في الوقت الذي تنتشر فيه العديد من المكتبات بالدول العربية، إلا أن العالم العربي لا يزال يعاني من ندرة القراءة.
هذا ما يذهب إليه الدكتور سعد الزهري، مدير مكتبة وزارة البترول والثروة المعدنية بالسعودية والرئيس السابق للاتحاد العربي للمكتبات، في حديثـــه لـ "الشرق"، خلال زيارته للقاهرة، والذي يتناول فيه الجهات المسؤولة عن تردي مستوى القراءة بالعالم العربي.
ولا يعفي د. الزهري الكتاب أنفسهم من مسؤولية تدهور الإقبال على القراءة، فضلا عن حديثه عن دور المكتبات في دعم الحريات العامة ومنها حريات التعبير
* في تقديرك، ما أبرز التحديات التي تواجه المكتبات العربية؟
- في الواقع، المكتبات تواجه التحدي المالي في الحصول على الحد الأدنى من الميزانيات المخصصة لها، ولذلك فهي تعاني من شح شديد في الموارد المالية، سواء كانت مكتبات مدرسية أو مكتبات عامة، أو مكتبات وطنية أو غيرها.
ولا يمكن بالطبع إغفال التحدي التكنولوجي، والذي لاشك يبدو بارزا وقويا من بين التحديات التي تواجه المكتبات العربية، صحيح أن بعضها حاول الاستفادة منه لكن هناك العديد من المكتبات العربية التي لم تستفد حتى الآن من التحدي السابق، أو أنها لم تتكيف معه إلى الآن، وبجانب ذلك كله، يبقى الدعم السياسي، الذي يرتبط بكل هذه التحديات.
ومن هنا أعتقد أن التحديات التي تواجه المكتبات العربية، يمكن أن تتجسد في العنصر البشري المتخصص في مجال المعلومات، وهذا التحدي لا يقتصر فقط على المكتبات، ولكن على كافة الأعمال الأخرى.
الحريات العامة
* وهل تعتقد أن هذه التحديات، يمكن أن تقف حائلا ضد قيام المكتبات العربية بدورها في دعم الحريات العامة، ومنها حرية التعبير؟
- لا يمكن بالطبع إغفال أن هناك أمورا سياسية واجتماعية وبيئية، يمكن أن تحول دون قيام المكتبات بدورها في دعم الحريات العامة، فالمجتمع اليوم، ليس في مجمله لا يشجع على القراءة. ومن الأهمية بمكان الحديث عن أن التكنولوجيا اجتاحت المكتبات، لكن اليوم هناك تطور أكبر في التكنولوجيا، ما يتطلب من المكتبات العربية، تعريب مثل هذه البرمجيات، وهو ما يضع على المكتبات العربية تحد كبير، لأن هذا الأمر يرتبط بالجوانب المالية.ولاشك أن كل ذلك يؤثر على الحريات العامة، ومنها حريات التعبير، عكس ما هو متاح لهذه المكتبات في الخارج من إمكانيات.
المكتبات العالمية
* وهل لهذا السبب، ينظر كثيرون في العالم العربي إلى المكتبات على أنها موقع فقط لعرض الكتب؟
- هناك نظرة تشريحية من جانب بعض الحكومات في دول العالم المتقدم إلى المكتبات، حيث يتم تهيئة هذه المكتبات بصورة تشريحية وفي هذا الإطار، فإنه يسمح بدخول المشروبات إلى المكتبات، وتناول المأكولات، إلى غير ذلك من الجوانب التي يمكن أن تساهم في استعادة رواد المكتبات مرة أخرى.
وأذكر أنه في العام 2000، أجريت دراسات أمريكية، لبحث أعداد المتقلصين من رواد المكتبات في العالم، وذلك من خلال إقامة ورش عمل، وانتهت هذه الدراسات بنتائج رئيسية منها أن الإنترنت تمكن من غزو الجماهير في بيوتها ولذلك توصلت الدراسات إلى انخفاض نسبة المترددين على المكتبات بنحو 33%، واستعاضتهم عن ذلك بالإنترنت، لرؤيتهم أن ذلك لن يكلفهم الكثير من الجهد والوقت والمال عند ذهابهم إلى المكتبات.
أدوار مهمة
* باعتبارك من المهتمين والمتخصصين في المكتبات العربية هل تعتقد أنها ساهمت في تعزيز الحريات العامة في العالم العربي؟
- أؤكد أن المكتبات العالمية، تدرك بشكل كبير دورها في دعم التسامح وحريات التعبير، فهذه أدوار مهمة تقوم بها المكتبات العالمية، وإن كان المسؤولون في العالم الغربي يدعمون أنفسهم بهذا الدور، وذلك على عكس العالم العربي، الذي يخفي هذا الدور.
ودعني أركز أكثر على العالم العربي، فحقيقة يبدو لي أن المكتبات العربية في عمومها، لم تصل إلى الدور المطلوب منها، فيما يتعلق بالحريات العامة، على الرغم من التطورات التقنية، التي أخذت بها إلى حد ما، وساهمت في قيامها بوظيفتها الأساسية، ومنها البحث عن المصادر المناسبة وإتاحتها لجمهور المستفيدين.
تدني القراءة
* من خلال اهتمامك بالمكتبات وتخصصك فيها، ورئاستك السابقة لاتحادها العربي، هل سبق أن تم إجراء دراسات بحثية لمعرفة أسباب عزوف العالم العربي عن القراءة؟
- من الأهمية بمكان إعداد إستراتيجية كبيرة، بعيدة المدى للعمل على محو الأمية، وتدخل في تنفيذها كافة وزارات التربية والتعليم، وتدخل فيها أيضا المكتبات الوطنية، وكذلك لابد أن يدخل الإعلام في هذا الإطار، لدوره الكبير والمهم في هذا المجال. وبالنسبة لمشاريع القراءة، فمن المهم أن نتحدث عن الأمية التي ينبغي أن نربطها بمؤسسات مختلفة، وإن كان هذا ليس دور المكتبات أن تعالج الأمية، التي ينبغي أن تبذل فيها جهات أخرى دورا لمعالجتها، مع عدم إعفاء المكتبيين من القيام بدور ما في معالجة هذه المشكلة كما أنه لابد من النظر في تطوير آليات الاتحاد، والذي هو جمعية علمية مهنية، تسعى إلى خدمة المكتبات، وجمع المكتبيين تحت مظلة واحدة، ليستفيد منها المنتسبون، بجانب تنظيم المؤتمرات والندوات العلمية لهذا الغرض.وأذكر أننا في الاتحاد قمنا بإنجاز مشروع لإحصاء القوى العربية العاملة في جمع المعلومات، كما كان لدينا مشروع لتدشين مجلة علمية بحثية، وأنجزناه بالفعل.
المدارس
* أين دور المكتبات المدرسية في هذا الإطار؟
- ينبغي أن يكون هناك دور فاعل للمكتبات المدرسية التي ينبغي أن تكون داعمة لمشروعات القراءة، كما أن وزارات التربية التعليم في العالم العربي، لابد أن تكون داعمة للقراءة، باعتبارها من الجهات الرسمية، التي تستطيع الحصول على تمويل لتشجيع القراءة، ومعالجة الأمية.
وفي هذا السياق، من المهم أن يكون للقطاع الخاص دور فيها، ولدينا في السعودية جهد في دعم البرامج لتشجيع القراءة، ومواجهة الأمية، من خلال ما تقوم به مكتبة الملك عبد العزيز العامة، وفي لبنان هناك برامج لدعم القراءة، ومعها مصر والإمارات، وهو ما يتطلب العمل على أن تكون هذه البرامج ضمن إستراتيجية عامة وعلى الرغم من ذلك، فإن هناك متشائمين من حيث أعداد القراء، وذلك لأنهم يلقون باللوم على البيت والأسرة لعدم تشجيعهم على القراءة.
مسؤولية الكتاب
* هناك من يحمل الكتاب والمثقفين أنفسهم مسؤولية عدم الإقبال على القراءة، دون تحميلها للغير، فما تعليقك؟
- لا يمكن إغفال دور الكتاب بالطبع، فعليهم بالفعل دور كبير، كما أن هناك جهات عدة تشترك في الترويج للقراءة، كما ذكرت، ولكن الدور الأكبر يقع على الكتاب ذاتهم، فضلا عما يؤلفونه من منتج ومحتوى، فكتاب "لا تحزن" للداعية السعودي د. عائض القرني، قرأه نحو مليوني قارئ، ولذلك فالكتاب الجيد، تبحث عنه دور النشر، لتروج له.
* المشكلة تكمن في مضمون المادة التي يتم تأليفها، خاصة إذا كانت تحمل انتقادات أو كونها قد تجاوزت السقف الموضوع لها، فما تعليقك؟
- المكتبيون يقفون دائما في موقف صعب في هذا الأمر، لأن مهنتهم تتيح كافة وجهات النظر مع مراعاة العملة الجيدة، وتفضيلها على الرديئة ولذلك نقف كمكتبيين في موقف صعب للغاية، فإذا كانوا هم مؤيدين وداعمين للحرية، المرتبطة بالتعبير والرأي، والتي لا ينبغي أن تكون على حساب الأخلاق والأديان، فهم لا يؤيدون منع الكتب ويقفون ضد المنع، وحتى إعمالا بأن كل ممنوع مرغوب قد يلجأ البعض بالفعل إلى الإثارة المؤقتة، أو الانتشار السريع، ولكننا نتحدث عن الكتاب المتميزين وبالتالي فإن المحتوى الجيد هو الذي يفرض نفسه بعيدا عن أي جانب آخر ودائما الرديء من المحتوى لا يقرأه أحد، ولكن إذا تم منعه، فقد يحظى بإقبال عليه.
مقال مميز عن تدني القراءة من جريدة الشرق