[size=21]الــــــــــــــــوداع الشيخ الدكتور ناصر الزهراني
ما أشق هذه الكلمة على النفوس، وما أشد حرارتها في الأفئدة، إنها الساعة التي تفترق فيها القلوب المتحابة وينقطع معها حبل الوصل، وأيام الأنس وليالي الألفة . ساعة الوداع هي الساعة التي لا تُنسى، واللوعة ُ التي لا تَبلى، والحرقة التي لا تبرد، نارٌ تُلهب الأحشاء، ودموعٌ تُحرق الوجنات، وعيونٌ تنثر العبرات .
تبدَّت لنا مذعورة من خبائها وناظرها باللؤلؤ الرطب لا معُ أشارت بأطراف البنان وَوَدَّعتْ وأومتْ بعينيها متى أنت راجعُ ؟ فقلت لها والله ما من مسافرٍ يسير ويدري ما به اللهُ صانعُ فشالت نقاب الحسن من فوق وجهها فسالت من الطرف الكحيل المدامعُ وقالت إلهي كن عليه خليفة ً فياربِّ ما خابتْ لديك الودائعُ
ساعة الوداع أمضى من السيف حسماً، وأوقع من الحُمّى ألما ً، إنها مُفرقة الأصحاب، ومبعثرة الأحباب، فيها تسخو الدموع، وتجود الجفون .
أوَدِّعكم والنفس بعد مَشُوقة ٌ وقلبي من حرِّ الجوى يَتَقَطَّعُ
ساعة الوداع بكى فيها الشجعان، وضعف أمامها الأقوياء، وانهار لهولها الأشداء .
مَدَدتُّ إلى التوديع كفاً ضعيفة وأخرى على الرمضاء فوق فؤادي فلا كان هذا آخر العهد منكمو ولا كان ذا التوديع آخر زادي
قل لي بالله عليك بمن يودعها بعد أن عَمر بها قلبه، وأنِسَ وهو يناجي ربه، ولكن نسأل الله أن يعيدك إليها أعواماً مديدة وأزمنة عديدة على طاعة الله وفي رضى الله، ومن كُتِب عليه أن لن يراها بعد اليوم فنسأل الله أن يجعل خاتمته إلى الجنة في جنات ونهر في مقعد صدق ٍعند مليك مقتدر.
يا راحلا ً وجميل الصبر يتبعه هل من سبيل إلى لقياك يتفقُ ما أنصفتك دموعي وهي دامية ٌ ولا وفى لك قلبي وهو يحترقُ
قال أحد الشعراء يصف اللحظات الأخيرة في الحج ويصف الأنس والسرور الذي يملأ قلب الإنسان بعد أن أدَّى طاعته، ثم ركب راحلته، ووجّه مسيرته إلى أهله وأبناء عشيرته :
ولما قضينا من منىً كل حاجةٍ ومسح بالأركان من هو ماسح وسارت على دُهْم المهاري رحالنا ولم يعرف الغادي الذي هو رائحُ أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا وسالت بأعناق المطيِّ الأباطح [/size]