey Seven Habits "، ومعظم هذه المتاجر تبيع منتجات الشركة في أمريكا الشمالية، كما يوجد أكثر من ثلاثين فرعًا في سائر دول العالم بالإضافة إلى ترجمة كتب ومحاضرات "كوفي" إلى أكثر من 28 لغة، وفي كل سنة يقوم الأعضاء بتدريب أكثر من 750 ألف شخص، يساعدون في بيع أكثر من مليون ونصف المليون كتاب.
إن المبيعات الهائلة ـ حيث بيع أكثر من عشرة ملايين نسخة من كتاب "العادات السبع" ـ وحدها تساهم بشكل كبير في العائدات المالية للشركة التي تزيد على 550 مليون دولار.
وفي الواقع فإن "كوفي" كتب عن العائلة أكثر مما كتب عن التجارة، وتفرع عن كتابه "العادات السبع للعائلات ذوي الفعالية العالية" الصادر في سنة 1998م كتيبات عدة مثل "مجلة العادات السبع العائلية" و"الموازنة بين العمل والعائلة" وكلاهما نشر سنة 1998م.
وتقوم مؤسسة "فرانكلين كوفي" بتقديم المشورة الشخصية والتدريب للأفراد وورشات عمل في أكثر من مدينة داخل وخارج أمريكا الشمالية، وهناك أيضًا أكثر من 7000 منسق مرخص للزبائن، مهمتهم تدريس منهج "فرانكلين كوفي".
أثار "كوفي" اهتمامًا موضوعيًّا في المجال التجاري، ويلبي كتابه "العادات السبع للأشخاص ذوي الفعالية العالية" من حيث مساعدة الأفراد والمؤسسات والعائلات لتصبح أكثر فعالية، رغبة الشركات في تحقيق إنتاجية أعلى من الموظفين الذين يمتلكون الحوافز الشخصية.
ويسعى أسلوب "كوفي" الإداري إلى دمج الأهداف الإدارية والفردية، ليس عبر مخططات وأهداف متفق عليها فحسب، وإنما أيضًا عبر التطور الشخصي، إن "كوفي" فريد من نوعه بين عمالقة الإدارة من حيث معاملة الفضائل الشخصية والعامة على أساس أنها فضائل واحدة.
لقد ركَّز "كوفي" على تحسين الفرد وتحسين المؤسسة، ورأى أن الأمرين مهمين بالقدر ذاته ولا يمكن فصلهما، ويثبت نجاح مصلحته التجارية حجته هذه، وكما أن مؤسسة "فرانكلين كوفي" تؤهل مؤسسها ليكون مُعلمًا للمديرين التنفيذيين، فإن حياته العائلية أيضًا تدعمه كمرجعية لشؤون إدارة العائلة، ولد "كوفي" وزوجته ساندرا تسعة أبناء، وهو يصف نفسه بكل فخر بـ"الزوج والأب والجد".
في سنة 1996م، قامت مجلة "تايمز" بتسميته كواحد من أكثر 25 أمريكي صاحب نفوذ في الولايات المتحدة، وفي السنة ذاتها، وصفته المجلة ذاتها بأنه في عداد أول خمسة وعشرين شخصية مهمة في الولايات المتحدة، ومن النادر أن تجد شخصًا يُضاهي "كوفي" كواعظ وكعملاق إداري، ليعطي دليلًا على أن العادات السبع تعمل بنجاح مميز.
ثالثًا ـ رؤية ستيفن كوفي:
(إن عمل ستيفن كوفي يتوافق بقوة مع اعتقادي بأن كل إنسان وكل مؤسسة لديها الإمكانية للوصول إلى العظمة والحفاظ عليها).
آن ليفرمور، النائب التنفيذي للرئيس، مجموعة الحلول التقنية، إتش بي.
يُعتبر الفكر الأساسي لستيفن كوفي بسيطًا لكنه قوي، فهو يعتقد أن هناك مبادئ أساسية دائمة للحياة الفاعلة، وأن بوسع الناس اختبار النجاح الحقيقي والسعادة الدائمة إذا تعلموا هذه المبادئ ودمجوها في أطباعهم الأساسية.
ويُطلق "كوفي" على هذا التعليم اسم "أخلاق الطباع"، ويجعله يعتمد على القوانين الطبيعية في الأفق الإنساني، وهي القوانين الحقيقية والمتغيرة مثل قوانين الجاذبية في الأفق الفيزيائي، ويرى هذه المقولة "الواقع الموضوعي"؛ ذلك لأن القوانين الطبيعية موجودة في نسيج كل مجتمع متمدين عبر التاريخ، وهي تشكل جذور كل عائلة ومؤسسة بقيت على قيد الوجود وازدهرت.
يعتقد "كوفي" أن بوسع أي شخص أن يحقق الفعالية العالية، عبر تغيير حياته وطريقة معيشته من خلال تبني بعض مبادئ التصرف السهلة، وبغض النظر عن سُلالتك الطبيعية أو ظروف حياتك، فبوسعك أن تصبح إنسانًا أفضل وليس من خلال الصدفة موظفًا ومديرًا أفضل.
ويشدد "كوفي" على عدم وجود حل سريع، ولكن وجود برنامج متواصل للتحسين الذاتي الذي من السهل اتباعه سيؤدي إلى منافع لا تتوقف، بل بالعكس تزداد يومًا بعد يوم، وبالرغم من أن الزاد روحاني فإن المنافع مادية أيضًا، وفوق كل شيء شاملة.
يقول ستيفن كوفي في كتاب العادات السبع للناس الأكثر فاعلية: (بإمكان المصالح التجارية، والمؤسسات بجميع أنواعها ـ بما في ذلك العائلات ـ أن تكون متفاعلة، وباستطاعتها أن تمزج الإبداع والقدرات التفاعلية للأفراد لخلق ثقافة تفاعلية داخل المؤسسات).
رابعًا ـ تحقيق التعاون:
(عندما يختبر الناس التعاون الحقيقي فلن يتركوه أبدًا، وهم يعرفون احتمال الحصول على مثل هذه المغامرات الموسعة في المستقبل).
ستيفن كوفي.
يذكر زميل "كوفي" السيد "بلايين لي" كيف أنه كانت لكوفي مخططات للتأثير على الإدارة في الولايات المتحدة، وذلك عبر تطبيق المبادئ التي زرعت في كتاب "العادات السبع للأشخاص ذوي الفاعلية العالية"، عمل في بادئ الأمر لسنة كمدرب لعدد من مديري "كوفي"، ثم دخل في شراكة مع "كوفي".
وأعطت الشركة الجديدة لكوفي وسيلة ثمينة؛ لأنه كفرد وحيد لم يكن باستطاعته نشر أفكاره أو الحصول على مدخول مالي من الزبائن التجاريين بسعة أكبر، لقد أقام المركز نموًا في الولايات المتحدة، وفي حين أن عمالقة قلائل اتبعوا الاستراتيجيات ذاتها فإن أحدًا لم يلعب اللعبة التجارية بنجاح مثلما فعل "كوفي" الذي قام بالتوسع خارج بلاده، حيث حصلت شركته سنة 1994م على جائزة أفضل شركة دولية.
لقد حقق فرانكلين كويست شهرة موازية لكوفي، عندما أطلق "مخطط فرانكلين اليومي"، وهو من أفضل الوسائل الإدارية التي بيعت في الأسواق، وقد تم إدماج شركة "كوفي" مع شركة كويست في يونيو سنة 1997م.
ومنذ أن أُدرِجت الشركة في سوق البورصة حصل "كوفي" على ثروة طائلة، لكن هذا لا يعني أن الطريق كان مفروشًا بالرياحين، ففي سنة 1999م هبط سعر السهم بمقدار النصف، وقد شرح أحد الخبراء أن الإدارة تواصل المعارك لدمج عمليات الشركتين، وكان من المفروض أن يؤدي التعاون إلى دمج سهل، ومع ذلك فقد حقق "كوفي" ربحه المهم، فرسالته لديها الآن شركة جديدة تساوي عضلاتها ملايين الدولارات.
وأخيرًا نختم بقول فيكتور فرانكل: (لا تهدف إلى تحقيق النجاح، فكلما جعلت النجاح هدفًا لك، أخفقت في تحقيقه، فالنجاح مثل السعادة، لا يمكن أن تلاحقه، إنما يجب أن يأتي هو إليك كنتيجة لما تقوم به … أي يأتي كتأثير جانبي لإخلاصك لهدف أكبر من ذاتك … بعد ذلك ستعيش لترى على المدى البعيد، أن النجاح سيتبعك بدقة؛ لأنك ستكون قد نسيت التفكير فيه).
فهذا ما فعله ستيفن كوفي، وما يجب عليك ـ عزيزي القارئ ـ أن تفعله حتى تكون ناجحًا في الحياة وفي العمل.
أهم المراجع:
1-سلسلة عمالقة الأعمال … ستيفن كوفي، روبرت هللر.
2-العادات السبع للناس الأكثر فعالية، ستيفن ر. كوفي.
3-العادة الثامنة، ستيفن ر. كوفي.
4-اضغط الزر وأنطلق، روبين سبكيولاند.