المدرسة و تأثير الأستاذة:
أولا: تأثير المعلمين المثقفين ثقافة عربية إسلامية:
1/ الشيخ عبد المجيد: و هو مدرس في معهد تكوين المعلمين، حيث تلقى مالك بن نبي عنه دروساً في قواعد اللغة العربية ،والنحو والصرف وقسطا من الشعر، وبالإضافة إلى هذا فقد كان لآراء الشيخ عبد المجيد في المجتمع وانتقاداته للبدع، و كراهيتة لتصرفات الإدارة الفرنسية و تهجمه على تجاوزاتها1 الأثر البالغ في مالك بن نبي الذي أعترف قائلاً:" و سرعان ما أدركنا عداءه لبعض التقاليد السائدة في المجتمع الإسلامي كالطرق الصوفية و كراهيته لتجاوزات الإدارة الفرنسية ... وقد أذكى ذلك في نفوسنا تاييداً و حماسة".2
2/ الشيخ مولود بن موهوب: و هو مفتي مدينة قسنطينة الذي تتلمذ على يد الشيخ عبد القادر المجاوي3. و هو استاذ التوحيد و السيرة النبوية الشريفة في معهد تكوين المعلمين. غرس في قلب مالك بن نبي و زملائه في الدراسة حب الحركة الإسلامية و جذبهم إلى خطها.
3/ الشيخ بن العابد: و هو أستاذ الشريعة الإسلامية بالمعهد المذكور آنفا، و على الرغم من أنه لم يؤثر في فكر مالك بن نبي و شخصيته تأثيراً مباشراً و بليغاً، فقد مكنته دروسه في الفقه من اجتناب الوقوع في متاهات الفكر الغربي،لقد كانت محاضرات الشيخ بن العابد في الشريعة الإسلامية كما يقر مالك بن نبي "مذكراً قوياً يعود بروحي إلى الطريق الصحيح4."
ثانيا: تأثير المعلمين المثقفين ثقافة فرنسية غربية:
1/ المعلمة بويل: عندما بلغ مالك السن السادس من عمره دخل المدرسة الفرنسية في تبسة فتأثر بمعلمته السيدة بويل التي تختلف عن الكثير من المعلمين الاستعماريين، لما تحمله من حب للإنسان مهما كان عرقه أو دينه، و كانت تطلب من تلاميذ القسم و منهم الأوربيون اتخاذ مالك بن نبي كنموذج يقتدى به في الإجتهاد و المواظبة و النظافة و السلوك القويم، و هذه المعلمة تركت في نفسه أثرا حسناً و لم ينساها حتى في كبره و هذا ما يرويه لنا مالك عن ذلك: "و لكن الشيء الذي لم يزل عالقاً بذاكرتي إلى اليوم هو ما شعرت به تجاه المدام (بويل) .... و على أيه حال استيقظت ذات يوم، و أنا أشعر تجاه (مداد بويل) بحب لا ينقص... عن حبي لأمي، و مما يزيد في غرابة الأمر شعرت أن السيدة استجابت تماما إلى إنطلاقة قلب هذا الطفل، و مهما يكن رأيت منذ تلك اللحظة دروسي تأخذ السير الممدوح"5
1 يوسف حسين، المرجع السابق ، ص37
2 مالك بن نبي، (الطفل)، ص 48
3Abdellatif ABADA, ****es choisis de la pensée de Malek Benabi, Algérie : ALEM EL AFKAR, 2003 , p10
4 يوسف حسين ، المرجع السابق ، ص38 ص-39
5 مالك بن نبي، ص27
2/ المعلم الفرنسي (مسيو مارتان Mr MARTIN): المدرس بمدرسة سيدي الجلي بقسنطينة كان له الآثر البالغ في امتلاك مالك لزمام اللغة الفرنسية، و في شغفه بالمطالعة، و حسب شهادة مالك بن نبي: "لقد طبع في نفسي هذا الأستاذ تذوق القراءة، ففي مساء كل سبت كان يعير الكتب للتلاميذ ..."1
3/ المعلم الفرنسي (بوبريتي BOBREITER): مدرس تاريخ العصور القديمة و الأدب الفرنسي بمدرسة "سيدي الجلى" بقسنطينة، كان له هو الأخر دور كبير في ارشاد مالك إلى الكتب التي ينبغي أن يطالعها، و بالفعل فقد كان يعيره بعض المجالات تشجيعاً له على التقدم الذي أحرزه معه في الدراسة مثل: مجلة "الأخبار الأدبية Nouvelle Littérature" و مجلة "كونفيرانسيا Conferancia" و يقر مالك بن نبي بهذا فيعلن : "و من جهتي أنا فقذ كان الأستاذ بوبريتي قد فتح لي آفاقا جديدة، و لم يكن ذلك بدروسه المقررة علينا كالتاريخ الأزمنة القديمة و الأدب الفرنسي -,إن تكن هذه قد تركت آثرا لاينكر- إنماُ بفضل توجيهاته فيما نقرأ من كتب".
و لعل الأمر الذي يمكن استخلاصه أن مالك بن نبي نهل من ثقافتين مختلفتين عرف كيف يستفيد منهما معا، فالثقافة العربية الإسلامية غرست فيه روح الأصالة إلى الأبد" وقد أستطاعت الدروس ذاتها خاصة مع أستاتذاتها العرب أن تنمي فينا هذه الروح و تغذيها". أما الثقافة الفرنسية فقد أكسبته روح المعاصرة، و ذلك لأنهم كانوا "يصبون في نفوسنا محتوى ديكارتيا يبدد ذلك الضباب الذي نمت فيه العقلية الميثولوجية التي تتعاطف مع الخرافات النامية في الجزائر"2
1 يوسف حسين، المرجع السابق ، ص39
2 نفسه، ص ص 40-41
- المؤثرات الثقافية:
- القراءات العربية و الغربية:
يعلمنا مالك بن نبي بأن قراءاته المتنوعة بالعربية و الفرنسية قد أكسبته عدداً لابأس به من المؤثرات المواجهة و المعدلة أو المحركة.
1- المؤثرات من القراءات العربية:
طالع مالك بن نبي (رسالة التوحيد) للإمام محمد عبده (1849 – 1905م) و كتاب (الافلاس المعنوي للسياسة، (الغربية في الشرق)، للكاتب تركي أحمد رضا و كان لهذان الكاتبان أثرهما البالغ في تحديد الإتجاه الفكري لمالك1 و في هذا يقول: " هذان المؤلفان أثرا على ما أعتقد في أبناء جيلي من المدرسين، أنا مدين لهما على كل حال بذلك التحول في فكري منذ تلك الفترة، لقد رسم كتاب أحمد رضا مزودا بالشواهد الكثيرة بهاء المجتمع الإسلامي في ذروة حضارته، و كان ذلك معياراً صحيحاً نقيس به بؤسه الإجتماعي في العصر الحاضر. أما كتاب محمد عبده وهنا اتخذت عن المقدمة الهامة المترجمة حول عن الفكر الإسلامي عبر العصور فقد أعطاني مستندا للحكم على فقره المحزن اليوم"2
و كان لكتاب (أم القرى) للمصلح عبد الرحمن الكواكبي (1849-1902م) أثره هو الأخر على فكر مالك بن نبي و نفسيته، يقول بن نبي: " لقد كشف لي هذا الكتاب أم القرى إسلاما كان ينتظم حقا و يسعى للنهضة"3
وقرأ في التاريخ الإسلامي (مروج الذهب) و (معادن الجوهر) للمؤرخ المسعودي و كتابي (النظريات و العبرات) للمنفلوطي و كتاب (الصراع) للاجئ سعودي إلى القاهرة تناول في مقدمته "بإسهاب و براعة نادرة دور القيم اليهودية في صياغة العالم العصري"4
كما تأثر بكتابات ابن خلدون، و خصوصاً في نظرية عن الدورة الحضارية التي كانت أفكاره بعد ذلك تطويراً لها. فقرأ مقدمته (1332هـ - 1406م) و صارت مرجعاً له في معظم كتبه، و أصبح ابن خلدون أستاذه الأول و ملهمه الأكبر5.
في نظر ... من الباحثين إلى حد اعتباره و بمثابة أبن خلدون العصر الحديث, و مالك نفسه لا يحفي تأثره بفكر إبن خلدون و نظراياته حول العمران البشري. بل أشار إلى ذلك في مواضيع شيء من كتبه. كما ذكر في مذكرات حياته "شاهد القرن".
و هكذا خطر مالك و كأنه حدى لعلم إبن خلدون يهمس في وعي الأمة بلغة القرن العشرين, فأظهر أمراض الأمة وصف أسباب نهضة المجتمعات و وضع الإستعمار تحت ... فحلل نفسيته, ورصد أساليب الخبيثة في السيطرة على الأمم المتصغفة و خاصة المسلمين, ووضع لهم معادلات و قوانين "الإقلاع الحضاري".
1 مالك بن نبي، (الطالب)، ص114
2 يوسف حسين، المرجع السابق، ص42
3 عبد اللطيف عبادة، المرجع السابق، ص28
4 يوسف حسين، المرجع السابق، ص43
5 فهمي جدعان، المرجع السابق ،ص416.
لكن الأمة لم تقلع حضارياً، و ذلك إما لثقل حجم التخلف بين أفرادها و مؤسساتها وإما لضعف المحرك المقرر أن يقع بـها، و مع دلك فقد بقيت هذه المعادلات و القوانين "نظريات" مفيدة للمحركين الذين يهتمون بانطلاق "المشروع الحضاري للأمة"1
كما كان لأفكار "زكي مبارك" الموجهة ضد الصوفية أثرها الواضع على موقف مالك بن نبي الهجومي ضد الطرقية في الجزائر2
2- المؤثرات من القراءات الغربية: يذكر مالك بن نبي أن المعلم الفرنسي Martin) غرس في نفسه تذوق المطالعة بما كان يعيره من كتب و كان هذا حافزا له للإنطلاق في قراءة المؤلفات في مختلف العلوم باللغة الفرنسية فقرأ:
- كل كتب جول فرن Jules Verne، و بعضها من روايات (الرداء و السيف).
بعض مؤلفات (بيير لوتي Pierre loti) و (كلود فاريرClaude Farrere) مثل (L’Azyade) و (فاقدات السعادةle desenchate ) و (الرجل الذي إغتال l’homme qui assassina).
- سلسلة (أسرة بارديان Pardaillans ) لميشال زيناكو، و رواية (ألكسندردوماس Dumas) حول (الكونت دومونت كريستو Contre de monte cristo)، ورائعة لامارتين "البحيرة" .
- كتب الأب (مورو) و سلسلته العلمية الشهيرة (للتفاهم).
- قصة (التلميذle Disciple ) وكتاب (كيف تفكر) للفيلسوف البرجماتي الأمريكي (جون ديوي).
- كتاب "أندريه جيد" (الغداء الأراضي)، و كتاب أوجين يونغ Eugene Yung) الإسلام بين الحوت و الدب l’islam entre la baleine et l’ours) و كتاب في ظلال الإسلام الدافئة: a l’ombre chaude l’islam) للمغامرة" إيزابيل إبراهارت Ysabelle Ebrharat)
- كتاب المستشرق الفرنسي "مسينيون" عن "الحلاج" في التصوف، و كتاب (هكذا تكلم زرادشت، للفيلسوف الألماني "نيتشه" و كتب "بلزاك" و "شاثوبريان" و دراسة عن "سبينوز"
كل هذه القرارات الغربية المتنوعة كان لها أثر في تكوين فكره و شخصيته.3