موضوع: القراءة والتزود المعرفي الثلاثاء نوفمبر 17, 2009 11:27 am
مقدمة
لابد للقراءة والتثقيف أن تكون أشياء مهمة جداً في حياة الأمم, وإلا فما الذي يرمز إليه كون أول ما ينزل على نبينا الأمي -صلى الله عليه وسلم- هو الأمر بالقراءة وللإشارة إلى القلم بوصفه أداة تعليم؟ هو تنبيه المسلم إلى أهمية القراءة والكتابة, ويعني أن افتتاح وجود هذه الأمة وافتتاح العمل في بناء حضارة الإسلام سيكون بتغيير عقول الناس وإعادة تكوين ثقافتهم التي كانت تقوم على التخمين والظن والوهم والمعلومات غير الموثقة ليكون الدليل والبرهان وتمحيص الأخبار والبحث في الأسانيد وأحوال الرواة ..
لإصلاح أي شأن من شئون الأمة لابد أن نعتمد على أساسين مهمين هما:
نشر الثقافة التي تتعلق بالشئ الذي نريد إصلاحه أو تطويره أو التخلص منه وذلك من خلال إجراء الحوارات والنقاشات حولها لإيجاد وعي إجتماعي. سن القوانين وتوفير البيئات والأساليب والأدوات التي تساعد على تحقيق ذلك وجعله واقعاً ملموساً.
هل كان الجيل السابق محباً للقراءة أكثر من الجيل الحاضر؟ لا هذه النظرة غير صحيحة. لأن التعليم قبل مئة سنة لم يكن إلزامياً ولا عاماً فأبناء الأثرياء والأسر المميزة والمثقفين والعلماء هم الذين يقبلون على ما كان متيسراً من العلم وهم من كانوا يسافرون لتلقي العلم خارج الأوطان.
أما معظم الناس فقد كانوا أميين ويعيشون في أوساط يسيطر عليها اليأس والانبهار بالغرب. المكتبات المنزلية كانت محدودة للغاية وهي شبه محصورة في الأسر التي أشرنا عليها.
ظروف اكتساب المعرفة اليوم أفضل بكثير مما كان في الماضي, والذين يقرؤون ويطورون ثقافتهم هم أيضاً أكثر وأفضل استعداداً.
الأسرة هي المسؤولة عن غرس حب القراءة في نفس الطفل معظم الأسر المسلمة غير مؤهلة لتوفير بيئة منزلية تحتفي بالكتاب, لذا أقترح وجود بدائل مساعدة على نشر الثقافة وحب القراءة. منها:
إيجاد تشريعات جديدة لنشر حب القراءة بين الأطفال تشريعات تجعل الدارسة في التمهيدي ابتداء, وفي الروضة من سن أربع سنوات بعد ذلك إلزامية.
إطلاق عدد كبير من المشروعات العملاقة والخاصة بتعليم الأطفال, من أجل تلافي التأثيرات السلبية على الأطفال من قبل أسرهم غير المتعلمة وتلك غير المهتمة بالتعليم.
لنا أن نتعلم من اليهود في فلسطين السليبة درساً في هذا, حيث إنهم وجدوا أن معظم الأسر اليهودية غير مؤهلة لتربية أبنائها تربية عبرية توراتية, فلجأوا إلى رياض الأطفال, وجعلوا سن التعليم الإلزامي من الرابعة, كما فعلوا شيئاً آخر سموه (زوايا اللعب) حيث تم إنشاء الكثير من أماكن الترفيه الصغيرة في الأحياء لها برامج ويقوم علىها مشرفون لنقل القيم والمعاني التي تراها الدولة.
وجود مجلس وطني للقراءة
علينا أن نجعل ثقافة القراءة وحركة الكتاب من الأمور الملموسة للصغار والكبار, وهذا لا يتم إلا إذا قامت كل دولة إسلامية بتشكيل (مجلس وطني للقراءة) يجمع بين جهود الدولة وأرباب المال والمثقفين وكل المهتمين بتثقيف الجيل الجديد. نريد أن نرى في كل حي صغير مكتبة عامة صغيرة مع قاعة لإلقاء الدروس والمحاضرات. نريد من أساتذة الجامعات والمتخصصين أن يؤلفوا كتباً صغيرة وبأسلوب سهل يبسط تخصصاتهم ويقربها من أفهام الناس. نريد من الدول تخصيص ميزانيات سخية لدعم الكتب الجيدة وإنشاء الجوائز الثقافية وإنشاء القنوات الفضائية التي تهتم بالتربية الثقافية. يجب أن نؤمن بعمق أن إعراض أبنائنا عن القراءة يشكل أزمة أخطر من أزمة البطالة وأخطر من وباء المخدرات واتساع نسبة الطلاق, لأن الجهل يشكل الأساس لكل ألوان التخلف وكل أنواع المشكلات.
الارتقاء بالمهن :
إن الارتقاء باحتفاء الناس بالقراءة والمعرفة سيظل مرتبطاً بنوعية الوظائف والأعمال التي يمارسونها. القراءة تحتاج إلى صفاء الذهن وراحة البدن والذين يقضون جل يومهم في أعمال بدنية ومهنية, يأتون في آخر اليوم إلى بيوتهم وهم في حالة إجهاد وهذا يجعل شهيتهم للقراءة شبه معدومة ولكل قاعدة شواذ.
أننا حين نغيّر اتجاه الاستثمار من السياحة والبناء وكل المهن التي تحتاج إلى جهد عضلي كبير إلى تشييد الجامعات والمكتبات ومراكز البحوث فإننا نكون قد حفزنا الناس على أن يتعلموا جيداً, وهذا ما فعلته الأمم المتقدمة حيث أنها تنفق أموالاً ضخمة في المجالات التي تعتمد على الجهد الذهني إلى درجة 40% من وظائف الدولة.
كتبه نواف من كتاب (وجهتي في الحياة) للدكتور عبدالكريم بكار