أثر العبادة في تكامل الذاتأسرة البلاغ
تؤثر العبادات مجتمعة على بناء الشخصية الإنسانية، والصعود بها إلى
المستوى التكاملي، وتخليصها من كل المعوقات التي تمنع رقيها، وتكاملها
النفسي والإجتماعي.. من الأنانية والحقد والرياء والنفاق والجشع
والإجرام... إلخ.
لأن العبادة تعمل دائماً على تطهير الذات الإنسانية من كل تلك المعوقات،
وتساهم بإنقاذها من مختلف الأمراض النفسية والأخلاقية، وتسعى لأن يكون
المحتوى الداخلي مطابقاً للمظهر والسلوك الخارجي، لإزالة التناقض والتوتر
الداخلي، ولتحقيق إنسجام كامل بين الشخصية، وبين القيم والمبادئ الحياتية
السامية.. كما تعمل على غرس حب الكمال والتسامي الذي يدفع الإنسان إلى
التعالي، وتوجيه نظره إلى المثل الأعلى المتحقق في الكمالات الإلهية،
والقيم الروحية السامية، تمهيداً لإستقامة سلوكية خيرة تفجر في نفس
المتعبد ينابيع الخير، وتسخر قواه لصالح البشرية جمعاء؛ لأن العبادة
ممارسة إنسانية جادة لحذف الأنانية حذفاً تاماً، لتتفتح أمام الإنسان
الآفاق الرحبة، والتوجهات الواسعة، التي تستوعب الوجود كله بعد التحرر من
قيود الأنانية والخروج من سجنها الضيق الذي يشد الإنسان إليه، ويستعبده.
فالإنسان عندما يتعبد إنما يعبر عن حقيقة الموقف الإنساني أمام بارئه،
وعلاقة الإنسانية به، ليعيش الإنسانية كلها متمثلة في إنسانيته المتوجهة
إلى بارئها.
والعبادة بعد ذلك هي شعور دائم بوجود الله وإيقاظ مستمر للضمير والوجدان.
والعبادة ممارسة روحية لإخراج الإنسان من آلية الحياة، ورتابة سيرها
المادي الممل، والإنتقال بها إلى أجواء رحبة؛ يتنفس فيها الإنسان عبير
الراحة، ويتذوق طعم السعادة؛ فتتجدد قوى النفس وينبعث فيها إحساس
بالإستقرار والطمأنينة.
وللعبادة آثار وقائية، واخرى علاجية؛ تتمثل في إنقاذ المتعبد من التعقيد
واليأس والشعور بالذنب وتفاهة الذات، لأن وقوف الإنسان بين يدي الله
تعالى، وإستمرار العلاقة به؛ يشعره بقربه من مالك الوجود، وحبه له، وعطفه
عليه، كما يشعره بقيمته الإنسانية، وعلو قدره.
فالإنسان يستطيع من خلال موقفه التعبدي أن يكتشف أخطر عنصر في حياته، وهو
أهميته، وكرامته على خالقه، وعنايته به، وبذا يستمر شعوره بالأمل بإصلاح
نفسه، وإراحة ضميره من الإرهاق والإحساس بالذنب، ومن الشعور بالتفاهة
والضياع في الحياة.
www.balagh.com