منذ احتلال القدس الشريف عام 1967 والصهاينة يحاولون بكل ما لديهم من قوة إصباغ المدينة بالصبغة اليهودية الخالصة وطمس كل ما بها من معالم الحضارة الإسلامية ولا يخفون بل يعلنون أنهم يريدون هدم الأقصى الشريف من أجل إقامة هيكل سليمان المزعوم.
والسؤال اليوم هل يمكن الله الصهاينة من هدم الأقصى؟
البعض يقول أن هذا غير ممكن فالأقصى أول القبلتين ومكانته عظيمة فلا يمكن أن يهدم كما لم يستطع أبرهة من قبل أن يهدم الكعبة، كما أن النبي أخبرنا عن الفتن التي ستحدث في آخر الزمان ولم يذكر منها هدم الأقصى وفى الحقيقة هذا أمر شائع بين عدد كبير من المسلمين ففي كل مناسبة يقولون (للأقصى رب يحميه ).
نعم ! ليس هناك خبر أو أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم عن هدم الأقصى ولكن هذا ليس معناه أنه لن يقع، فليس معنى عدم وجود نص أنه حتما لن يحدث الأمر، فكثير من الأمور التي تحدث والتي حدثت من قبل لم يرد بشأنها نص حتى ولو كان ضعيفا.
إن الكعبة قد هدمت من قبل على يد الحجاج بن يوسف الثقفي حينما ضربها بالمنجنيق محاولة منه للقضاء على عبد الله ابن الزبير رضي الله عنهما، ووجدت أيضا أن القرامطة قد قاموا بسرقة الحجر الأسود سنة 293 هـ، وبقي الحجر الأسود عند القرامطة مدة اثنتين وعشرين سنة، وليس هذا فحسب بل في صحيح البخاري حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيه: ( يُخَرِّبُ الْكَعْبَةَ ذُو السُّوَيْقَتَيْنِ مِنْ الْحَبَشَةِ )، بينما روى الإمام أحمد في مسنده (يُخَرِّبُ الْكَعْبَةَ ذُو السُّوَيْقَتَيْنِ مِنْ الْحَبَشَةِ وَيَسْلُبُهَا حِلْيَتَهَا وَيُجَرِّدُهَا مِنْ كِسْوَتِهَا وَلَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ أُصَيْلِعَ أُفَيْدِعَ يَضْرِبُ عَلَيْهَا بِمِسْحَاتِهِ وَمِعْوَلِهِ)، وبهذا يتبين لنا أن الكعبة – بيت الله الحرام – ستهدم وستخرب وأن الذي يخربها واحد من الحبشة – أثيوبيا حاليا – فإذا كان البيت الحرام سيهدم فماذا عن المسجد الأقصى وهو أقل منزلة من المسجد الحرام؟
يقول الدكتور عبد العزيز كامل
ليس بين أيدينا نص معصوم يدل على أن هدم المسجد الأقصى ممتنع قدراً؟ وليس شرطاً أن ترد أحاديث الفتن بكل ما يقع منها فكثير من الحوادث الجسام وقعت دون أن تذكر في آية أو ترد في حديث وبعضها أخبر عنه النبي – صلى الله عليه وسلم - ولكن حَفِظَ ذلك من حفظه ونَسِيَهُ من نَسِيَه. )
وهنا يكون السؤال لماذا حمى الله البيت الحرام من قبل حينما أتى أبرهة الحبشي ليهدمه بينما لم يحمه عندما هدمه الحجاج أو سرق القرامطة الحجر الأسود أو لن يحميه عندما سيخربه ذلك الحبشي ؟
ويمكن الجواب على ذلك بأنَّه عندما جاء أبرهة الحبشي إلى الكعبة ليهدمها، لم يكن هناك من هو مكلف شرعيا بالدفاع عن الكعبة، فالعرب كانوا يقدسون الكعبة لأنها بيت بناه جدهم إبراهيم وبمعاونة جدهم إسماعيل عليهما السلام، ولكن بعد مجيء الإسلام أصبح هناك من هو مكلف بالدفاع عن البيت الحرام وبذل كل شيء في سبيل حمايته، وهناك من سيحاسب على تفريطه وتقصيره في الدفاع عن البيت الحرام.
ونخلص من هذا أنَّ المسجد الأقصى إن لم يقم أهل الإسلام بالدفاع عنه، فإنَّه لا غرابة أن نستيقظ يوماً ونرى إخوان القردة والخنازير قد قاموا بهدمه، ولقد كتب القائد الشهيد عبد العزيز الرنتيسي – نحسبه كذلك ولا نزكيه على الله – كتب مقالا بعد استشهاد الشيخ أحمد ياسين رحمه الله تعالى قال فيه: ( إني أتوقع أن يمكن الله الصهاينة من هدم المسجد الأقصى كما مكنهم من اغتيال الشيخ ياسين ) فرحم الله الشيخين.
فالأقصى أيضا شأنه شأن البيت الحرام في إمكانية هدمه، فقد يتمكن اليهود والعياذ بالله من هدم الأقصى، ولم لا فقد حرقوه من قبل في عام 1969م والأقصى اليوم يعيش على عدد كبير من الأنفاق والحفريات، فهو اليوم لا أساس له في الأرض يثبته.
وأما الاحتجاج بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه: (أَنْذَرْتُكُمْ فِتْنَةَ الدَّجَّالِ فَلَيْسَ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَنْذَرَهُ قَوْمَهُ أَوْ أُمَّتَهُ وَإِنَّهُ آدَمُ جَعْدٌ أَعْوَرُ عَيْنِهِ الْيُسْرَى وَإِنَّهُ يُمْطِرُ وَلَا يُنْبِتُ الشَّجَرَةَ وَإِنَّهُ يُسَلَّطُ عَلَى نَفْسٍ فَيَقْتُلُهَا ثُمَّ يُحْيِيهَا وَلَا يُسَلَّطُ عَلَى غَيْرِهَا وَإِنَّهُ مَعَهُ جَنَّةٌ وَنَارٌ وَنَهْرٌ وَمَاءٌ وَجَبَلُ خُبْزٍ وَإِنَّ جَنَّتَهُ نَارٌ وَنَارَهُ جَنَّةٌ وَإِنَّهُ يَلْبَثُ فِيكُمْ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا يَرِدُ فِيهَا كُلَّ مَنْهَلٍ إِلَّا أَرْبَعَ مَسَاجِدَ مَسْجِدَ الْحَرَامِ وَمَسْجِدَ الْمَدِينَةِ وَالطُّورِ وَمَسْجِدَ الْأَقْصَى وَإِنْ شَكَلَ عَلَيْكُمْ أَوْ شُبِّهَ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَيْسَ بِأَعْوَرَ ) فهو احتجاج غير صحيح لأنه قد يهدم المسجد ويبنى مرة أخرى أو قد يكون المقصود بالمسجد هنا مكان المسجد لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما صلى بالأنبياء في المسجد لم يكن هناك بناء بل كان عبارة عن فضاء، وإنما بني المسجد في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
إن الأقصى رغم منزلته العظيمة ومكانته السامية الرفيعة إلا أنه ليس أعظم منزلة ومكانة من المسجد الحرام، والمسجد الحرام حرمته ليست أعظم من حرمة دم المسلم وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع ( أَلَا إِنَّ أَحْرَمَ الْأَيَّامِ يَوْمُكُمْ هَذَا أَلَا وَإِنَّ أَحْرَمَ الشُّهُورِ شَهْرُكُمْ هَذَا أَلَا وَإِنَّ أَحْرَمَ الْبَلَدِ بَلَدُكُمْ هَذَا أَلَا وَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا)، وروى عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: ( رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ وَيَقُولُ مَا أَطْيَبَكِ وَأَطْيَبَ رِيحَكِ مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَحُرْمَةُ الْمُؤْمِنِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ حُرْمَةً مِنْكِ مَالِهِ وَدَمِهِ وَأَنْ نَظُنَّ بِهِ إِلَّا خَيْرًا ).
فإذا كانت حرمة دم المسلم أعظم عند الله تعالى من حرمة بيت الله الحرام فبكل تأكيد حرمة دم المسلم أعظم عند الله من المسجد الأقصى رغم منزلته العظيمة السامية ومكانته الرفيعة عند الأمة الإسلامية.
إن المسلمين اليوم في بكل بقعة من بقاع العالم يقعون تحت سيطرة قوى الاستكبار العالمي والطغيان الدولي، فها هي فلسطين قابعة تحت الاحتلال الصهيوني الغاشم الذي يقتل المسلمين بلا رحمة ولا شفقة، لا يفرق بين طفل وشيخ ولا بين رجل وامرأة الكل عنده سواء وجريمته أنه فلسطيني مسلم، وها هي قوات البغي والطغيان الأمريكي قد دمرت العراق ذلك البلد العامر الذي كان في يوم من الأيام وظل لمدة قرون عاصمة الخلافة الإسلامية، بل رأينا كلنا وشاهدنا كيف أن ذلك العدو الأمريكي فعل ما لا يطاق من الجرائم بأهلنا هناك من قتل وأسر وتوج ذلك كله بعمليات الاغتصاب لأخواتنا الشريفات في العراق.
أليس كل هذا أعظم عند الله من المسجد الأقصى؟
أليس كل هذا حرى بأن تنتفض الأمة؟
المركز الفلسطيني للإعلام