إن الانقطاع الذي يهاجمنا أثناء تنفيذ مشاريعنا سببه – في الغالب - الحماس المفرط في البداية
لاستعجال المحصلة مما ينتج عنه التوقف وعدم الاستمرار , وفي اعتقادي أن ذلك نزعة بشرية طبيعية
كما في قول البارئ سبحانه : (وخلق الإنسان عجولا ) , و إن الفطن هو من يستطيع التعامل بحنكة مع
ذلك القصور الإنساني , يقول الدكتور روبرت شولر : " ابدأ صغيرا ولكن فكر على مستوى كبير " .
يشبه علماء الإدارة كيفية تحقيق الأهداف الكبيرة بمن يريد أن يأكل فيلا , إذ ليس أمامه من حل إلا أن يأكله لقمة لقمة .
و حينما نغوص في سير العظماء وأولهم محمد – صلى الله عليه وسلم – نستنتج أن مشاريعهم
النهضوية كانت ممنهجة وبدأت ببدايات بسيطة جدا لكنها مستمرة , يقول الدكتور عبدالكريم بكار في
كتابه ( وجهتي في الحياة ) :" أنا قبل كل شيء رجل اجتماعي , أحب لقاء الناس والتحدث إليهم ,
وأحب مجالس أهل العلم وكل أولئك المهتمين بشأن الأمة , وأعد اللقاء بالأصدقاء القدامى شيئا فريدا
في نكهته وصداه , وهذا يأخذ جزءا لا بأس به من وقتي حتى أنني أذكر أن أحد الأخوة الكرام قال لي
كلاما معناه : إنك تحضر في كل مناسبة وأراك في كل محفل فمتى تقرأ وتكتب على هذا النحو الغزير
؟!! , والجواب يكمن أولا في الشعور بالشكر العميق لله وثانيا في أنني قطعت عهدا على نفسي منذ 15
عاما بأن أقرأ كل يوم ساعات محددة ((( ليست بالكثيرة ))) , وقد التزمت بذلك التزاما صارما مدة
طويلة , وكنت لا أخل بذلك الإلتزام إلا إذا كنت في حالة السفر أو المرض , أما في غيرهما فقد كنت إذا
فاتني شيء مما التزمت به أعوض عنه في اليوم التالي أو الذي بعده " .
ويضيف : " إن الاستمرار بتنفيذ ما التزمنا به مدة طويلة يجعلنا نحصل – بمعونة الله – على نتائج
مذهلة كثيرا ما تكون أعظم مما نتوقع , وهذا يذكرنا بقوله – صلى الله عليه وسلم – : ( وكان أحب
العمل إليه ما داوم عليه صاحبه ) , وما وصف به – صلى الله عليه وسلم – من أن عمله كان ديمة ,
أي مستمرا ودائماً "
إن التمرحل في الإنجاز مع الاستمرار القليل الدائم يعد من أعظم قسمات المؤثرين .