بقلم: أ.بوحامد علي
أحاول من خلال هذه المقالة مشاركتكم تجربتي القصيرة في الكتابة، والتي وجدت نفسي مجبرا على الإفادة بها من باب الشعور بعدم اكتناز
أي معلومة مهما كانت صغيرة، لذا سأرضي ضميري وأرفع عن نفسي هذه الأمانة، وأنا لا أزكي نفسي كما لا أحسب نفسي متمكنا من هذا
العلم ولكن هي معلومات وطرائق وجدت فيها قلمي يسيل حبرا فاقتفيت أثرها.
أولا: ليست الكتابة موهبة تعطى أو كرامة توهب " فإنما العلم بالتعلّم والحلم بالتحلّم "، ولا يولد الإنسان كاتبا أو أديبا، وحتى وإن سلمنا جدلا
بوجود نوع من هذه الموهبة - وهي لن تتجاوز نسبة ضئيلة جدا- فإن بعدم ممارستها وتطويرها تخفت وتضمحل، لذا فأساس تطور أي مهارة
لدينا مرتبط ارتباطا كليا ووثيقا بالممارسة وبذل الجهد فإن لم تمد يدك للكأس فلن تصل إليك.
ثانيا: الكتابة ليست حكرا على فئة خاصة من الناس؛ ولا هي لسنٍّ معينة؛ فكل إنسان يستطيع الكتابة في القضايا التي تختلج صدره والشؤون
التي تستهويه أو يجد نفسه فيها، فلا نركن للسهولة أو التساهل والتواري خلف هذه الحجج الواهية التي تحركها أنفسنا النابذة لبذل الجهد
والراكنة للراحة.
ثالثا: إن الرسائل السلبية التي نوجِّهها إلى ذواتنا كلما تطرقت إلى أذهاننا فكرة الكتابة أو جرى النقاش حولها، تزيد من الإحباط أو التسويف،
فهاته الرسائل والتي هي من قبيل " لا أستطيع الكتابة "، " ليست لدي المعلومات الكافية للكتابة"، " لغتي رديئة " ، " سوف أبدأ الكتابة بعد
أن..." تعبّر عن الخوف الكامن من مجابهة الذات وتحريضها للبدء في الكتابة، لذا لا بد من تعويضها برسائل إيجابية تحفز النفس وتبعد هذا
الرهاب الوهمي من الكتابة من قبيل " أنا لدي القدرة على الكتابة " ، " أنا مهتم بموضوع كذا لذا سأكتب فيه"، " سأبدأ الآن في الكتابة"، فمثل
هذه الرسائل تضعك على الطريق الصحيح؛ فأصعب الأمور ابتداؤها وابتدارها.
رابعا: إذا كتبت نصًّا أو كلمات ولم تعجبك بعد إكمالها وقراءتها فلا تنزعج فذاك شيء طبيعي؛ فكلما كتبنا شيئا اليوم وقرأناه غدا قلنا: لو كتبنا
كذا لكان أحسن ولو قلنا كذا لكان أجمل وهذا يحصل مع كبار الكتاب وأبرع الأدباء وهذه طبيعة الفكر الإنساني وسليقة النفس البشرية، بل إن
هذا دليل على بداية انسجامك مع خط الكتابة وتطور أفكارك فَراعِ هذه الأمور .
مـــاذا نكتب؟:
لقد خلق الله البشر وصوّرهم في أحسن صورة وجعل في هذه الأنفس غرائز و ميولات تكبر وتتطور بحسب التنشئة والبيئة والعلاقات
الاجتماعية، فتجد الميال إلى الطبيعة والمنطق وتجد الميال إلى الفكر والأدب وتجد الميال إلى العاطفة والشعر، وكلها فضاءات خصبة
للكتابة، وليس المفروض أن يتشابه الناس فيما يفكرون أو يكتبون؛ بل على العكس تماما فالطبيعي أن يتنوع الناس ويختلفوا، فلا نكلف أنفسنا
عناء البحث عن ميولاتنا خارج ذواتنا بمحاولة التشبه بهذا الكاتب أو ذاك المفكر؛ بل الأحرى أن نكتشف أنفسنا ونبحث عن نقاط القوة لدينا
فلكل منا تجربته الخاصة في الحياة ولكل منا اهتماماته أيضا، فلنشغل إذن محركات عقولنا وديناموات أفكارنا.
لمـــاذا نكتب؟:
نحن في الغالب نكتب لثلاث أسباب أساسية:
1- نكتب لطلب خارجي: وهذه نجدها عندما يطلب من شخص أن يلقي محاضرة في موضوع ما، أو نجدها عند الأستاذ الذي يحضر
مواضيع محاضرات لطلبته، كما نجدها عند الباحثين الذين يكلَّفون بمواضيع معينة في وحداتهم البحثية أو مراكزهم العلمية، ويدخل ضمن هذه
الأسباب أيضا الإحساس بالواجب تجاه الآخر في المعلومة أو الهداية أو التحليل والتفسير في أمر غامض أو موضوع مستعصٍ.
2- نكتب لننقل تجربتنا للآخر: ويشترك في هذه جل الأدباء والشعراء، ويستطيع حتى الكاتب المبتدئ أن يقوم بها؛ فكما قلت سابقا لكل منا
تجربته الخاصة والفريدة في الحياة، كما نجدها عند الأعلام من ساسة ورجال إعلام وأعمال حينما يكتبون مذكراتهم الخاصة، فبها ينقلون
تجربتهم للقارئ ويبوحون بالعديد من الأسرار والحقائق الخاصة بحياتهم المهنية والشخصية.
3- نكتب لأننا نريد أن نكتب: فسيل العواطف يتخمر إلى أفكار فتترجمها الحروف إلى كلمات وإبداع يرضي شخصياتنا ويزيح عنا ثقل
وعناء تحملها داخليا؛ وبالتالي نشرك الآخر فيها لعله يجد فيها ضالته فيستقي منها ما طاب له شعرا كان أو نثرا.
كيـــف نكتب؟:
أنرفع القلم ونحضر الورقة ونبدأ في الكتابة؟ أم نفتح صفحة الوورد (Word) فنكتب باستخدام الكمبيوتر؟. قد يجد البعض الإجابة بالقول: لكل
منا طريقة تستهويه؛ فأقول نعم هي كذلك؛ وخاصة إذا كان شاعرا فلا يلزمه إلا قلما وورقة تتبعانه حيث غدا أو راح، فهو لا يدري متى ينزل
عليه جنِّي الشعر بالإلهام كما يقال.
و لكن – ومن وجهة نظري- فاستعمال الكمبيوتر للكتابة يسهل العديد من الصعاب ويسهم في إبقاء التركيز مع الكتابة أكثر... لمــاذا؟ إن
الكتابة توارد أفكار وتوالد كلمات فربما كتبنا كلمة ثم لم تعجبنا محوناها وكتبنا أخرى، وربما رأينا فكرة متأخرة عن مكانها فقدمناها وهكذا؛
فمولود الكتابة لا يأخذ شكلا نهائيا إلا حينما نرضى –نسبيا- عما كتبناه بعد قراءات وتعديلات عديدة، لذا فاستعمال الورقة والقلم وإن استهوت
البعض فإنني أراها – ونحن في القرن الواحد والعشرين وننتمي لجيل الترجيح ودائما حسب تجربتي الخاصة- معيقة للكتابة، فالتراجع عن
كلمة أو جملة إما يتطلب الشطب والخربشات فتتشتت الأفكار بمنظريهما، وإما يستدعي تمزيق الورقة واستبدالها بورقة جديدة وهذا ينقص
التركيز ويذهب الحماسة ويفقد الثقة خاصة عند المبتدئين، بينما لا توجد هذه الأشياء باستخدام الكمبيوتر؛ فإذا لم تعجبنا كلمة ضغطنا زر
المسح فمحوناها وإذا أردنا تقديم فكرة ضغطنا على الزر الأيسر للفأرة واخترنا الجملة المراد تقديمها فقدمناها وهذا ما يزيد من التركيز ويبقي
على حماسة الكتابة.
كيف نكتب باستخدام الوورد (Word)
:
1- بعد فتح صفحة الوورد يجب بداية تعديل أبعادها لتصبح في وضع ملائم للنظر والكتابة وأحسن الأبعاد ( 1,5 سم للأعلى، 2 سم
للأسفل، 2,5 سم للجانب الأيمن و 1,5 للجانب الأيسر).
2- تعديل نوع وحجم الخط المراد الكتابة به، ولنحرص أن يكون بسيطا وواضحا فلا نكتب بالخط الكوفي أو الثلث أو الرقعة مثلا؛ بل
نستخدم الخطوط السهلة والواضحة، وأحسن الخطوط وأشهرها استعمالا Simplified Arabic أو Traditional Arabic، وليكن الحجم
مناسبا للعين؛ 14 للأول أو 16 للنوع الثاني.
3- اختيار اللون التلقائي للكتابة وهو اللون الأسود؛ لأنه الأنسب للعين والأحسن للتركيز.
4- كتابة العنوان الرئيسي والعناوين الفرعية بلون مختلف أو ثخين أو تسطيرهما.
5- تعديل طريقة الكتابة بحيث تكون بداية السطر الأول متأخرة عن بقية سطور الفقرة، ولتكن المسافة بين الفقرات واضحة بحيث تظهر
الفقرات متمايزة؛ فذلك أسهل لتمييز الأفكار للكاتب والقارئ.
6- تعديل المسافة بين السطور فلا تكون متسعة كثيرا ولا متداخلة، والمسافة المنهجية 1 سم أو 1,15 سم.
7- الاجتهاد في أن تكون الكتابة في مجموعة أفكار تظهر كل فكرة في فقرة منفصلة، فلا تكون المقالة أو النص في جسد واحد وفي فقرة
واحدة؛ لأن ذلك من شأنه أن يقلق القارئ ويجلب له الملل بسرعة، كما أن المنهجية العلمية تتطلب عدم تداخل الأفكار والتصاقها ببعضها.
هذا عن كيفية استخدام صفحة الوورد، أما عن صياغة الأفكار؛ فهذا يرتبط بطبيعة كل موضوع والمتغيرات المتحكمة فيه ولكن هناك منهجية
عامة ومشتركة تتمثل في:
كتابة العنوان أولا؛ فالكتابة مرتبطة كليا بالفكرة الرئيسية المراد الكتابة فيها، والأصل أن هناك موضوعا واضحا سنكتب فيه، أما
الصياغة الجمالية فلا بأس أن نتركها في الأخير.
إذا أحسسنا بأن الأفكار قصيرة في الصياغة وبأننا نستطيع صياغتها في جملة واحدة، فذلك طبيعي ويعتري حتى كبار الكتاب والأدباء..
لماذا؟ لأننا مبدئيا قد خمرنا أفكار الموضوع وحللنا واستنتجنا - قبل الشروع في الكتابة- في عقولنا، ولكن المتلقي لم يقم بكل هاته العمليات
العقلية قبلا وهو ينتظر تحليلنا للموضوع واستنتاجاتنا حوله؛ لذا فلا بد من الدخول في الموضوع من بدايات تفكيرنا فيه والعمل على تحرير
تلك العمليات العقلية التي قمنا بها.
إن وجود الفكرة لدينا والمعلومات التي نمتلكها لا تكفي غالبا للكتابة الجميلة والأفكار الجديدة؛ لذا يجب الاستزادة منها عن طريق
القراءة وتوسيع مداركنا بالإطلاع على أفكار غيرنا.
أبجديات المنهجية تتطلب التدرج في الولوج إلى الموضوع وعدم القذف بالأفكار إلا بالتسلسل، فيكون الابتداء بتمهيد نتعرض من
خلاله إما للتساؤلات أو للجانب التاريخي في الموضوع حتى نضع القارئ في السكة الصحيحة لفهم الموضوع، ثم ندخل في المتن المتضمن
للتفسير والتحليل على النحو الذي ذكرناه آنفا في تقسيم الأفكار؛ لنصل في الأخير إلى صياغة الخاتمة والتي غالبا ما تتضمن إما خلاصة عن
الموضوع أو استنتاجات أو اقتراحات لتثمين الأفكار الواردة في النص أو المقال.
إذا خطرت بِبالنا خلال الكتابة فكرة أخرى حول موضوع آخر فلا نتجاهلها بل نفتح صفحة جديدة وندوّن العنوان وبعض الكلمات
المفتاحية أو الفكرة الرئيسية ونحفظها ثم نرجع إلى موضوعنا، لأن الفكرة الواحدة قد تولد آلاف الأفكار وقد تتزاحم خلال التوالد والتوارد؛
وهذا دليل آخر على أننا على الطريق السوي.
وكخلاصة للموضوع فإن الكتابة نتاج فكري إنساني يتطور مع الممارسة؛ لذا تتطلب جهدا وعناءً حتى يصل إلى مصاف الإبداع، لذا هذه
المنهجية سوف تساعدنا على الانطلاق، أما الإبداع فسيأتي مع الوقت وبمصاحبة الكتابة؛ لذا فلنعوّد أنفسنا على هاته الممارسة وكما قلت آنفا
فإن العلم بالتعلم والحلم بالتحلم