البداية الصحيحة في القراءة
* د. أحمد فرير
ينبغي على القارئ أن يُحسن الدخول ويصحح الابتداء، ومن ذلك البدء بـ:
- الكتب السهلة قبل الصعبة.
- وبالكتب الصغيرة قبل المراجع الكبيرة.
- وبالكتب الميسرة قبل الكتب المتقدمة.
وإن من أسباب اضطراب البدايات عند البعض:
- العجلة.
- فورة الحماسة غير المنضبطة.
- المبالغة في الثقة بالنفس، والصحيح الثقة بالله تعالى. ومن أسباب الخطأ في الابتداء أيضاً وجود نوع من الغرور، فيقول صاحبه: أنا لا يهمني إن كان الكتاب كبيراً أو صغيراً، صعباً أم بسيطاً، فأنا أفهم كل شيء، ولكن سرعان ما تصطدم إمكاناته المتواضعة بجبال المعلومات والأساليب العلمية القوية. * الامتناع التام عن وصف المرء لنفسه بأنه لا يحب القراءة وأنه يكره الكتاب وأنه سرعان ما ينام لو فتح الكتاب:
فإن مثل هذه العبارات تؤسّس في النفس يقيناً أن المرء كذلك، وهذا مما يزيد العلاج صعوبة وتعقيداً بل ينبغي أن يُشعر الشخص نفسه بأن هذه الصعوبة يُمكن التغلب عليها وأنّها ليست دائمة ولا ملازمة، وأنه بشيء من الممارسة والمجاهدة تزول هذه المصاعب، وأن حبه للقراءة أمر ممكن جداً، وأنه عما قريب سيتعلَّق بالكتاب وتنفتح أمامه السُّبل للقراءة والانكباب عليها وأن عنده القابلية والقدرة لذلك، وهذا الأسلوب وإِن سماه البعض إِيحاءً لكنه مُجرَّب ونافع ومن الأمور المساعدة على العلاج.
* إتْباع القراءة بالعمل:
إن الإحساس بالمردود السريع مما يُشعر القارئ بفائدة قراءته، ولذلك كانت القراءة في الموضوعات العملية كالفقه واتباع ذلك بالعمل والتطبيق من الوسائل المهمة للانجذاب إلى القراءة، فمثلاً لو قرأت عن الحج ثم ذهبت إلى الحج كم سيكون إحساسك بفائدة القراءة، وكذلك لو قرأت كتاباً في صفة الوضوء أو صفة الصلاة وأنت تطبق ذلك يومياً ستشعر بحب للقراءة لأن الثمرة حقيقية ومشاهدة وسريعة، وكذا لو تعرّضت لمسألة أو حادثة مفاجئة سبق لك القراءة في حكمها لشعرت بلذة خاصة.
* تقييد الفوائد المهمة واللآلئ الجميلة:
وهذا مما يُشعر القارئ بالفائدة وذلك إذا أخذ يجمع ما يشد انتباهه ويقع في نفسه موقعاًَ جميلاً من قاعدة جامعة وقصة مؤثرة وحُكْم كان يبحث عنه ولمحة تربوية فيجتمع لديه بعد حين حصيلة ثمينة وكنز نفيس من هذه الفوائد فإذا جمعها وفهرسها تكون في كراسِ كلما نظر فيه استأنس وتذكِّر واستطعم تلك الفواكه العِذب، وهناك عدد من مصنفات العلماء هي عبارة عن فوائد حصلت لهم أثناء الطلب والبحث والقراءة جمعوها وكتبوها؛ أو خواطر قيّدوها ودوّنوها، والناس يتحدثون بأحسن ما يحفظون، ويحفظون أحسن ما يكتبون، ويمكن تقييد الفوائد بكتابة العنوان ورأس الفائدة مع رقم الصفحة ثم يُعمل لها فهرس عامٌ بعد ذلك.
وقال الشاعر ناصحاً القراء بتقييد الفوائد:
العلم صيدٌ والكتابة قيدهُ ***** قَيِّد صيودك بالحبـال الموثقـة
فمن الحماقة أن تصيد غزالة ***** وتتركها بين الحدائق طالقة
* التنويع في القراءة والمطالعة:
وذلك بتغيير الكتاب الذي يقرأ فيه أو تغيير الموضوع.
ثم إن القراءة في الكتب ذات التفاصيل والمسائل الكثيرة ربما يورث قسوة في القلب فيكون من المناسب مزج ذلك بشيء من الرقائق.
* إعادة القراءة:
وذلك لتثبيت المعلومات، ومن فوائد إعادة القراءة والاستفادة من معان جديدة لم يكن قد عرفها من قبل، وخصوصاً عند تدبر القرآن الكريم، فإنه لا تنقضي عجائبه ولا يشبع منه العلماء، فكلما قرأ القارئ بتدبّر وعلم أبصر معاني جديدة.
وإعادة القراءة في كتب العلم تثبِّت ما سبق حفظه وتُكسب حفظاً جديداً، وتفتح مجالات جديدة للفهم، قال بعضهم: إذا قرأت كتاباً جديداً للمرة الأولى شعرت أنني كسبت صديقاً جديداً، وإذا قرأته ثانية أحسست بأني أقابل صديقاً قديماً.
* وربما يكون من الحكمة في بعض الأحيان أن يجاوز القارئ ما لم يفهمه ويتعداه إلى ما بعد حتّى لا يضيع الوقت ويحصل الملل من طول التفكير فيما لم يتبين له معناه:
ولعله يعود إليه بعد ذلك أو يقرأه في موضع آخر بأسلوب آخر أو تتهيأ الفرصة للسؤال فيتبين له المعنى، على أنه لا يصح تبرئة الكاتب دائماً واتهام فهم القارئ؛ فربّما يكون الكاتب لم يحسن عرض الفكرة ولم يُوفَّق إلى درجة الوضوح المطلوبة لقلة بلاغته ونقص مقدرته على التعبير.
* التغلب على الشرود وعدم التركيز:
وهذه مشكلة تسبّب نفور الناس من القراءة وشعورهم بأنّهم لا يستفيدون شيئاً وربما تلاحظ أحياناً على نفسك وأنت تقرأ أنك قد ختمت الصفحة دون أن تعقل شيئاً، وذلك لأن العين تعمل بشكل آلي والقلب ساهٍ لاهٍ.
www.balagh.com