أذكر الله كثيرا
هذا الموضوع هو فى الأساس لمن أصبحت الصلاة عندهم آلية يقومون بها بلا تدبر
أما من لا يقومون بها أصلاً فلربما كان هذا الموضوع دافعاً لهم ليذوقوا ما فاتهم.
هى رؤية خاصة جداً وإحياء لمعانى الصلاة الحقيقية وإبرازها بصورة جلية لكى ندرك أهمية هذا الركن ولنعلم فعلاً أنه أول ما يحاسب عليه المرء لأنه حجر الأساس لكل الأعمال بل إنه هو الرابط الأساسى بينك وبين الله
سنرى معاً كل قيمة من قيم الصلاة بإحساس جديد
* الصلاة لوقتها (هل تذهب لمقابلة الله متأخراً؟):
كيف لك بخمس مقابلات محددة المواعيد مع رب العباد وخالق الأكوان يناديك فيه بإسمه الأعظم أن تأتى وتدعوه بما تشاء وتشكو إليه وتحدثه بما يجول فى نفسك، مالك كل شئ حدد لك مواعيد لمقابلته على مدار اليوم الواحد لتغسل أولاً بأول ذنوبك وتتوب وتستغفر لذنبك فسبحانه يعلم أن بنى آدم كثير الخطأ وسبحانه يغفر الذنب مهما عظم بل ويفتح لك بابه دوماً.
إذا كن حريصاً على الصلاة فى وقتها الذى حدده الله فهل تذهب إلى مقابلة حددها لك الله متأخراً
حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ الْوَلِيدُ بْنُ الْعَيْزَارِ أَخْبَرَنِي قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو الشَّيْبَانِيَّ يَقُولُ حَدَّثَنَا صَاحِبُ هَذِهِ الدَّارِ وَأَشَارَ إِلَى دَارِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ قَالَ الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا (2) قَالَ ثُمَّ أَيٌّ قَالَ ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ قَالَ ثُمَّ أَيٌّ قَالَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي بِهِنَّ وَلَوْ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِي. صحيح البخارى- كتاب مواقيت الصلاة.
وقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله)) وفي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من فاتته صلاة العصر فقد حبط عمله)) وفي وصية أبي بكر الصديق لعمر بن الخطاب أنه قال: (إن لله حقا بالليل لا يقبله بالنهار، وحقا بالنهار لا يقبله بالليل). والنبي صلى الله عليه وسلم كان قد أخر صلاة العصر يوم الخندق لإشتغاله بجهاد الكفار، ثم صلاها بعد المغرب، فأنزل الله تعالى: {حَـٰفِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوٰتِ وٱلصَّلَوٰةِ ٱلْوُسْطَىٰ} [البقرة: 238]. وقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم ((أن الصلاة الوسطى صلاة العصر)) فلهذا قال جمهور العلماء إن ذلك التأخير منسوخ بهذه الآية، فلم يجوزوا تأخير الصلاة حال القتال، بل أوجبوا عليه الصلاة في الوقت حال القتال.
* التأنى والخشوع (هل تنهى المقابلة هكذا سريعاً؟)
حبيبك الله خالقك والمتفضل عليك بكل النعم ما علمتها وما لم تعلم معك الآن يريدك أن تطلب منه ما تشاء هل تنهى الأمر معه سريعاً؟
قال تعالى:{ َاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة : 45].
قال تعالى:{ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ }[المؤمنون:1-2] .
كيف لك أن تفكر فى شئ آخر وأنت بين يدى خالق كل شئ وأنت بين يدى العزيز المقتدر وأنت بين يدى مقدر كل شئ كيف تلفت فكرك ووجهك عن وجه الكريم وهو موجهه إليك.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إذا صليتم فلا تتلفتوا فإن الله ينصب وجهه لوجه عبده في الصلاة ما لم يلتفت" [رواه مسلم].
تدبر تأمل فى كل ما تقول فهو خطابك لله عز وجل فإنك حينما تدرك كل هذه الأشياء وأكثر تنزل السكينة فى قلبك فيكون من الصعب عليك إنهاء هذا اللقاء العظيم.
أنظر معى إلى البداية تكبير الله وتعظيمه ثم إذا بك فى دعاء الإستفتاح تدعو الله بغسل ذنوبك وتنقيتك منها فتعود كما كنت أبيض ناصع وتخيل أنك فى كل صلاة تطلب هذا الطلب من رب العباد ثم تقرأ الفاتحة وما أدراك ما الفاتحة الجامعة لكل شئ سبحان الله
روى أبو هريرة رضي الله عنه قال :سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "قال الله تعالى :قسمت الصلاة بيني عبدي نصفين ولعبدي ما سأل ،فإذا قال العبد {الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }[الفاتحة : 2] قال تعالى :حمدني عبدي .وإذا قال {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة : 4] قال مجدني عبدي .وإذا قال {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة : 5] قال:هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل .فإذا قال:{ اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ [الفاتحة : 7,6] قال :هذا لعبدي ولعبد ما سأل "[رواه مسلم].
ثم إذا بك فى الركوع أول السبيل للخضوع لله تعظمه عز وجل سبحانك ربى العظيم سبحانك عدد خلقك وزنة عرشك ومداد كلماتك ما أعظمها من كلمات تستحضر بها تقصيرك وذنبك فتتذلل لرب الكون لعله يغفر لك ويرحمك
ثم ها أنت تقوم من ركوعك تحمد الله على أن سواك مرة أخرى حمداً طيباً مباركاً فيه ملئ السماوات والأرض وملئ ما بينهما وملئ ما شئت من شئ بعد هذه الكلمات تذكرك دوماً أنك مهما شكرت الله فلن توفيه حقه وأنه أكبر وأعلى وأنك مهما فعلت فإن حمدك وشكرك له لا يوازى نعمه بل إن نعمة الشكر نفسها نعمة لا يوفيها شكر سبحان الله
وإذا بك الآن عند أهم وأعظم ما فى الصلاة أنت الآن على وشك أعلى درجات الإستكانة والخضوع لله أنت الأن أقرب ما تكون الله سبحان الله تخيل وأنت ساجد الآن جبهتك وكل أطرافك على الأرض خاضعاً لله وحده لا لغيره مستحضراً كل روحك وقلبك لهذه اللحظة التى هى لحظة إجابة لكل دعاء إذا اخلصت لحظة رفع الدرجات
قال الله تعالى: {َاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ }[العلق : 19]. وقال صلى الله عليه وسلم :"أقرب ما يكون العبد من ربه هو ساجد،فأكثروا الدعاء فيه"[رواه مسلم] وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في سجوده:"سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة"[رواه أبو داود والنسائي] ويقول أيضاً:"اللهم اغفر لي ذنبي كله ،دقه وجله ،وأوله وآخره،وعلانيته وسره"[رواه مسلم]
تخيل حينما تذل نفسك لله عز وجل ويرفعك الله فى الدنيا والآخرة لأنك ما أذللت لنفسك لغيره وكيف لا وهو ذو القوة والملكوت والجبروت وهو العزيز القدير.
ثم إذا بك إلى التشهد وما أعظمه من موقف فأنت تلقى التحيات لله وتسلم على رسول الله وعلى نفسك وعلى عباد الله الصالحين وتجدد الشهادة وتصلى وتسلم وتبارك على سيدنا محمد وعلى إبراهيم وعلى آلهم أجمعين
سبحان الله إنها كلمات تنفطر لها القلوب وتنشق لها الأحجار مشاهد لا تود أن تنتهى أبداً فهو لقاء لا نعلم أيتكرر مرة أخرى أم سيوارينا التراب قبل تكراره.
وبعد ذلك تستعيذ بالله من فتنة المحيا والممات والدجال وعذاب القبر وهو أمر جلل فلا ملجأ ولا مفر إلا إلى الله
ثم تنهى هذه المقابلة وما أعظمها بالسلام .
إنها مشاهد عظيمة لابد من إستحضارها حتى نعيش وندرك قيمتها ولو بالقليل.
وعلينا أن نكثر من النوافل وقيام الليل لنتقرب أكثر وأكثر إلى الله عز وجل فينعم علينا بالإخلاص والخشوع والصدق فى القول والعمل ويرزقنا تقواه وتكون الصلاة ناهية لنا عن كل فحش ومنكر وتتحقق منها كل أهدافها وثمارها المعنوية والعملية والروحية.
رزقنا الله وإياكم صلاة فى مسجده الحرام ومسجد الحبيب المصطفى والمسجد الأقصى وثبات على الدين وهدى ورشاد على الطريق المستقيم
أقول قولى هذا وأستغفر الله لى ولكم
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته