عمتَ صباحاً أيها الضمير .. ما أطول ما نمت
كل يوم .. يموت إنسان وإنسان .. ويولد ألف طفل
كل يوم نشتري ملابس وفساتين للطفل القادم .. وآخرون يعدون كفناً لراحل
كل يوم نضحك ونحتفل .. وآخرون يبكون ويتقبلون التعازي في فقيدهم
والحياة تستمر....
يولد الإنسان باكيا والناس يضحكون من حوله
تتلقفه الأيدي .. تحنو عليه وتربيه وينشأ وينمو .. ثم يموت
يموت ونفس الأشخاص الذين ضحكوا بالأمس لقدومه .. هم نفسهم اليوم يبكون رحيل
والحياة تستمر..
يخوض معارك الحياة بضراوتها..وقسوتها
ويعيش لذات الأيام بمختلف أشكالها وصورها
يتخاصم مع هذا .. ويهجر ذاك..
يودع صديقا .. ويفارق حبيباً .. ويتعرف على آخرون وآخرون
والحياة تستمر..
يكبر .. وينسى من رحلوا عنه ومن ماتوا .. ينسى أولئك الذين دفنهم بيديه
ويمشي في زحمة الدنيا على دروب لا يعلم منتهاها
يشهد ماسي الآخرين .. يشاركهم أفراحهم .. يختلط معهم
الحياة تستمر..
يكبر .. وينمو عقله .. تزداد تجاربه وخبراته .. ينسى معظمها .. ويغفل عن بعضها
ويستفيد من البعض القليل المتبقي منها
يتزوج .. ينجب أطفالا .. يربيهم .. وهم يكبرون .. ويصبحون أكثر طولا منه
والحياة تستمر..
وفي خضم هذه الدائرة التي نسميها حياة .. ينسى الإنسان لماذا خُلق
وهل من أجل هذه الحياة قد خُلق
يقف قليلا .. يتأمل حاله .. يتذكر ماضيه .. يسترجع أيامه
ليكتشف أنه نسي في زحمة ذلك الطريق شيئا من ممتلكاته
فقد صاحبا مخلصا .. وودع في إحدى المحطات أخا وفياَ
في لحظة حزن جارفة .. تحاصره نفسه
تسائله / أكنت تمشي دون هدف ؟؟
يأخذ نفساً طويلا .. يراجع حساباته .. ليرى أنه فقد الكثير
وأنه مازال يفقد ويفقد .. ثم يعترف : الحيـــاة ستزول!!
هذه المرة : الحياة ستزول
تماما كما زال هؤلاء .. وستنتهي تماما كما انتهى أولئك الأحبة
الأحبة .. أولئك الذين رحلوا .. وأولئك الذي فقدتهم
ترى كم من الأشياء المهمة فقدتها أيضاً
أسمع تثاؤباً بداخلي .. ترى من هذا النائم الذي تذكر اليوم أن يصحو ...
هو ضميري إذن!
عمتَ صباحاً أيها الضمير .. ما أطول ما نمت
أكان يجب علي أن أخسر وأفقد وأودع وأنسى كلللللل هذه الأشياء من أجل أن تصحو..؟
لم جرحتُ من جرحت ؟ لم ظلمتُ من ظلمت ؟
لم قسوت؟ لم تكبرت؟ لم خدعت وسرقت ودست على كل من حولي بدعوى أن الحياة تستمر؟
أوه .. عذراً .. كنتَ أنتَ نائماً وقتها ثلاثون أم خمس وثلاثون أم أربعون تلك التي سأكملها بداية هذا العام ..؟
ترى كم من الفرص ضيعت .. وكم من دروب الرذيلة قد سلكت ؟؟
أين كان عقلي وقتها؟؟
مرة أخرى أعتذر ... كنتَ تغط في سبات عميق يا ضميري
لكن ألم يكن هناك( منبه ) أو ( جرس ) أو يد توقظ
نعم .. كان يوجد
كنتَ أسمع ( منبه ) قوي يقول:
( ألم يأن للذين امنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله )
وكان ( رنينه ) لا ينقطع .. لكنك لم تستيقظ
سهرت كثيرا يا ضميري من أجل حسابات دنيا وتفاهات بشر
سهرتَ كثيراً .. ونمتَ أكثر
كان هناك ( جرس ) و( ساعة ) مؤقتة لتصحو ولكنك لم تفعل
واليوم عرفت:
الحياة لن تستمر..
لو كانت هكذا .. لاستمر أبي ولم يمت
لو كانت هكذا .. لاستمر صديقي ولم يرحل
لابد أن هناك نهاية .. وأن الحياة بالتأكيد ستزول
أكنتَ تنتظر حتى أنتهي أنا لتكتشف أن الحياة الدنيا ستنتهي ..؟
لا تتكلم .. أعرف .. كنتَ نائما يومها ..؟
ضاع مني الكثير في طرقات الدنيا ومحطاتها
وأولئك الذين أخطأت في حقهم .. أين سأبحث عنهم ليسامحوني
أولئك الذين ظلمتهم .. أين سأسافر لهم ليعفوني
وأنا .. كيف سأسامح نفسي .. وكيف سأغفر لها وقتاً من العمر ولى دون عودة
هناك كلمة كتبتها ولكني ندمت .. فأي نوع من ( المساحات ) سيمحيها
أتذكر جملة قلتها .. لا بل أكثر .. أي صدأ هذا الذي سيجعلها طي النسيان
لم أنسَ أخطائي وذنوبي أنا .. فكيف سينساها علام الغيوب
( عن اليمين وعن الشمال قعيد )
سجلا كل كلمة .. كل هفوة .. كل زلة .. كل ( تفاصيل ) العمر لحظةً لحظة..
أين ما ضحيتُ من أجله ,, أين هو..؟
ســـراب .. هو سراب لا محالة..
متشعبة هي الطرق التي سلكتها .. فهل من دليل
لعلني ألتقط بعضا من ( الدقائق ) أو أشتري ( لحظة ) حياة حقيقية
لكنها كانت موجودة .. وكنت أستثقل مرورها..
كانت أمامي وكنت لا أراها..
كان كل شيء بيدي .. واليوم أحثوه ترابا على وجهي ..؟
كيف حصل هذا ..؟
منقوووول