حين نتأمل القوانين الإلهية سنجد أن ما من إنسان ترتفع همته إلا وتزداد متاعبه , فحياته متقلبة
لا ثبات لها , يقول الدكتور علي الحمادي :" إذا نظرنا إلى حقيقة الطبيعة نلاحظ أن الشمس لا
تشرق بشكل دائم والرياح لا تهب في كل الأوقات كما أن الأزهار ليست دائمة التفتح , والطيور لا
تغرد على الدوام , والسماء أيضا لا تنزل المطر كل يوم , إذن فلماذا نريد أن تكون حياتنا أمرا مختلفا
؟! ".
إن كثيرا من الشباب ينظر إلى المؤثرين في الأمة بعين التمني للوصول لما وصلوا إليه دون أن
تستجدي ذاكرته تلك الأيام العصيبة التي عاشوها وتألموا من غلوائها , فهم بذلك يركزون على
النتائج دون أسبابها .
إن بروز المشاكل في دنيا الطامحين جزء من التكوين الطبيعي للحياة , ولا اعتقد أن هنالك من لا
يدرك هذا الأمر جيدا , لكن التفاوت البشري يكون في القدرة على التعامل معها , وهذا هو الفارق
بين الناجحين وغيرهم , إن الذي يتطلع للسؤدد و لا يحسن التعامل مع ضريبته فسوف يعاني من
فوضى شعورية ونفسية , وسيصاب ببعثرة في رؤيته للحياة فلا يبقى للاستمتاع وجود وللراحة
مأوى وأغلب هؤلاء ممن سوف يتراجع إلى الدعة والإضمحلال , إن المشاكل هي التي تصنع المرء
وتنضجه , فلولا النار لما تحول العجين خبزا , يقول سكوت بيك :" إن المشاكل ستجمع شجاعة
الفرد وحكمته " .
ويقول ريتشارد باتش :" إن كل مشكلة في حياتك تحمل في داخلها هدية " وقد كان المستشار
كليمينت ستوني يقول لمن يأتيه :" ألديك مشكلة ؟! هذا عظيم !! " .
لاريب أننا لا نتطلع إلى تجميع ألوان البؤس والشقاء وتكدير لحظات النقاء لكن هذا عنصر من
التركيب الطبيعي للوجود لأن حياتنا حين تأخذ طابعا ميسرا فإن ذلك مدعاة للتحلل الذاتي , لكن
حينما تعترضنا المشكلات فإنها سوف تفرز فينا خلايا مناعية ضد الانحلال والتقهقر .
إن المصائب تحمل في رحمها أجنة إنفراجها , والظلمة تحمل في أحشائها انبلاج نور الفجر
الساطع , وإننا لو مكثنا في يسر دائم لما أحسسنا بلذة للحياة , حتى أن استمتاعنا بالقمر
منتصف الشهر لم يكن ليتحقق لو لم يكون محاقا في إحدى مراحله .
إن هنالك علاقة طردية بين طموح الإنسان وبين المتاعب والمصائب, وإن الناجح كلما أراد الصعود فلا
بد أن يشعر بضيق في التنفس .