[center]بقلم أ/ بخيت خليفة
خرجت هائما ًمن البيت.. على إثر مشادة كلامية بيني وبين أفراد الأسرة.
أحياناً يكون الخلاف عميقاً جداً.. خاصة عندما يصطدم الشرع مع العادات والتقاليد.. فأنشق عنهم وربما عليهم.. فأصير الخارجي المارق عن إجماع العائلة.
في هذا اليوم سمعت كلاماً أزعجني.. شيئاً من السخرية.. على شيء من الاستغراب والإنكار.. وكأنني قادم من كوكب آخر.. لكوني أحاول تطبيق أحكاماً شرعية.. جديدة عليهم.. كحرمة الرهن الربوي.. وكمصافحة النساء.. وغيره.
لا أدرى كيف ثارت ثورتي.. وفلتت أعصابي.. وعلا صوتي ـ على غير عادتي ـ.
وكان ذلك إيذانا ً بأن الكوب قد امتلأ وفاض
شعرت بأنني قد أفقد السيطرة على نفسي أكثر من ذلك.. وربما أتجاوز الأدب مع الأسرة.. وهذا يتنافى مع ما أدعيه من التزام.
لم أجد بداً إلا الخروج لأي جهة.. المهم أترك ساحة المعركة.
حاولت الذهاب إلى شقيقتي الكبرى - موضع شكواي - فرأيت أن ذلك توسيعا ً للمشكلة،هممت أن أذهب إلى أحد الأصدقاء، فوجدت عدم رغبة مني نهائيا ً في الكلام فكيف أذهب إليه.
لم يكن أمامي إلا خياراً واحداً، وهو الذهاب إلى أحد حقولنا القريبة من القرية، وأجلس تحت شجرة حتى تهدأ أعصابي، وتخمد ثورتي.
وبالفعل أخذت عصا صغيرة، لزوم الحماية الشخصية، من الكلاب الليلية، ومشيت في الظلام الحالك لا أهتدي، فلا قمر في السماء ولا مصباح في الأرض.
ساقتني أقدامى بين حقول الذرة العالية، لا أسمع إلا أصوات حفيف أوراقها يحتك ببعضها، ونقيق الضفادع والذي يشبه مع هدوء الليل أصوات الذئاب، مع أصوات بعيدة للكلاب.
ورغم أنني معتاد الذهاب إلى الحقول ليلاً ونهاراً، وربما للعمل أيضاً خاصة في ري الأرض، إلا أن هذه هي المرة الأولى التي أشعر فيها بهذا القدر من الخوف.
وبدأت أشعر برعشة غير عادية تسرى في جسدي.
وانطلق خيالي في استدعاء ذكريات أحداث الأماكن التي أمر بها..
فهنا قتل فلان..
وهناك قصة الجني الفلاني..
ولم يخفف من ذلك سوى المسبحة التي تدور في يدي بسرعة شديدة، وبلساني الذي يتمتم متلعثماً بتسبيحات ودعوات.
وما أن وصلت إلى حقلنا حتى ألقيت نفسي على مصطبة على الطريق، وقبل أن ألتقط أنفاسي من المشوار، رفعت بصري في اتجاه طول الطريق.
فوقف شعر رأسي، وتسمرت أقدامى، ويبست يداي ، وشخص بصري.
فعلى بعد عشرات الأمتار رأيت ما أرعبني..
نقطة حمراء بارتفاع الرجل.. وكأنها عين نارية.
تسير باتجاهي..
تضيء وتنطفئ بانتظام..
وتزداد قرباً نحوي.. وأزداد رجفاً.. ولولا جسمي الثقيل نوعا ما، لأطلقت لأقدامي العنان.
لكن حتى ولو كنت خفيفا مثل الريشة.. أين الأعصاب والقوة التي تدفعني؟!!
لم أستطع أن أصرف بصري عنها، بل واصلت النظر رعباً، واستعداداً لأي شر.
وقلت:
لو كان جنياً صالحاً حاورته.
ولو كان شيطاناً مارداً بالقرآن صرفته.
وعلى بعد متر واحد فقط، رأيت رجلاً ينظر إليَّ ويقول: السلام عليكم.
لقد كان صياداً عائدا ليلاً من النهر، وبيده سيجارة.
ونظراً لأن الظلام حالك، لم يظهر منه ومن السيجارة إلا احمرار نيرانها.
ومع استدراكي للحقيقة كنت أرد السلام بحروف مبعثرة..
(و ع ل ي ك م الس لام)
وقمت ألملم نفسي، وأجر أقدامي، عائداً لبيتي..
لكني بعدها نسيت كل المشاكل