إن الأحرف ترتعد إجلالا عندما تدعى لتجتمع مكونة كلمات يوصف بها المفكر الاجتماعي الجزائري
مالك بن نبي - رحمه الله - , يقول عنه الدكتور محمد العبدة :" إن مالك بن نبي مفكر عميق الغور ,
غواص في البحث والتنقيب , والحديث عنه متشعب ذو أبعاد ..." , ولد – رحمه الله - عام 1905م
حينما كانت بلاده محتلة , وتوفي عام 1973م .
ففي كتابه ( شروط النهضة) بدأ بكتابة هذه الكلمات التي تنطلق من قلبه إلى قادة النهضة , لم أجد
لنفسي عذرا في أن تبقى حبيسة الكتاب دون أنقلها حرفيا إلى كل من يحمل في قلبه وعقله طموحا
شامخا وهمة ساطعة . يقول :
" لقد حانت الساعة التي ينساب فيها شعاع الفجر الشاحب بين نجوم الشرق......
وكل من سيستيقظ بدأ يتحرك وينتفض في خدر النوم وملابسه الرثة....
ستشرق شمس المثالية على كفاحك الذي استأنفته هنالك في السهل ، حيث المدينة التي نامت منذ أمس
ما زالت مخدره.....
ستحمل إشاعات الصباح الجديد ظل جهدك المبارك ، في السهل الذي تبذر فيه ، بعيدا عن خطواتك......
وسيحمل النسيم الذي يمر الآن البذور التي تنثرها يداك بعيدا عن ظلك ....
ابذر يا أخي الزراع من أجل أن تذهب بعيدا عن حقلك في الخطوط التي تتناءى عنك في عمق
المستقبل ......
ها هي الأصوات تهتف ...
تلك الأصوات التي أيقظتها خطواتك في المدينة وأنت منقلب إلى كفاحك الصباحي ...
وهؤلاء الذين استيقظوا بدورهم سيلتئم شملهم معك بعد حين ....
غن يا أخي الزراع لكي تهدي بصوتك هذه الخطوات التي جاءت في عتمة الفجر نحو الخط الذي يأتي
من بعيد .....
وليدو غناؤك البهيج كما دوى من قبل غناء الأنبياء في فجر آخر في الساعات التي ولدت فيها
الحضارات .....
وليملأ غناؤك أسماع الدنيا أعنف وأقوى من هذه الجوقات الصاخبة التي قامت هنالك ......
ها هم أولاء ينصبون الآن على باب المدينة التي تستيقظ السوق وملاهيه لكي يميلوا هؤلاء الذين
جاؤوا على إثرك ويلهوهم عن ندائك .....
وها هم أولاء قد أقاموا المسارح والمنابر للمهرجين والبهلوانات لكي تغطي الضجة على نبرات
صوتك ....
وها هم ألاء قد أشعلوا المصابيح الكاذبة لكي يحجبوا ضوء النهار ولكي يطمسوا بالظلام شبحك في
السهل الذي أنت ذاهب إليه .....
وها هم أولاء قد جملوا الأصنام ليلحقوا الهوان بالفكرة ....
ولكن شمس المثالية ستتابع سيرها دون تراجع ....
وستعلن قريبا انتصار الفكرة وانهيار الأصنام كما حدث يوم تحطم هبل في الكعبة ..... "