الجزائر عاصمة الثقافة العربية 2007م، القدس عاصمة الثقافة العربية 2009م، وبين الجزائر والقدس كانت دمشق عاصمة الثقافة العربية 2008م.
إنها دمشق العاصمة الأقدم بين العواصم المأهولة منذ أقدم عصور التاريخ .. مدينة المآثر والمفاخر، صاحبة العبق الحضاري .. الشهيرة بياسمينها .. ومائها.. وهوائها .. وغوطتها .. وفاكهتها .. ومسجدها .. والأشهر من ذلك كله طيب أهلها، إضافة إلى شهرتها باعتبارها ملتقى لطرق التجارة بين حضارات العالم القديم، وتعاقب عدد من الحضارات الكبرى عليها مما جعلها غنية بالآثار والثقافات المنوعة، وأعطاها خصوصيةً هامةً، وتميزاً متفرداً.
بسبب هذه المعاني، وإحياءً لروح التراث والثقافة العربية، كان اختيار مجلس وزراء الثقافة العرب للاحتفاء بدمشق عاصمة للثقافة العربية عام 2008م، ضمن مشروع العواصم الثقافية العربية. تقع دمشق وسط بلاد الشام، في سفح قاسيون، تحيط بها حدائق الغوطة، وتسقيها فروع بردى، لا أحد يعرف متى ولدت دمشق، ومن كان الذي وضع حجر الأساس في بنائها، ولكنها كانت حاضرة منذ الألف الرابع قبل الميلاد.
وفي الألف الثاني قبل الميلاد كانت دمشق عاصمة المملكة الآرامية، المملكة السورية الأعظم في التاريخ القديم .. التي كانت ذات منعة وسطوة وإرادة قوية وأحلام كبيرة.
وبعد سقوط الآراميين انتقلت دمشق إلى الآشوريين ثم إلى الكلدانيين، ثم حكمها الفرس.. ومن بعدهم اليونان المقدونيون سنة (333 ق.م)، وهكذا خبأت دمشق مخزوناً فكرياً ثرياً من خلال تعاقب تلك الحضارات.. وزاد ذلك من تألقها وغناها.. ثم أصبحت دمشق إحدى أهم الحواضر الرومانية، وإحدى أهم العقد بين الطرق التجارية وبقيت كذلك حتى دخول العرب المسلمين فاتحين سنة (635م)، وبذلك ولدت دمشق ولادة جديدة ليكون لها دور هام في نشر نور الرسالة الإسلامية ... توحيداً ... وعلماً ... وعدلاً ... ورحمة.
لم يكن العرب المسلمون غرباء عن أرض الشام فقد كانت القبائل العربية تسكن الشام منذ قديم الزمان، وكانت الرحلات التجارية متتابعة من مكة إلى بلاد الشام حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم زار الشام أكثر من مرة بصحبة عمه أبي طالب، أو متاجراً بمال خديجة رضي الله عنهافُتن العرب المسلمون بدمشق وعدُّوها جنة الدنيا، إضافة إلى ما أحاطوها به من قدسية بسبب ماجاء في فضلها في القرآن الكريم، والأحاديث الصحيحة المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك اختارها عدد من كبار الصحابة موطناً لهم ومن أشهرهم معاوية بن أي سفيان، وبلال مؤذن النبي، وأبو الدرداء أحد حكماء الصحابة.
وفي سنة (660م) اختار معاوية بن أبي سفيان دمشق لتكون عاصمة الدولة الإسلامية ومن دمشق امتدت الدولة الأموية شرقاً إلى الصين، وغرباً إلى تخوم فرنسا، وكانت الأموال تجبى إلى دمشق، والعلماء يتوافدون إلى عليها، وهكذا حكمت دمشق يومها نصف الدنيا، وأشعت علماً وخيراً على الدنيا كلها .. ثم أصبحت دمشق في يد العباسيين بعد سقوط دولة الأمويين سنة (750م)، وعندما بدأت الدولة العباسية تشيخ وتفقد قوتها استولى السلاجقة الأتراك على دمشق، وتولى أتابكتها مسؤولية الدفاع عن دمشق وبلاد الشام ضد غزوات الفرنجة.
وفي عهد السلطان نور الدين الشهيد، محمود زنكي أصبحت دمشق مرة أخرى مالئة الدنيا وشاغلة الناس، فقد حصَّن نور الدين سور دمشق، وبنى فيها المدارس للفقه والحديث والطب، ونشر العدل، وألغى الضرائب الجائرة، وأكثر من الأوقاف في أصناف الخير فكان عهده في دمشق عهد نهضة تقدمت فيه العلوم والفنون، والصناعة والتجارة، وانتشرت المنتوجات الشامية في المشرق وفي أوربا، كما قاد نور الدين الحرب ضد الفرنجة وخاصة بعد أن وحَّد المدن والإمارات العربية من الموصل إلى مصر، وتوفي نور الدين الشهيد بدمشق ودفن فيها.