موضوع: التاريخ بين العلم والادب الثلاثاء يوليو 21, 2009 6:04 pm
التاريخ بين العِـلم والأدبالأستاذ الدكتورحسن الحكيمأختلف الباحثون في تصنيف التاريخ ، إن كان علما ً أو فناً . فقد كان المفكرون والباحثون في العصر الذي سبق انبثاق الثورة الفرنسية عام 1789م. قد وضعوا التاريخ في حقل الأدب (( Art ))، ولكن هذا الرأي قد تغير بعد ذلك ،فعد التنويريون التاريخ علما ً له خصائصه من حيث التحليل والتدقيق والنقد ، حتىقرَّبوه إلى الفلسفة وأبعادها العلمية ، وأطلق على التاريخ لفظ العلم ((Since))،ودخل ضمن النشاط العقلي الذي أصبح الغرض منه الكشف عن الظواهر المادية وغيرها . وإذا كان التاريخ يحمل سمات العلم،فما عذر المترددين في وضعه في حقل العلوم . ولكنلوقربنا التاريخ إلى الدراسات العلمية الدقيقة ،وأبعدناه عن الطابع القصصيوالأسطوري ، عند ذلك أقترب من العلوم . وبما أنَّ التاريخ هو (( إستحضار الماضي ))،فلا بد لهذا الإستحضار من كشف دقيق عن آلياته وأدواته . بحيث ترتبط ملاحمه الماضيةبالتاريخ الحاضر ، إذا كانت آلياته مشتركة . فيقول الفيلسوف الإيطالي ( كروتشه ) فيكتابه (معنى الفلسفة بوصفها تاريخية مطلقة) : (( إن التأريخ بأجمعه هو تأريخ معاصر )) ، ويقصد بذلك استحضار رؤية الماضي من خلال عيون الحاضر ، وعلى ضوء مشكلاته ، وفقتقويم دقيق لأعمال الإنسانية .وشحذ ذاكرته البشرية عن طريق التذكير بالخبرات التيمارسها الإنسان في حياته وصراعه مع الطبيعة ، ويبقى الأمر مرتبطاً بالمؤرخ وعقليتهفي فهم الأحداث ، فإذا أراد إعطاء التاريخ الطابع الفلسفي ، صيره علما ً ، وإذاأعطاه الطابع الأدبي ، صيره فنا ً، فقد أعتمد أنصار الرأي الأول على الملاحظةالمنظمة للظواهر، والوقوف بدقة على حقائق النصوص . وفحصها بما يتوافق مع المنطقوالعقل ، وفي الضوء هذا يستند المؤرخ الواعي على التعليل والتحليل والنقد ، ووضعالزمان والمكان للحادثة في موضعهما المناسب . ولذا أدخل الأستاذ ((ريفان)) في كتابه ((مستقبل العلم)) مادة التاريخ في حقل العلوم ، وبرزت في الساحة العلمية مجموعة منالمؤرخين أخذت تنادي بالنزعة التأريخية . التي ترمي إبعاد التاريخ عن الأساطير . وأخذ المؤرخ الأستاذ (( هيوم )) بمبدإ يقينية بعض الوقائع التاريخية بصفتها واقعةوتجريبية ، ويمكن تطبيق هذا الرأي على أحداث التأريخ الإسلامي إذا ابتعدنا عنالانحياز الديني ،والمذهبي وتجريد النصوص عن القصص والمبالغات ، والأخذ بنظريةالتفسير الجمعي للحادثة التأريخية ، من دون الأخذ بالتفسير الأحادي للأحداث ، وقدنادى الأستاذ (( ديورانت )) في كتابه ( قصة الحضارة ) بنظرية التفسير المركبللتاريخ . وكانت بوادر التفسير العلمي للتاريخ عند العرب والمسلمين قد برزت فيكتاب(تجارب الأمم) لمسكويه ، وكتاب ( الفخري في الآداب السلطانية ) لأبن الطقطقي ((ابن طباطبا العلوي )) ، ومن بعدهما جاء ابن خلدون في ((المقدمة))لتاريخه المعروف (( العبر وديوان المبتدأ والخبر)) ، فمزج بين التاريخ والفلسفة والاجتماع ، وقدكانت نظرية ( توالي الحضارات ) التي أخذ بها أبن خلدون ، نجد بعض مضامينها عندالأستاذ (( توينبي )) وقد ربطت هذه النظرية بمفهوم التحدي والأستجابة ، وتقترب هذهالنظرية من نظرية النقيض، أي وجود قضية ما في قبال الاستجابة. وقد أخذ بعض فلاسفةالتاريخ بالتفسير الحضاري على أعتبار أنَّ الحضارة تلد وتموت ، ومثلها في ذلك مثلالكائن الحي ، ولم يفضل المؤرخون أهمية التأريخ الاجتماعي ، وهو على الرغم من صعوبةدراسته ، بسبب قلة الوثائق المعتمدة في هذا الجانب ، إتجه فريق من المؤرخين إلىدراسة التأريخ الاجتماعي الذي يركز في الغالب على التيارات الفكرية والمؤسساتالاجتماعية ، وأشار الأستاذ الدكتور صالح أحمد العلي في بحثه المنشور في مجلة ( آفاق عربية ) لسنة 1977م إلى التاريخ الاجتماعي بقوله: (( إن دراسة التأريخالاجتماعي لا تقتصر على جماعة محددة ، أو طبقة معينة ، بل ينبغي أنْ تشمل السكانكافة ومنظماتهم ، فتذكر خصائص ومميزات حياتهم والتطورات التي تعرض لهم)) .
موضوع: رد: التاريخ بين العلم والادب الثلاثاء يوليو 21, 2009 6:07 pm
وأن هذا اللون من التأريخ يتناول عادات المجتمع ، والحياة اليومية للسكان، والعلاقات الاجتماعية بين الطبقات ، والصلات العائلية وما يرتبط بالمجتمع منظواهر حضارية ، وقد حدد الأستاذ (( تريفليان )) مضامين التأريخ الاجتماعيبقولهإنه يبحث في أفكار الماضين،وأشغالهم،وعقائدهم،وحاجاتهم، وعاداتهم ، ويركزعلى الحياة اليومية والعلاقات البشرية ،والاقتصادية ، وموقف الإنسان من الطبيعة ،وخصائص كل عصر بالشكل الذي ظهرت فيه هذه الأحوال العامة للحياة ) ولذا أصبح المؤرخوالقارئ للتاريخ معنيا ً بدراسة الأحداث الاقتصادية ، والاجتماعية ، وغيرهما منمظاهر الحياة الإنسانية ، ويقول الأستاذ ((قسطنطين زريق )) في مقدمته لكتاب ( دراسةالتأريخ وعلاقتها بالعلوم الاجتماعية ) للأستاذ (( هيوج أتكن )) : ( إن المؤرخ فيدراسته هذه يأتي فهمه للماضي شاملا ً متزناً محللا ً عناصره المختلفة في مواضعهاالصحيحة)، ويذهب الدكتور حسن عثمان في كتابه (( منهج البحث التأريخي)) ( إلى أن منالضروري أنْ يكون المؤرخ واسع الثقافة ، عارفا ً بالعلوم المتصلة بدراسة التأريخوكتابته ) ، ويمكن أنْ تسمى العلوم الملازمة للمؤرخ، أو لغيره من الدارسينوالباحثين بالنسبة لموضوع كل منهم ( بالعلوم المساعدة أو العلوم الموصلة ) ، وأعطىالأستاذ الدكتور عبد العزيز الدوري في كتابه (( دراسات في العصور العباسية المتأخرة )) للتاريخ الاجتماعي أهمية كبيرة، لأنه يتناول الجوانب الاجتماعية والثقافيةوالاقتصادية والسياسية ،فما على المؤرخ إلا أن يكون أمينا ً،محايدا ،ًً بعيدا ًعنالعواطف. وأنْ يضع نفسه بمقام القاضي في محاكمة النصوص ، وإلى هذا المعنى أشارالمؤرخ الكبير ((الصفدي )) في كتابه( الوافي بالوفيات) إلى هذا الجانب بقوله : (( إنْ لا يغلبه الهوى فيخيل إليه هواه الأطناب في مدح من يحبه ، والتقصير في غيره ،بل أما أنْ يكون مجردا ً عن الهوى وهو عزيز ، وأما يكون عنده من العدل ما يقهر بهِهواه ،ويسلك طريق الإنصاف )) ، وإلى هذه الأسس التي يستند اليها المؤرخ أشار أليهاالأستاذ الدكتور طه حسين في كتابه (( الفتنة الكبرى )) بقوله: (( يجب على المؤرخأنْ يجرد نفسه تجريدا ً كاملا ً من النزعات ، والعواطف ، والأهواء مهما تختلفمظاهرها ومصادرها وغاياتها ، ولا يجوز للمؤرخ أن يتقبل كل وثيقة أو نص من دون فحصوأستقراء ، لأنها لا تعطي جذورا ً ومسببات )) . فإن المؤرخ لابد له من القيامبعملية توجيه وتعبئة لكل فترة من فترات التأريخ ، ويقول المؤرخ الأستاذ (( بيكر )) في كتابه: (المدينة الفاضلة )): (( إن التاريخ مهما كان أمينا ً لا بد أنْ يكتسبشيئا ً من ذاتية كاتبه حتى ولم يتعمد هذا لذلك، وأن كل جيل من الناس لا يجد محيصاًإذا مات، وأن يحصل على نوع التاريخ الذي يرضيه من أنْ يحتال على الأموات فينسبإليهم الأفعال والأقوال التي تكون نوع التأريخ الذي يريد)) ، وأنَّ الانحيازية التيذكرها المؤرخ ((بيكر)) قد تبدو واضحة عند بعض المؤرخين، وإنْ ادعى الأمانة والحياد، ولكن تبقى أمام المؤرخ مسؤولية إبراز الحقيقة ونقد النصوص والابتعاد عن السردالقصصي
موضوع: رد: التاريخ بين العلم والادب السبت يوليو 25, 2009 1:32 am
بارك الله فيك على المرور الطيب
******* قادم بـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــقــــــــــــــــــــــــوة ان شاء الله
موضوع: رد: التاريخ بين العلم والادب السبت يوليو 25, 2009 1:33 am
بارك الله فيك على المرور الطيب
******* قادم بـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــقــــــــــــــــــــــــوة ان شاء الله