إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه خير ثواباً ، وخير أملاً ، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، لا يزال ربنا براً رحيماً ، عفواً كريماًً ، بعباده خبيراً بصيراً ، من يهده الله فلن تجد له مضللاً أبداً ، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلهاً واحداً ، فرداً صمداً ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أحسن الناس خلقاً وخلقاً ، وعبادة وورعاً ، وزهداً وتقوىً ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه خير ألٍ وأفضل صحباً ، وسلم تسليماً مديداً كثيراً . . . أما بعد :
فأكرم الله البشرية ، بمحمد صلى الله عليه وسلم ، حيث أخرجها الله من الظلمات إلى النور ، ومن الذل إلى العز ، ومن المهانة إلى الكرامة ، ومن الجهل إلى العلم ، أبطل عادات الوثنية ، وقضى على معالم الشركية ، وغير الكرة الأرضية ، من ظلم وجور ، واستعباد وتكبر ، إلى عدل ومساواة ، وتواضع وتسامح ومساماة ، أنقذ الله به الناس من النار ، إلى الجنة دار القرار ، فأليس لهذا النبي الكريم علينا حقوقاً نقوم بها ، ومساعٍ نشكره عليها ، وعرضاً نذب عنه ، وقولاً ندافع به ، وهو القائل صلى الله عليه وسلم : " من ردّ عن عِرْض أخيه المسلم ، كان حقاً على الله عز وجل أن يردّ عنه نار جهنم " [ أخرجه أحمد ، والترمذي وحسنه ، وابن أبي الدنيا ، والطبراني ، وابن مردويه ، والبيهقي في الشعب من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه ] ، فإذا كان هذا في حق بقية الناس ، فكيف بحق النبي صلى الله عليه وسلم ، الذي ظهرت للناس معجزاته ، وبانت لمتبعيه محبته وشفقته ورأفته ، وتبين للمسلمين رحمته وعطفه ، فحري بكل مسلم ، بل واجب على كل مسلم ومسلمة ، أن يدافع عنه ، ويذب عن عرضه المصون ، وينافح ويناضل أهل المجون ، بل ويقاتل من أجل حقوقه إذا انتهكت ، وسيرته إذا انتقصت ، وصورته إذا تشوهت ، كل بما آتاه الله من الاستطاعة .
فمن كان يحب محمداً صلى الله عليه وسلم ، فليحب من يحب المصطفى ، ويبغض من أبغض الحبيب المجتبى ، فعلى ذلك يجب بغض الكفار الذين أساءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وقطع دابرهم ، والانتقام منهم ، مع ما أعده الله لهم من العذاب والوبال ، قال الله تعالى : { وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [ التوبة61 ] .
وقال سبحانه : { إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً } [ الأحزاب57 ] .
فيجب على كل مسلم أن يرفع راية الجهاد للدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولهم في ذلك قدوة ، وحكم من أحكام المصطفى :
أخرج أبو داود وصححه الألباني من حديث ابنُ عَبّاسٍ رضي الله عنهما : أنّ أعْمَى كَانَتْ لَهُ أُمّ وَلَدٍ تَشْتِمُ النّبيّ صلى الله عليه وسلم وَتَقَعُ فِيهِ ، فَيَنْهَاهَا فَلا تَنْتَهِي ، وَيَزْجُرُهَا فَلاَ تَنْزَجِرُ ، قالَ : فَلَمّا كَانَتْ ذَاتَ لَيْلَةٍ ، جَعَلَتْ تَقَعُ فِي النّبيّ صلى الله عليه وسلم وَتَشْتِمُهُ ، فَأَخَذَ المِغْوَلَ فَوَضَعَهُ فِي بَطْنِهَا ، وَاتّكَأَ عَلَيْهَا فَقَتَلَهَا ، فَوَقَعَ بَيْنَ رِجْلَيْهَا طِفْلٌ ، فَلَطَخَتْ مَا هُنَاكَ بِالدّمِ ، فَلَمّا أصْبَحَ ذُكِرَ ذَلِكَ لِلنّبيّ صلى الله عليه وسلم فَجَمَعَ النّاسَ فَقَالَ : أنْشُدُ الله رَجُلاَ فَعَل مَا فَعَلَ لِي عَلَيْهِ حَقّ ، إلاّ قامَ ، قالَ : فَقَامَ الأعْمَى يَتَخَطّى النّاسَ ، وَهُوَ يَتَزَلْزَلُ حَتّى قَعَدَ بَيْنَ يَدَيِ النّبيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : يَا رَسُولَ الله ! أنَا صَاحِبُهَا ، كَانَتْ تَشْتِمُكَ ، وَتَقَعُ فِيكَ ، فَأَنْهَاها فَلاَ تَنْتَهِي ، وَأَزْجُرُهَا فَلاَ تَنْزَجِرُ ، وَلِي مِنْهَا ابْنَانِ مِثْلَ اللّؤْلُؤَتَيْنِ ، وَكَانَتْ بِي رَفِيقَةً ، فَلَمّا كَانَ الْبَارِحَةَ ، جَعَلَتْ تَشْتِمُكَ وَتَقَعُ فِيكَ ، فَأَخَذْتُ المِغْوَلَ فَوَضَعْتُهُ فِي بَطْنِهَا وَاتّكَأْتُ عَلَيْهَا حَتّى قَتَلْتُهَا ، فَقَالَ النّبيّ صلى الله عليه وسلم : " ألاَ اشْهَدُوا إنّ دَمَهَا هَدْرٌ ".
وعن جابرِ بنِ عبدِ الله رضيَ اللهُ عنهما ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " مَن لكعبِ بنِ الأشرف ، فإنه قد آذَى اللهَ ورسولَه ؟ قال محمدُ بنُ مَسلمةَ : أتحب أن أقتلَهُ يا رسولَ الله ؟ قال : نعم ، قال فأتاهُ فقال : إن هذا ـ يعني النبيَّ صلى الله عليه وسلم ـ قد عَنّانا وسألنا الصدَقة ، قال : وأيضاً واللهِ لتَمَلُّنَّهُ ، قال : فإنا اتَبعناه فنكرَهُ أن نَدَعَه حتى ننظُرَ إلى ما يَصيرُ أمرُه ، قال : فلم يَزَل يكلِّمهُ حتى استَمكنَ منه فقتله " [ أخرجه البخاري ، وهو في الصحيحين بأطول من ذلك ] .
ومثل هذا الحديث كثير ، تدل على وجوب قتل من سب النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا خلاف بين العلماء في وجوب قتل من سبه صلى الله عليه وسلم .
أيها المسلمون : محبة النبي صلى الله عليه وسلم دين ندين الله به ، وسبه ردة وكفر ، ومن انتقصه أو آذاه أو لمزه أو غمزه فدمه هدر .
سب النبي صلى الله عليه وسلم منكر ، ولابد للمنكر أن يُنكر ، أخرج ابن ماجة عن عائشة رضي الله عنها قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " مروا بالمعروف ، وانهوا عن المنكر ، قبل أن تدعوا فلا يستجاب لكم " .
وأخرج مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من رأى منكم منكراً فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان " .
فإن لم ننكر المنكر ، فإننا نخشى العقوبة من الله ، لاسيما من يستطيع إزالة المنكر من ولاة الأمر ، والعلماء ، وكتاب الصحف ، والأئمة وغيرهم ، وهل هناك منكر أعظم من سب النبي صلى الله عليه وسلم ، الذي هو ركن من أركان الإيمان ، فهو داخل في الإيمان بالرسل ، ومن أنكر نبياً أو سبه فهو كافر مرتد ، يجب قتله بدون استتابة ، وهاهي الحجة قد قامت على أفراد الأمة ليبينوا مدى حبهم لنبيهم صلى الله عليه وسلم ، وهاهي الفرصة قد سنحت ، لنري الله من أنفسنا خيراً ، فقد تجرأت صحف دولة الدنمارك على سب النبي صلى الله عليه وسلم ، والاستهزاء به ، والتنقص من قدره ، وقد ذهبت وفود سفراء الدول العربية والإسلامية إلى رئيس الدولة الذي أبى مقابلة الوفد متذرعاً ، بأن عمل الصحيفة يكفله القانون تحت حرية التعبير والرأي .
فيا أمة المليار مسلم ويزيدون ، ماذا تنتظرون ! وقد أهين نبيكم صلى الله عليه وسلم ، من قبل دولة كافرة ، يرعاها اللوبي الصهيوني ، تدعي كذباً وزوراً أنها تكفل حرية الأديان ، وتدعي التحضر والتمدن في البلدان ، والرقي بالمعايير الغربية ، وهي تضمر العداء والكراهية للإسلام وأهله سراً وعلانية ، قال تعالى : " قَدْ بَدَتِ ٱلْبَغْضَآءُ مِنْ أَفْوَٰهِهِمْ وَمَا تُخْفِى صُدُورُهُمْ أَكْبَرُۚ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ ٱډيَـٰتِۖ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ " [ آل عمران 118 ] .
--------------------------------------------
لقد تجرأت الصحف الكافرة ، ووسائل الإعلام الفاجرة في التعدي على الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ، إما بتعليق قذر ، أو برسم كاريكاتير وقح ، أو من خلال فلم متسخ ، يقطر منه سم العداء ، ويظهر من خلاله قالب الحقد الدفين ، لهذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ، يشوهون صورته ، ويدنسون حياته ، ويسيئون لفطرته ودينه الذي جاء به ، قاتلهم الله أنى يؤفكون ، وتعالى رسول الله عما يقولون .
رموه بالإرهاب وهو منه براء ، كيف يرمون الحبيب الرحيم ، بصفة إبليس اللعين ، وسيرته عليه الصلاة والسلام كلها شفقة ورحمة حتى بالكفار ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللّهِ ، وعَلَيْهِ رِدَاءٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الْحَاشِيَةِ. فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ. فَجَبَذَهُ بِرِدَائِهِ جَبْذَةً شَدِيدَةً. نَظَرْتُ إِلَىٰ صَفْحَةِ عُنُقِ رَسُولِ اللّهِ وَقَدْ أَثَّرَتْ بِهَا حَاشِيَةُ الرِّدَاءِ. مِنْ شِدَّةِ جَبْذَتِهِ. ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ مُرْ لِي مِنْ مَالِ اللّهِ الَّذِي عِنْدَكَ. فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ . فَضَحِكَ. ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ " [ أخرجه مسلم ] ، عن ابن عمر قال : " وُجِدَتْ امْرَأَةٌ مَقْتُولَةٌ فِي بَعْضِ مَغَازِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فَنَهَىَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ " [ أخرجه الجماعة إلاَّ النسائي ] . وعن رياح بن ربيع : " أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ رَسُولِ الَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا وَعَلَى مُقَدِّمَتِهِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، فَمَرَّ رِيَاحٌ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَلَى امْرَأَةٍ مَقْتُولَةٍ مِمَّا أَصَابَتِ الْمُقَدِّمَةُ، فَوَقَفُوا يَنْظُرُونَ إِلَيْهَا يَعْنِي وَهُمْ يَتَعَجَّبُونَ مِنْ خَلْقِهَا حَتَّى لَحِقَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَاحِلَتِهِ فَأَفْرَجُوا عَنْهَا، فَوَقَفَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَا كَانَتْ هَذِهِ لِتُقَاتِلَ، فَقَالَ لأَحَدِهِمْ: الْحَقْ خَالِداً فَقُلْ لَهُ لاَ تَقْتُلُوا ذُرِّيَةً وَلاَ عَسِيفاً " [ أخرجه أحمد وأبو داود ] .
قال الخطابي رحمه الله في معالم السنن : " في الحديث دليل على أن المرأة إذا قاتلت قتلت ، ألا ترى أنه جعل العلة في تحريم قتلها لأنها لا تقاتل ، فإذا قاتلت دل على جواز قتلها " .
وعن أَبي بردة عن أَبي موسى قال : لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من حُنَيْنٍ ، بعث أبا عامر على جيش إلى أوطاس ، فلقي دريد بن الصّمة ، فقتل دريد ـ وهو رجل كبير فاق المائة سنة ـ وهزم الله أصحابه .