القراءة عملية عقلية إنفعالية دافعية تشمل تفسير الرموز والرسوم التي يتلقاها القارئ عن طريق عينيه , وفهم المعاني , والربط بين الخبرة السابقة وهذه المعاني , والاستنتاج والنقد والحكم والتذوق وحل المشكلات .
والقراءة عملية مركبة تتألف من عمليات متشابكة يقوم بها القارئ , وصولا الى المعنى الذي قصده الكاتب , واستخلاصه , وإعادة تنظيمه , والإفادة منه , والقراءة بهذا المفهوم وسيلة لأكتساب خبرات جديدة تتناغم مع طبيعة العصر التي تتطلب من الإنسان المزيد من المعرفة الحديثة والمتجددة , كما تتطلب تطوير القارئ لقدراته العقلية ولأنماط التفكير ولأنساقه الفكرية وتنمية رصيد الخبرات لدى الفرد .
وسيطرة ا لقارئ على محتوى المادة المقرؤة يتوقف على نوع الأرشاد والتعليم الذي يقدم للقارئ لتمكينه من القراءة بفاعلية.
والقراءة نشاط يتم تعلمه بشكل متسلسل , فالقارئ يوفق بين الأصوات ورموزها , ثم يربط بين مجموعة الكلمات التي يواجهها , ليتمكن من إدراكها وقصده من ذلك التوصل الى حقائق متكاملة .
وهناك شروح وتفسيرات للسلوك القرائي تختلف باختلاف النظر الى عملية القراءة ومفهومها , ومن هذه التفسيرات ما يلي :
1- النظر الى القراءة على انها تفاعل وتأمل بين القارئ والنص المكتوب وانها تسير في مراحل متدرجة ومتداخلة هدفها التوصل الى المعاني التي يتضمنها النص اللغوي , والقارئ في عملية القراءة يمر بالخطوات التالية : النظر باهتمام الى اللغة المكتوبة من خلال عينيه , واعتبار ما يقرؤه مادة ذات مغزى ومعنى بالنسبة له وأنه في حاجة الى معرفة مضامينها , واستثارة خبراته السابقة لتفسير ما يقرأ , ثم تحديد الأفكار الرئيسية في النص وتثبيتها في الذهن , وجمع المعلومات المرتبطة بما يقرأ والتوصل الى نتيجة القراءة , وثم نقد ما توصل إليه وتبيان الرأي فيه .
إن ذاكرة القارئ تظل نشطة أثناء عملية القراءة , حيث تقوم بالتخزين والتزويد المستمرين بصورة تلقائية , كما أن القراءة تعتبر عملية دائرية تبدا بالتركيز على المثير وهو الكلمة , وتنتهي بالحصول على الإستجابة وهو المعنى المرتبط بالكلمة , إن القارئ الجيد يحرك عينيه في قفزات ورجعات عبر السطر المكتوب , حيث يركز عينيه على كلمات مفتاحية تتضمن أهم المعاني في النص , ثم التفاعل مع أشكال الماجة المكتوبة , معتمدا على مفاهيم سابقة حول المقروء , حيث يقع التفاعل بين ما لدى القارئ من خبرات سابقة وبين فكر الكاتب الذي يتمثل في المعاني المتضمنة في المادة المكتوبة , وذلك لتكوين صورة ذهنية واضحة للمقروء .
ولما كانت اللغة تراكيب وأساليب , وبواسطتها تتمكن من التعبير عن فكرة أو خبرة فإن معرفة القارئ بأنظمة بناء الجمل والتراكيب , وإدراكه للعلاقات القائمة بينهما يؤدي الى حصوله على المعاني المتضمنة فيما يقرأ , وهنا يكون القارئ قد حصل على المعاني وقد تم تمحيصها والتثبت على سلامتها , حيث تقوم الذاكرة وهي تعمل بشكل مستمر بخزن هذه المعاني المستخلصة .
2- النظر الى القراءة على انها عملية يتم من خلالها استخلاص المعاني من الرموز المكتوبة وأن حدوث هذه العملية يتطلب تظافر عوامل متكاملة فسيولوجية وعقلية وإنفعالية تتم في صور متكاملة ومتسقة , حيث تستقبل شبكية العين مؤشرات الرموز المكتوبة , وتتحول هذه المؤشرات الى نبضات عصبية تنتقل الى مراكز الدماغ , وتستثير نوعين من الترابطات : الأول خاص بالمعنى والثاني خاص بالمنطق , وتلتقي هذه الترابطات : حيث يتكون في الذهن شئ له معنى وعندما يأخذ القارئ في تأمل المادة المكتوبة , والتفكير فيها , وتحليلها فإنه يتوصل الى فهم شامل للمقروء ولا يتوقف القارئ عند هذا المستوى من الفهم , ولكنه يرتقي الى مستوى اعلى , حيث يبدأ بالتفاعل مع المضامين محاولا نقدها , والتعمق في تفاصيلها , ويستجيب لما فيها من أفكار وحقائق , وغالبا ما يصاحب ذلك استجابات انفعالية تعزز قبول القارئ أو رفضه لهذه الأفكار , وتبدأ عملية التمازج الفكري بين الأفكار الجديدة المكتسبة , والخبرات السابقة حول موضوع القراءة , حيث يجعل هذا التلاحم القارئ قادرا على إستخدام المعلومات المكتسبة وتوظيفها , كما تبدأ ذاكرته في خزنها والاحتفاظ بها في صورة معينة بحيث تصبح المعلومات جزءا لا يتجزا من بنائه المعرفي .
هذا التصور لطبيعة القراءة وكيفية حدوثها يجعل استيعاب المعاني المتضمنة في المادة المكتوبة على ثثلاثة مستويات متدرجة في التعقيد : مستوى الاستيعال السطحي , وينحصر في فخم المعنى الحرفي للرموز التي يدركها القارئ في الوقفة الواحدة , حيث يتم نسج الكلمات مع بعضها البعض , وإدراكها في شكل وحدات متكاملة , ومستوى الآستيعاب الأستنتاجي , ويتم فيه تعرف القارئ على غرض الكاتب , وعلى المعاني الضمنية غير المصرح بها , ثم مستوى الاستيعاب التاقد , وفي هذا المستوى من الأستيعاب يستجسب القارئ للأفكار والمعاني المتضمنة في المقروء , وخاصة الافكار التي تشكل مركز اهتمامه , بعد أن يتم فهمها ليقرر ما اذا كانت مهمة بالنسبة له وتتلائم والمعايير التي يتبناها أم لا , إن القارئ يتجاوز الفهم السطحي ويرتقي الى استخلاص تعميمات جديدة , أو اعادة أفكار الكاتب , وتصبح القراءة قاعدة انطلاق لتوسيع خبرات القارئ .
إن التفسيرين السابقين للكيفية التي تتم بصورة مترابطة ومتكاملة , ولا تحدث في صورة أجزاء , وأن القراءة هدفها الحصول على المعنى من المقروء و الغاية النهائية التي يسعى القارئ الى بلوغها من القراءة , وهما يؤكدان على أن القراء يستخدمون خبراتهم السابقة اثناء القراءة , وأنهم يقومون بأنماط من التنبؤات تساعدهم على فهم المضامين فيما يقرءون , كما يؤكدان على العلاقة القائمة بين اللغة والنشاط القرائي في عملية القراءة , وأن الاحساس باللغة جزء مكمل للقراءة .
3- تفسر القراءة هنا على أساس أن المعنى الذي يسعى إليه القارئ موجود في المادة المكتوبة و وأن دوره في عملية القراءة تبدأ من اللحظة الأولى التي تقع فيها عين القارئ علىى السطور , حيث تتشكل للرموز الخطية صورة واضحة على شبكية عينية ثم يقوم بإدراكها , ثم فحصها وتحويلها الى معان تودعها الذاكرة في الذهن , ويحدث هذا وفق نظام معين غير مرئي حيث يتعامل القارئ مع الحروف , ثم مع الاصوات , ثم مع الكلمات في صورة متدرجة .
ومعنى ذلك أن نقل المعلومات في عملية القراءة يخضع لمجموعة اعتبارات , اهمها أن المعنى المستهدف يكمن في السياق المكتوب , وان القراءة عبارة عن عملية نقل المعاني من الرموز المكتوبة الى العقل , وأن نجاح القراءة يتوقف على اتقان القارئ لمهارات القراءة الرئيسية , فالقارئ الجيد ينقل معلومات أكثر من القارئ الضعيف , وأن معيار الحكم على نجاح القراءة هو مقدار المعلومات المنقولة من المقروء , كما أن علاقة القارئ بالكاتب علاقة أحادية الاتجاه , وتقتصر على استنباط المعاني المودعة في النص .
ولعله من الصعب قبول هذا التفسير لعملية القراءة من حيث أنه يقصر دور القارئ على نقل المعاني , حيث أن القارئ الجيد لا يتوقف عند حد الوصول الى المعاني , وإنما يتوقع منه ان يقوم بتحليلها ونقدها , وبذلك يسهم بصورة أو بأخرى في تطوير رسالة الكاتب , وهكذا فإن الوضع الطبيعي للقارئ في عملية القراءة أن بكون منتجا لا متلقيا فقط .
4- فهم عملية القراءة في هذا التفسير هو أن المعاني تكمن في السياق اللغوي (المادة المكتوبة) , وفي السياق العقلي للقارئ (خبراته وأساليب تفكيره) معا , وان الحصول على المعاني من المقروء يتم نتيجة تفاعل غير المرئي بين هذين السياقين , والقارئ في هذا النموذج هو الذي يكون المعاني ويولدها وإن القراءة هي مفتاح لعمليات عقلية تالية يقوم لها القارئ كالتصنيف , والتحليل , والنقد والتنبؤ .
وهذا التفسير لعملية القراءة يؤكد على عدة اعتبارات أهمها أن المعنى المستهدف يكمن في السياق المكتوب والسياق العقلي للقارئ معا , وان القراءة عملية تفاعل بين خبرات القارئ والمعاني المودعة في النص , وان نجاح عملية القراءة يتوقف مدى اتقان القارئ لمهارات القراءة ومعرفته بأساليب تنظيم المعلومات في المادة المكتوبة , كما أن القارئ الجيد يختلف عن القارئ الضعيف في طريقة التفاعل مع النص .
أن تفسير القراءة على مبدا التفاعل يفترض أن القراءة لا تتم بالصورة وبالسرعة المناسبة التي تتيح فحص ودراسة كل حرف في المقرؤ , ولذا من الصعب أن يستفيد القارئ من جميع الافكار والمعاني الجزئية المتضمنة , أضف الى ذلك أن مدى الاستفادة تحدده عوامل ومتغيرات كثيرة يتصل بعضها بشخصية القارئ وتكوينه , ويتصل بعضها الآخر بالغرض من القراءة .
5- عملية القراءة هي العملية التي يتم خلالها إعاجة بناء النص بصورة فكرية من خلال التواصل الفكري والوجداني والثقافي بين القارئ وكاتب النص فهي عملية تفكيرية هدفها الخلق والأبداع .
إن هذا التفسير لعملية القراءة يركز على مجموعة من الاعتبارات اهمها أن المعنى يكمن في ا لسياق العقلي للقارئ والسياق اللغوي للكاتب والسياق الاجتماعي والثقافي , وأن الحصول عليه يتطلب من القارئ صهر معرفته بمعرفة الكاتب , وبالسياق الثقافي والاجتماعي في صورة متكاملة , وأن العلاقة بين القارئ والكاتب ليست علاقة خطية كما هي في النماذج السابقة , وإنما هي علاقة دائرية غالبا ما تسفر عن توليد نص جديد , كما ان عملية القراءة هي عملية تفسير ومعالجة للمعاني الواردة في المقروء , وتختلف من قارئ لآخر , وغن مفتاح النجاح في القراءة يكمن في مدى امتلاك القارئ للثقافة التي تمكنه من التعامل بوعي متفتح ورؤية واسعة المحتوى , كي يتمكن من تصنيع المعاني المتوافرة في النص , وإخراجها في وضعيات جديدة متميزة , كما أن القارئ الجيد هو الذي يتمكن من إستخدام المادة المطبوعة في توسيع مداركه ونظرته الى العالم .
د. حسن شحاته