موضوع: مقومات الناقد الخميس مايو 21, 2009 12:39 pm
مقومات الناقد
الخلاف حول النقد قديم ، يختلف باختلاف الأطروحات الرؤوية من ناقد لناقد ، ومن العسير الإتفاق على صيغة معرفية في النقد ، حتى في تحديد مسميات الأشياء ، لهذا يعتبر الركض وراء التعريفات النقدية في تناول المشروع الأدبي قتل لمتعة الإحساس الجمالي فيه . لهذا على المهتمين بهذا المجال المواصلة في الكتابة ، ومن قبل الكتابة القراءة الجادة التأصيلية التي لا تكتفي بالحصول على المعلومة كإطار معرفي جاف ، بقدر ما هو إمكانية الاستنباط المعرفي مما يقرأ المرء من كتب أو بحوث . النقد ليس علماً من العلوم ، بل هو فن أدبي قائم بذاته ، لأن العلم متفق عليه ، ومقيد بضوابط وأسس ، أما النقد فديناميكي متحرك يختلف من زمن لزمن ومن شخص لشخص ، ومن ذائقة لذائقة حتى في التعاطي مع النص الأدبي الواحد ، فالنقد حقل من حقول الأدب يستفيد من المعارف الإنسانية الأخرى . وهو بهذه الأحوال ينقسم على قسمين : القسم الأول : النقد التطبيقي : الذي يقوم على دراسة الأعمال الأدبية وتحليلها . والقسم الثاني : النقد التأصيلي : المعتمد على تقنين العملية النقدية وفلسفة هذا العمل عن طريق الاعتماد على بعض النصوص من أجل الخروج برؤى وأفكار يستفيد منها المهتمون بهذا المجال . النقد الأدبي ليس غاية بحد ذاته ، بل هو وسيلة لبلوغ غاية هدفها نشر الأدب والتعريف فيه وتهذيبه وتوجيهه ، والمساهمة في رقيه ونشره بين الناس ، لذا لابد للناقد من أدوات شخصية يمتلكها قبل أن يخوض هذا المضمار ، ومن أهم هذه الأدوات : القدرة على تذوق الجمال الفني للأدب ، وهذا لا تتحكم فيه العاطفة وحدها ، بل هو نتاج لتأثير مزدوج بين العقل والعاطفة ومرتبط بالذكاء ، وهذا التذوق الجمالي ليس له حدود ، تتسع دائرته كلما اتسعت معارف الإنسان وزادت خبراته وكثرت إطلاعا ته وتنوعت مصادره المعرفية . وهو مثل الملكة ، أي أنه مجبول مع المرء ، لكن لابد من تهذيبه وتطويره كما قلنا . وهذا التذوق الجمالي حاله كحال البصمة ، حيث لا يمكن أن يتفق اثنان تمام الاتفاق على تقييم عمل أدبي بنفس الدرجة أو المستوى . وهناك نقطة ثانية تأتي بعد التذوق الجمالي وهي الحساسية في التعامل مع العمل المطروح للقراءة ، ومن خلال هذه النقطة لابد على الناقد من أن يتقمص دور الشاعر أو القاص أو الرسام أثناء تعاطيه مع العمل الأدبي المنقود ، من أجل إيجاد نوع من الحميمية بينه وبين العمل المطروح للدراسة . أما النقطة الثالثة التي لابد من توفرها للناقد ، وهي الذكاء ، أي الذهن اللماح القادر على اقتناص الفكرة ، والربط بين الأجزاء والمقدرة على ردم الهوة أو سد الفراغات الموجودة في النص الأدبي المنقود والخروج للقارئ بآلية يقنعه من خلالها بجدوى ما يقول ومنطقية ما يكتب ، وهذا الجانب ، وهو الذكاء ، قد يدفع الناقد إلى الذهاب بعيداً في التأويل للوصول إلى الغاية التي ينشدها ، وهنا تبرز مدى قدرة هذا الناقد على الإقناع وفرض الانطباع الجيد في نفسية المتلقي ، وخلق لديه إمكانية تقبل ما يقول ، وهذا لا يكون ما لم يكن للناقد مقدرة على تذوق الجمال الفني ، ومن ثم القدرة على الاندماج في العمل المطروح للدراسة والإحساس به . وهناك نقطة رابعة لابد من توافرها للناقد لكي ينجح في هذا العمل الذي يقوم به وهي التزام الموضوعية في تعامله مع النص ، فلا يكون مع الشاعر أو ضده ، أي أنه لابد عليه من عزل النص عن الناص والنظر إلى العمل المطروح للدراسة بمعزل عن صاحبه ، وهذا ما أشار إليه الناقد العربي القديم قدامة بن جعفر في كتابه نقد الشعر عندما قال " وأحسب أنه اختلط على كثير من الناس وصف الشعر بوصف الشاعر فلم يكادوا يفرقون بينهما " لهذا لابد من النظر للنص بروح موضوعية خالية من التحيز الإيجابي أو السلبي رغبة في إنجاح العمل المطروح للقراءة . هذه هي الأدوات الواجب توافرها في الناقد لكي ينجح في عمله ، والتي بدونها يفقد النقد خاصيته ، ولا يستطيع بعدها تحقيق المأمول منه .