وفي لحظاتِ الوداعِ ، شعرتْ اللؤلؤةُ بِنَوعٍ منَ الألمِ لأنّها ستُفارقُ حدائقَ البحرِ التي ترعرعَت فيها إلى حدائقَ أُخرى، ولكنَّ عزاءَها أنَّها تسعَى وراءَ الأرقَى والأكثرِ تحرُّراً..
أتَوا إليها مُسرعينَ _وفي دقائقَ_ أخذُوها ونهبُوا معها جمعًا من اللآلئِ الصديقَةِ ، كانوا يصرخُون لا يرغبُونَ، ولكنْ ما باليدِ حيلةٌ، إذْ يبدو أنَّ هذا نوعٌ منْ أنواعِ تطوُّرِ أهلِ الأرضِ.. وما إنْ خرجتْ وبدا بريقُها على سطحِ الماءِ , حتى استقْبلتْها الأيادي بحرصٍ واهتمامٍ.. وعندما وصلُوا إلى المختبرِ ، أخذوا اللؤلؤةَ الصغيرةَ ليُخرِجوها منَ الصَّدَفِ ، تألّمتْ وصرختْ ثمَّ خرجتْ إلى الحرّيةِ بعدَ الألمِ .. ضحكتْ حينما رأتْ كلَّ الوجوهِ تنظرُ إليها بتعجُّبٍ وابتسامٍ ..
غرّتْها الأمانيُّ ..
أخذوها ودقُّوها بالمطارقِ حتى يُدخِلوا بِها المسالكَ ، أخذوا صديقاتِها معها ليضعُوها في عقدٍ لؤلؤيٍّ جذابٍ .. باعوها في أرقى المحلاتِ .. اشترتْها امرأةٌ ذاتُ جمالٍ ووضعتْ العقدَ اللؤلؤيَّ في جيدِها، ومرتْ الشهورُ لتشتريَ المرأةُ عِقداً آخرَ لؤلؤياً جميلاً .. فتركتِ العقدَ القديمَ في الخزانةِ
حزنتِ اللؤلؤةُ فهيَ لا زالتْ ترى نفسَها بذاكَ الجمالِ ، ومرّتْ الأيامُ وهيَ في خزانتِها لا ترى النورَ .. حزنتْ حتى بهتَ جمالُها .. وصديقاتُها يصِحْنَ بها : أنتِ السببُ ، حرمتِنا من أكنافِ والدِينا إلى حيثُ الضياعِ والظلامِ.. اللؤلؤةُ الصغيرةُ : ظننتُها حريةً وتطوراً وجمالاً !!
ثم فُتحتِ الخزانةِ .. وأُخذَ العقدُ إلى أحدِ المتاحفِ لعرضِ المقتنياتِ القديمةِ .. وبقيَ العقدُ رخيصاً في عيونِ الناظرينَ، الكلُّ ينظرُ إليهِ ويمرِّرُ النظرَ إلى غيرِهِ..
اعتادتْ على ذلكَ .. واشتاقتْ العودةَ إلى البحرِ حيثُ الكلُّ يشتاقُ إليها ويصارعُ لأجلِها.. لكنَّها أتتْهم رخيصةً فضاعَ الثمنُ .. هكذا انتهتْ قيمتُها , وضاعَ تألُّقُها , غرّتْها تلكَ الحضارةُ الجوفاءُ إلا منْ أنوارٍ خادعةٍ