الحياء زينة المرأة التي يجب أن تتزين به ؛ فمن فقدت حياءها فقد فقدت كل شيء وأصبحت فريسة لأهل الإغواء وأصحاب الهوى يفترسونها متى يشاءون ويبثون لها السموم متى أرادوا ولهذا رأينا في بادىء الأمر أن حياء المرأة وتمسكها كان حائلا كبيرا أمام دعوات التحرر و السفور الآتية من الخارج والتي وجدت صعوبة بالغة في إغواء النساء المسلمات وتغلغل الأفكار الهدّامة بينهم فما كان إلا أن استقطبوا بعض النساء التافهات راغبي التحرر عديمى الحياء فربوهم وعلموهم تلك الأفكار الخبيثة ثم أطلقوهم بين المسلمات ويسروا لهم كل العقبات وأمدوهم بما يحتاجون من الأموال والحاجات فخرجوا في الندوات والمؤتمرات وعلى الشاشات وكتبوا في الصحف والمجلات وبدأوا يقودوا حملة واسعة لتحرير المسلمات ووضعوا لها عنوانا جذّابا فسموها " حقوق المرأة وحريتها " وهو عنوان حق أريد به باطل ولكن للأسف أن هذه الدعوات وما استتبعها من برامج وأفكار بدأت تتغلغل بين النساء المسلمات حتى أصبحنا نرى جزء ليس بالقليل وقد اختلطت أفكارهم وساءت أخلاقهم وفقدوا حيائهم فأصبحوا جزءا من تلك الحملة التي تستهدف ضرب الإسلام من خلال تحرير المرأة من تعاليم دينها ألم تعرفي أختاه أنهم قالوا : " لن تستقيم حالة الشرق ما لم يرفع الحجاب عن وجه المرأة ويغطى به القرآن " وقالوا " ليس هناك طريق لهدم الإسلام أقصر مسافة من خروج المرأة سافرة متبرجة " وقالوا
مزقي يا ابنة العراق الحجابا *** وأسفري فالحياة تبغي انقلابا
مزقيه وأحرقيه بلا ريث *** فقـد كان حارسـا كـذابـا
وهذا هو مكمن الخطر الذي يجب أن نحذره ونُحذر منه المسلمات .
إن الحياء يا أختاه هو تاج فوق رأسك يجب ألا تتخلي عنه ولا تقبلي في يوم من الأيام أن تخلعيه مهما كانت الأغراءات ومهما كانت الظروف والأحداث فكما علمت أن أعداء الأمة لا يريدون خلع الحجاب أو النقاب وإنما يريدون أيضا وفي المقام الأول نزع الحياء من القلوب ولذا فإنه من الواجب علينا أن نستمسك بالحياء ونحافظ عليه حتى نكيد أعداء الله فالحياء لا يأتي إلا بخير كما قال صلى الله عليه وسلم " الحياء لا يأتي إلا بخير " " الحياء خير كله " ومن خيره أنه يحافظ على الأمة ويحميها من كيد أعداءها الذين يبغون الفساد وانتشار الشهوات وتسهيل قضاء النزوات ولهذا فإن المسلمة التي تريد الخير لها ولأمتها عليها أن تعيش بالحياء وتحافظ عليه وتسعى إلى نشره بين المسلمين وتضرب المثل والقدوة الحسنة في ذلك حتى يعم الخير ويزداد .
إن ما نراه اليوم من سوء أدب وقلة حياء إنما ينم عن ضعف في الأيمان فالنبي صلى الله عليه وسلم قال " الحياء والأيمان قرناء فإن ذهب أحدهما ذهب الآخر " ، كما أن الحياء شعبة من شعب الأيمان كما قال صلى الله عليه وسلم " الأيمان بضع وسبعون _ أو بضع وستون شعبة – أفضلها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الأيمان " ، ولقد مر النبي صلى الله عليه وسلم على رجل وهو يعظ أخاه في الحياء فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " دعه فإن الحياء من الأيمان " ، فالأيمان يدعوا إلى الحياء ويرغب فيه كما أن الحياء طريق للأيمان وشعبة من شعبه ولهذا لما ضعف الأيمان في نفوس بعض المسلمات رأينا قلة الحياء تطفح على كلماتهم وسلوكياتهم وأخلاقهم فانظر إلى حالهم في الطرقات والمواصلات وفي المدارس والمعاهد والجامعات وفي الأندية والمنتزهات وداخل المنازل وعلى الشاشات وفي الصحف والمجلات والأعلانات ستجد أننا أمام ظاهرة تستدعى الوقوف معها ودراسة أسبابها فتلك المرأة التي تصاحب أجنبي عنها وتجلس معه في الجامعة أو المنتزه أو تسير معه في الطرقات أو تسافر معه هنا وهناك.. إنها " عديمة الحياء " ... أو تلك المرأة التي تسمع منها تلك الضحكات الرنانة والكلمات البذيئة في المواصلات والطرق والمنتزهات.. إنها " عديمة الحياء " ... أو تلك المرأة التي تجلس مع قريناتها يتسامرون ويتحدثون في أشياء تخدش حياء الرجل فضلا عن حياء المرأة .. إنها " عديمة الحياء " ... أو تلك المرأة التي تختلط بالرجال اختلاطا محرما بل وتسعى إلى ذلك الأختلاط ولا تحاول تجنبه .. إنها " عديمة الحياء " ... أو تلك المرأة التي تتزين وتلبس ثيابا غير شرعي فيه من السفور والتبرج ما فيه .. إنها " عديمة الحياء " ... أو تلك المرأة التي تفرح بمعاكسة الآخرين لها لتشعر بإنوثتها أو التي تظهر خصيلات من شعرها لتبرز جمالها وليعلم الناس جمال شعرها ونعومته ونضارته .. إنها " عديمة الحياء " ... أو تلك المرأة التي تشاهد الصور العارية والأفلام الخليعة وتقلب صفحات المجلات الماجنة والجرائد ومواقع الأنترنت بحثا عن أخبار التافهين والتافهات ورغبة في التحدث إلى أصحاب القلوب المريضة والنفوس الأمارة بالسوء .. إنها " عديمة الحياء " ... أو تلك المرأة التي تخرج إلى الشواطىء وتنزع عنها الكثير من لباسها بدعوى التنزه والترفيه .. إنها " عديمة الحياء " ... أو تلك المرأة التي تلتقط خيوط الكلام لتتحدث مع الرجال وتضحك معهم .. إنها " عديمة الحياء " ... إنها صور كثيرة تعبر عن قلة الحياء وكلنا عنده من الأمثلة والمواقف والحكايات ما يدمي القلب ويعبر عما ذكرناه بل ويزيد عنه .
إن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا عن حال هؤلاء وعن سبب تلك الأفعال فيقول صلى الله عليه وسلم في الحديث " إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى : إذا لم تستحي فافعل ما تشاء " ففقد الحياء يستدعي أن يصنع المرء ما يشاء كما أن الفعل الذي لا يستحي المرء من فعله يصنعه ويُقدم عليه وكلاهما معنيان ذكرهما أهل العلم لهذا الحديث وعليه فإن المرأة التي ضاع حياؤها وصار مفقودا وغائبا عن حياتها ستجدها تفعل ماتشاء كما رأينا في بعض الصور التي ذكرناها ، وقديما قال الشاعر :
إذا لم تخشى عاقبة الليـالي *** ولم تستحي فاصنع ما تشـاء
فلا والله مافي العيش خـير *** ولا الدنيا إذا ذهب الحيــاء
يعيش المرء ما استحيا بخير *** ويبقى العود ما بقي اللحــاء
إن ما قيل هنا ما هو إلا دعو صادقة للمرأة المسلمة الطاهرة النقية التي تحب دينها وترغب في عزته وتخشى من عذاب ربها وترجوا الثواب والنعيم فإننا ندعوها وغيرها إلى أن ترجع إلى الحياء ولتتعلم من ابنة شعيب التي ضربت المثل والقدوة في الحياء حتى استحقت أن يحكى عنها القرآن ويخلد قصتها إلى يوم القيامة وكل امرأة حالها كحال ابنة شعيب فكأنما هي التي حكى عنها القرآن فالله يقول : فجاءته أحداهما تمشي على استحياء قالت ...... ) " سورة القصص " ، والقصة ببساطة أن نبي الله موسى عليه السلام رأى فتاتين يريدان السقيا ولكنهما يتأخران حتى لا يختلطا بالرجال فما كان منه إلا أن تقدم وسقى لهما وهذه من مرؤة الرجال التي قلما أن تجدها في زمان المادية والشهوات وبعد ذلك تولى إلى الظل فما كان من أبيهما بعد أن عرف قصته وما فعله من الخير لأبنتيه إلا أن أرسل إليه ليشكره فجاءت الفتاة الطاهرة الفاضلة العفيفة تمشي في غير تبذل ولا إغواء وإنما تمشي على استحياء فالمشية كانت على استحياء والقول والحديث على استحياء فبعض أهل العلم يقرؤن (فجاءته أحداهما تمشي على استحياء .... ) والبعض يبدأ مرة أخرى فيقرأ ( على استحياء قالت ... ) فسبحان من زين تلك الفتاة بالحياء وخلد ذكرها إلى يوم القيامة .
وفي النهاية فإن الحياء أختاه يجب أن يشمل كل سلوكياتكِ وأن يغمر حياتكِ كلها حتى تسعدي وتُسعدي من حولك فالمرأة ضعيفة الحياء هي تعيسة في واقع الأمر وتتعس من حولها بشقاءها وضلالها بل وتضر الأمة بأسرها فكم تعين على معصية وكم تمنع من طاعة وكم تضيع من أوقات الآخرين وكم تضعف من همم المؤمنين الذين يعز عليهم ما يرونه وما يسمعونه فكوني أختاه بحياءكِ معول بناء لا معول هدم هدانا الله وإياك إلى طريق الهدى والرشاد .
عزيزتي الفتاة:
اعلمي أن هذه الفترة من حياتك هي فترة تغيرات شاملة وسريعة في نواحي النفس والجسد والعقل والروح، وهي فترة نمو سريع في هذه الجوانب كلها، حتى قال عنها علماء النفس: إنها فترة انقلاب كامل، وقال آخرون هي مرحلة ثورة وتوتر.
ولكن عزيزتي الفتاة لا تنسي أثناء هذه التغيرات "الحياء".
وقد تساءلت في نفسي لماذا قل الحياء بين الفتيات؟
ربما يرجع ذلك إلى:
النشأة:
فمن شب على شيء شاب عليه. يقول الشاعر:
وينشأ ناشئ الفتيان فينا على ما كان عوده أبوه
ويقول آخر:
إن الغصون إذا قومتها اعتدلت ولن تلين إذا كانت من الخشب
الاختلاط
وكثرة احتكاك الفتاة بالفتى في المجالات المختلفة كالجامعة والعمل.
التأثير الخارجي
من مخالطة من قل حياؤهم أو تكررت رؤيتهم، سواء كان ذلك ناتجًا عن السفر إلى الخارج أو عن طريق كثرة متابعة وسائل الإعلام، أو غير ذلك فإن الأخلاق حسنها وسيئها تكتسب بالمخالطة.
كثرة خروج الفتاة
من بيتها أو الصحبة الفاسدة أو الغرق في المعاصي.
وأقول أخيرًا إنني أرجع قلة الحياء عند الفتيات إلى ضعف الإيمان والجهل بمعنى الحياء.
تعالي معي عزيزتي الفتاة، لنقف أمام هذا المشهد القرآني الجميل الذي تجسده لنا الآية الكريمة في سورة القصص فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ [القصص:25].
مشية الفتاة الطاهرة الفاضلة العفيفة النظيفة حين تلقى الرجال 'على استحياء' في غير ما تبذل ولا تبرج ولا تبجح ولا إغواء، جاءته لتنهي إليه دعوة في أقصر لفظ وأخصره وأدله يحكيه القرآن بقوله: إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا (القصص:25).
(لم تقل له: أحب أن أتعرف عليه.. ما اسمك؟ أنا اسمي كذا).
فمع الحياء الإبانة والدقة والوضوح، لا التلجلج والتعثر والربكة، وذلك كله من إيحاء الفطرة النظيفة السليمة المستقيمة، فالفتاة القويمة تستحي بفطرتها عند لقاء الرجال والحديث معهم، ولكنها لثقتها بطهارتها واستقامتها لا تضطرب الاضطراب الذي يطمع ويغري ويهيج، إنما تتحدث في وضوح بالقدر المطلوب ولا تزيد. [في ظلال القرآن ـ سيد قطب].
[ما معنى الحياء؟ هل هو خلق مكتسب أم غريزي؟
هل يمكن لمن لا حياء عنده أن يملك من الحياء ما يردعه عن المعاصي؟
وأخيرًا كيف نغرس الحياء في نفوسنا؟
وقبل الإجابة عن هذه الأسئلة هناك قاعدة عريضة توضحها لنا آية من كتاب الله ، أنه لابد من حاجز بين العبد وبين المعصية وهذه الآية هي قوله تعإلى: وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى[40]فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (النازعـات:40ـ41).
فتوضح لنا الآية شقين أساسيين هما:
خوف من مقام الله تعإلى
نهي للنفس وزجر لها عن هواها متى خالف أمر الله تعإلى.
وهذا الشق الثاني يكون عن طريق زراعة موانع وبناء حواجز داخل النفس ترفع مستوى تحكم وسيطرة الإنسان على نفسه ولذا كانت العناية الربانية ثم النبوية بهذا البناء عظيمة كما جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق».