من أراد أن يُنضج عقله فعليه بالقراءة وتطليق التلفزيون في بينونة صغرى، فلا يراه إلا لمتعة فيلم أو عرض وثائقي أو مقابلة مهمة لابد منها، فالتلفزيون هو مفرق الأزواج وسارق الأوقات، ومسطح الدماغ، فمن أبصره عشي وفتح فاهه كالأبله! وحاليا أنا لا أفتح التلفزيون ولا أشاهده في رحلاتي في الطائرات، وصديقي الكتاب والقرطاس والقلم حيث مشيت، ولو في ممرات غرف العمليات، فإن فاتني الكتاب ففي جيبي دفتر صغير للمذكرات، وآخر أكبر منه في حقيبة لاتفارقني، فيها كتاب مذكرات أكبر ومجلة وكتاب وأقلام بألوان شتى. والكثير يسألني مابال أقلامك كثيرة وافرة وملونة؟ فأقول لأنني أقرأ وأكتب كثيرا من عظات الحياة التي لاتنتهي، ولو في عملية جراحية، ورؤية زهرة، وتأمل قطة، وتصرف عصفور في مطعم. وقبل الكتابة ومن باكورة العمر يجب ترسيخ عادة القراءة عند أولادنا أكثر من التلفزيون ومفاسده، وتضييع العمر في مسلسلات لا نهاية لها تبلغ المئات من المكسيك وبلاد عثمان. وحتى نرسخ عادة القراءة والاطلاع وبناء مكتبة عامرة بكتب الذخائر علينا أن ندرب أطفالنا على عادة القراءة ومسك القلم. ولكن كل هذا يتم بالولع والحب والميل، والطفل يمارس تعلمه للحياة باللعب، فهل انتبهنا إلى مامعنى هذا عند الطفل؟ ولماذا يمارس الكثير من نشاطه بدون روح اللعب والمتعة؟ وحتى تصبح عادة القراءة متعة فيجب أن ندفع بين يدي أطفالنا كتب القصص والروايات وهي كثيرة. وأنا شخصيا استفدت من عشرات الأقلام والمؤلفين العظام والروائيين العالميين، فقرأت قصص فيكتور هوجو الفرنساوي "البؤساء" و"أحدب نوتردام" و"عمال البحر" (نشرت أيضا بعنوان "عاصفة وقلب" و "الرجل الضاحك" (وقد ضاعت نسختي بكل أسف المترجمة ولم أعثر على بديل لها حتى اليوم). وقرأت "سجناء العالم الذري" لأوبنهايمر عن قصة اختراع القنبلة الذرية، وأنها كانت ألمانية، وأن القنبلة التي ألقيت على هيروشيما كانت من صناعة ألمانية، أرادت ألمانيا أن تضرب بها الحلفاء، فأُخذت منها كأسلاب حرب وضُربت بها اليابان، وهو أمر مشكوك فيه ولكنها براعة الرواية. وقرأت "ماجلان" ترجمة حبيب جاماتي لستيفان زيفايج وهو كاتب نمساوي مبدع ترك خلفه عشرات الروايات، ومات مع زوجته منتحرا في أمريكا الجنوبية، كما فعل جورج حاوي حين دخل شارون بيروت؛ فقال الجميع لا فائدة في عالم من هذا النوع يحكمه شارون وهتلر. وقرأت قصص جول فيرن العجيبة عن "الرحلة لمركز الأرض" و"عشرون ألف فرسخ تحت الماء"، وهي قصة اختراع غواصة في القرن الثامن عشر، تفاجىء السفن بقضمها وقطعها، ويظنونها وحشا بحريا، وهي اختراع الكابتن نيمو الثائر من سجون العبودية. وقرأت من تراثنا ابن بطوطة "تحفة النظَّار في غرائب الأمصار عجائب الأسفار" و"حي بن يقظان"، ومن قبل قصة يوسف في القرآن التي حفظتها مع حفظي للقرآن. وقرأت قصص أجاتا كريستي ورواياتها البوليسية العجيبة، وأذكر كل هذا تحبيبا وتشجيعا لأولادنا. وقرأت قصة جواهر لال نهرو في رسائله لابنته أنديرا غاندي في لمحات من تاريخ العالم، وتاريح الكاتب البريطاني هـ . ج . ويلز في أربعة مجلدات بعنوان معالم من تاريخ الإنسانية. وقرأت كتابين بديعين للكاتبة الصينية يونج تشانج عن ثلاثة أجيال بعنوان "البجعات البرية" ثم كتابا كاملا عن تاريخ الصنم الكبير ماوتسي تونج بلون أحمر فاقع، أهداه لي الأديب العلواني. وقرأت لجرجي زيدان روايات التاريخ الإسلامي وخلطه بالعجيب من الحب والمؤامرات.