كيف نستطيع أن نصنع مجتمعاً قارئاً؟
محباً للعلم والتعلم ومندفعاً نحو القراءة والكتاب؟
يبدو أن هناك العديد من العوامل التي من الممكن أن تلعب دوراً كبيراً في تنشيط عادة القراءة عند لأبناء المجتمع، وسأتحدث عن كل عامل منها على حده ــ الرغم من تداخل الكثير من الأدوار المشتركة فيما بنيها ــ وهي: الأسرة، المدرسة، المجتمع، الإعلام، الدولة.
أولاً: الأسرة ودورها في تنمية عادة القراءة
الكثير من الكتاب عندما يتحدث عن العوامل المؤثرة في تكوين وتنمية عادة القراءة ، يقوم بإدراج (الأسرة) كعامل أساسي وأولي في ذلك ، وما ذلك إلا لأن (قلب الحدث كالأرض الخالية ما ألقى فيها من شيء قبلته ) كما عبر عن ذلك الإمام علي رضي الله عنه، والطفل صفحة بيضاء فكلما نقش فيها لون تلونت تلك الصفحة بذلك اللون .. هذا بالإضافة إلى أن تقبل الطفل أكثر وأسرع من تقبل غيره .
ثانياً: المدرسة ودورها في تنمية عادة القراءة
مسألة إيجاد الطفل القارئ (المثقف) ليست مسؤولية الأسرة وحدها فحسب، ولكنها مسؤولية المدرسة أيضاً، والمدرسة الابتدائية هي الأساس في ذلك، ومن الأمور البديهية أن من أهم الأغراض التعليمية هي توجيه الأطفال نحو الكتب، إذاً علينا أن نبدأ البناء من أسفل وليس من أعلى فنركز على الطفل الذي هو شاب المستقبل، فنضع برامج تعليمية ومقررات دراسية نبرز فيها بصورة واضحة أن المكتبة والكتاب وغيرهما من المواد الثقافية هي العماد الذي يجب أن يعتمد عليه الطالب، فنربي في الطفل عادة القراءة والقراءة الحرة .
فليس من الصحيح أن نطلب من التلميذ أو الطالب في المدرسة أن يقرأ وبتثقف ذاتياً، اعتماداً على قراءات ومهارات خاصة يزاولها بنفسه دون أن نوضح له الطريق ، فالتعلم الذاتي وربما يكون هو الأسلوب الأمثل خلال عملية التعليم ولكن بعد أن نبين للطالب كيف يكون وبأي صورة يتم ؟
ثالثاً: المجتمع ودوره في تنمية عادة القراءة
تقع مسؤولية كبيرة على المجتمع كله وخصوصاً العلماء والمثقفون منهم نحو غرس هذا التوجه ــ القراءة ــ في نفوس أبناء المجتمع صغاراً وكباراً ، وذلك عن طريق مختلف الأساليب المتاحة والممكنة ، وخصصنا الكلام هنا عن العلماء والمثقفين دون غيرهم ، ذلك لأنهم يجب أن يكونوا في موقع القدوة والتأثير على أبناء المجتمع ، ويمكن أن يمارس هذا الدور عن طريق إقامة الندوات والمحاضرات التي تركز على هذا الموضوع المهم وأيضاً عن طريق إقامة المسابقات الثقافية المشجعة ، وغير ذلك من الأساليب ، كقيام المثقفين من أبناء المجتمع بإعارة كتبهم لمن يطلبها ؛ والعمل على إهداء ما توافر منها – بالنسبة لميسوري الحال منهم – فزكاة العلم تعليمه لمن لا يعلمه .
ولا ننس ضرورة مشاركة أبناء المجتمع ( رسمياً وشعبياً ) في إنشاء المكتبات العامة والعمل على تطويرها من أجل الترويج لعادة القراءة في المجتمع ، وكان من المفترض أن تسهم – المكتبات العامة – مع غيرها من أنواع المكتبات في خدمة المواطنين والمقيمين على اختلاف مستوياتهم الثقافية ، وتخصصاتهم العلمية ، وميولهم المذهبية، ومما يقترح في هذا المجال أن تكون في الجوامع والمساجد وأماكن العبادة عامة مكتبات مناسبة، فذلك قد يشجع من يؤم هذه الأماكن على القراءة وخاصة الناشئة منهم ، نتيجة للصفاء الروحي والتوجه الشعوري الذي عادة ما يحدث لمن يؤم هذه الأماكن فيغلب معه الاتجاه للكسب المعنوي الذي يعد الكسب المعرفي شكلاً من أشكاله .
ففي السابق كان اهتمام المسلمين كبيراً بالمكتبات ، وذلك إدراكاً منهم لأهمية الدور المناط بالمكتبة والكتاب في حياة الإنسان – الفرد والمجتمع – حتى أن ويل ديورانت في كتابه "قصة الحضارة" يقول : "كان عند بعض الأمراء كالصاحب بن عباد من الكتب بقدر ما في دور الكتب الأوروبية مجتمعة"، وتؤكد المستشرقة الألمانية زيفريد هونكه في كتابها القيم " شمس العرب تسطع على الغرب " نفس الحقيقة إذ تقول : " إن متوسط ما كانت تحويه مكتبة خاصة لعربي في القرن العاشر ، كان أكثر مما تحويه كل مكتبات الغرب مجتمعة "، أما في عصرنا الحاضر، فإننا نشكو من مشكلة " عدم الوعي بأهمية المكتبات في التنمية والتربية والبحث والثقافة، ولا يقتصر عدم الوعي هذا على المواطنين العاديين، ولكنه ينسحب – وهذا هو الأخطر – على المسئولين الحكوميين أصحاب القرارات.
رابعاً: الإعلام ودوره في تنمية عادة القراءة
في بعض الأحيان قد تسأل صديقاً لك،
ماذا تقرأ ؟
فيجيبك: إنني أقرأ الكتاب (الفلاني)
تسأله لماذا بادرت في قراءته ؟
يجيبك: قرأت له عرضاً في إحدى المجلات، أو رأيت إعلاناً له في إحدى الصحف اليومية.
من خلال هذا المثال البسيط نستشف أهمية الدور الذي يمكن أن يمارسه الإعلام المكتوب وكذا المرئي والمسموع في الترويج لعادة القراءة في المجتمع، ومما لا شك فيه أن لوسائل الإعلام قدرة كبيرة في التأثير على سلوكيات المشاهد وتفكيره، فوسائل الإعلام العصرية غيرت الكثير من عاداتنا وتقاليدنا، ولسنا في حاجة لسرد القصص والوقائع لإثبات ذلك؛ فالقارئ يستحضر في ذهنه – أمثلة عديدة – كما أتصور.
فالإعلام بإمكانه أن يقدم لنا جرعات صحية باستطاعتها أن تدفعنا للقراءة والكتابة ، من خلال عرضه لكتاب صدر حديثاً أو كتاب قديم كان له تأثيراً على مجتمع من المجتمعات ، وكذا عقد لقاءات مع مؤلفين لهم تأثيرهم على أبناء المجتمع ، ليتحدثوا من خلال برنامج تليفزيوني (مثلاً) عن أحد مؤلفاتهم وبالخصوص الحديثة الصدور، وغير ذلك من أمور .
ففي هذا الصدد يطيب لي أن أتحدث باستطراد عن فكرة " نادي أوبرا للكتاب" البرنامج التليفزيوني الذي تقدمه أوبرا وينفري على شاشة التلفاز، فقد ظل الكثير يعتقد أن الجمع بين متفرقين – التلفاز والكتاب – يبدو صعباً، بل يكاد الكثير يجزم بأن حرباً بينهم لا تسمح لهما بالالتقاء، حتى جاءت فكرة البرنامج ، فأصبح التلفاز نافذة لمكتبة تبيع الكتب ، نافذة يطل عليها عشرة ملايين في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها ، وخمسة عشر مليوناً خارجها، البرنامج الذي أدهش دور النشر ومطابع الكتب، فبمجرد عرضه تتطاير من رفوف المكتبات مئات الألوف من نسخ الكتب، يشتريها أناس ما عرفوا القراءة من قبل.
في كل شهر تقف " أوبرا " أمام عين الكاميرا ، وبيدها كتاب، مخاطبة متابعيها هكذا : " هذا اختياري كتاب لهذا الشهر ، أريدكم أن تذهبوا لمكتبات بيع الكتب، أريدكم أن تشتروا هذا الكتاب، أريدكم أن تقرءوه، ثم تطلب منهم أن يبعثوا رسائل إلكترونية أو ورقية محتوية تفاعلهم مع النص، ومن بعد، يتم اختيار أربعة أشخاص من مجموع كتاب الرسائل تلك، يطيرون ــ على حساب برنامج أوبرا ــ من أجل الالتقاء بمؤلف ذلك النص ، وتناول العشاء على مائدة أوبرا ، والتي يتم حولها نقاش النص وتجربة مؤلفه، وتجربة القراء الأربعة، ومداخلات أوبرا ، أمام عين الكاميرا الراصدة ، لتعرض مقاطع من ذلك النقاش، وفكرة عن الكاتب، خلال حلقة البرنامج المعنية ".
نعم ، نحن بحاجة لبرامج كهذه يعرضها التلفاز للتشجيع على عادة القراءة ولبيان ما للمكتبة والكتاب من أثر على حياة الأفراد والشعوب صعوداً أو نزولاً ، بدلاً من تركيز وسائل إعلامنا ( المرموقة ) على الرياضة التي أكلت الأخضر واليابس !! فلابد أن يقول لنا الإعلام بأن ( حاجتكم إلى القراءة كحاجتكم إلى الشراب والطعام ).
خامساً: الدولة ودورها في تنمية عادة القراءة
من الأدوار التي يمكن للدولة أن تقوم بها من أجل التشجيع على تكوين عادة القراءة في نفوس المواطنين ، قيامها بعمل البرامج الإذاعية والتليفزيونية التي تصب في هذا المضمار – بما أن أغلب إعلامنا رسمي – كقيامها بعمل الندوات والمحاضرات التي تتحدث عن القراءة وأهميتها في الارتقاء بفكر المجتمع وسلوكه وكونها السبيل الذي من خلاله نستطيع أن نعمل على بناء مستقبل أفضل لمجتمعاتنا .
كذلك دعمها للبرامج التي تهدف إلى التعريف بالإنتاج الفكري سواء كان عالمياً أو محلياً ، خصوصاً أن الرغبة في متابعة الإنتاج المحلي موجودة لدى الكثير من الناس الذين لم يتعودوا مسك الكتاب ومداعبة أوراقه ، وقد قامت الدولة الفرنسية بمحاولة من هذا الطراز كتب لها النجاح.
فبإمكان الإذاعة أو التلفاز أن يقوما بالتعريف بإنتاج المواطنين في مختلف مجالات المعرفة، فما يضير إعلامنا لو والعقل.عياً بالتعريف بالإصدارات الثقافية والفكرية لأبناء الوطن ؟
ما الضير لو عرض لنا من خلال شاشة التلفاز برنامجاً يتحدث حول أفكار كتاب جديد عن الأساليب الحديثة لتربية الأبناء والارتقاء بمستوياتهم الثقافية والعلمية ؟ ما الضير لو عرض لنا كتاباً يتحدث عن التسامح وضرورة حل مشاكلنا وقضايانا التي هي محل الخلاف عادة بمنطق الحوار والعقل.. لا بمنطق العصا والسلاح ؟ أليس في ذلك الصلاح والخير لنا ؟!
فالدولة في الغرب مثلاً " تعلم تمام العلم أن سر التقدم والتفوق على الإبداع ، وأن ما من شيء يؤمن استمرارية هذا الإبداع سوى تشغيل العقل النقدي بالقراءة الدائمة والمجددة للأفكار . فالمطالعة ، من هذا المنطلق عادة حيوية للذهن تحثه على تخطي نفسه باستمرار ، فمن هذا المنطلق بالذات تقع على الدولة المسئولة مهمة السهر على عدم تراجع القراءة عند أبناء شعبها ، وبخاصة عند شبابها ، حيث أنه بذهاب القراءة يذهب الإبداع ، ومعه تذهب القدرة على المنافسة والصمود " .
إننا كشعوب ننتظر بفارغ الصبر ذلك اليوم الذي تقوم فيه حكوماتنا بإهدائنا المزيد من المكتبات العامة – التي تعد في الغرب من أهم مراكز الإشعاع الثقافي والتربوي – كما فعل "هارون الرشيد" حينما قام بإهداء " مكتبة بيت الحكمة " لبغداد ، تلك المكتبة التي بلغت شهرتها الآفاق ، وكما فعل غيره من الأمراء والحكام الذين حكموا في البلاد الإسلامية أبان العصر الذهبي للمكتبات الإسلامية.
في التسعينات ( 1993م ) شعر الفرنسيون بانخفاض في نسبة القراء ، حينها نزل وزير الثقافة الفرنسي ومعه كبار المؤلفين والكتّاب إلى الشوارع والحدائق العامة والمراكز الثقافية ويتحدثون مع الناس من حولهم عن القراءة والكتب في مهرجان عام أسموه ( مهرجان جنون المطالعة ) ، هكذا هم يفعلون.
توصيات:
- يجب أن تسعى الأسرة لخلق شعور في نفسية الطفل بأنه منتسب إلى عالم الثقافة والفكر وذلك من خلال الاهتمام بآرائه ومقترحاته حول ما يقرأ.
- أن تهتم كل أسرة في المجتمع ، بإنشاء مكتبة منزلية وتعمل جاهدة على تزويدها بالكتب والإصدارات الثقافية المختلفة ومن المهم أن تحتوي – المكتبة – على نصيب وافر للأطفال ، إن لم نقل بضرورة عمل مكتبة خاصة بالأطفال .
- توفير الكتب المناسبة للطلاب في المراحل الدراسية المختلفة ، والتي تتميز بخاصية الجاذبية في الشكل والسلاسة في الأسلوب .
- أن تقام معارض للكتاب في المدرسة، بالإضافة إلى إقامة المعارض على مستوى المنطقة والدولة وأن تكون هناك مساحة جيدة من الحرية ، حيث يتاح لدور النشر المشاركة في عرض أكبر عدد ممكن من الكتب والإصدارات الثقافية الجديدة.
- أن تخرج المكتبات إلى الناس، لا أن ننتظر قدومهم ! ، بمعنى أن تقام ندوات ومحاضرات موسمية ( مثلاً ) لاجتذاب القراء، ويمكن أن يتمثل هذا الخروج عن طريق إقامة المعارض السيارة للكتب وبالخصوص في القرى والأرياف.
- تزويد المكتبات ( المدرسية، العامة... الخ ) بالوسائل السمعية والبصرية وخدمة الحاسوب التي تسهم في جذب القراء بتقديم خدمة سريعة لروادها .
- تنظيم الرحلات المدرسية المنتظمة لمعارض الكتب المحلية .
- مكافأة كل طالب يأتي بمعلومة جيدة ( خارجة ) عن الكتاب المقرر. وكل طالب متميز يكتب مقالة للصحيفة الحائطية (في المدرسة، في البيت، في المسجد ، ... الخ ).
- إصدار طبعات شعبية للكتاب بأسعار مقبولة – كما هو الحاصل في دولة مصر – يمكن للشباب أن يقتنيها والعمل على توفير الكتاب المناسب لمن يطلبه.
- ضرورة مشاركة أبناء المجتمع في عمل الدراسات والبحوث والمقالات، التي تسعى وتهدف لإيجاد الحلول لهذا الموضوع المهم.
- أن يأخذ الكتاب مكانه الطبيعي المرموق في وسائل إعلامنا المختلفة ، ويكون هناك تركيز على البرامج الثقافية التي تثير اهتمام المشاهد .
- أن تعقد برامج تليفزيونية، يشار فيها بالبنان إلى المؤلفين وكتاباتهم، وبالخصوص الوطنيين منهم ليكونوا قدوة وأسوة.
- دعم الكتب والإصدارات المختلفة التي تعنى بأدب الأطفال .
- قيام الدولة بتزويد جميع المراكز الحكومية من وزارات ومستشفيات و .. الخ بالإصدارات الثقافية المختلفة ، خصوصاً الجرائد اليومية ، فالمراجع للدوائر الحكومية يبقى أحياناً لفترة طويلة منتظراً دوره ، فلو وفرنا له مجلة أو جريدة في ركن خاص لربما استمتع بقراءتها وقضى على ملل الانتظار .
التقدم التكنولوجي في وسائل الإعلام:
مع التطور التكنولوجي والتقدم والسرعة ــ التي أصبحت سمة هذا العصر ــ بدأ الاتجاه نحو القراءة يضعف وازداد إقبال الناس على الأجهزة الحديثة المرئية والمسموعة وبظهور الأقمار الصناعية التي تربط الشعوب من أدنى الأرض إلى أقصاها انخفض الإقبال على القراءة، وتدنت أهمية القراءة عند العديد من الناس بظهور الكمبيوتر الحافظ للكتب وهو جهاز صغير يبرمج بعض الكتب فيقوم بحفظ المعلومات التي تحويها كاملة بحيث يستطيع الفرد قراءة الكتاب في دقائق معدودة. ويرى المثقفون والمفكرون والأدباء أن ظاهرة العزوف عن القراءة ليست ظاهرة خاصة تنفرد بها مجتمعاتنا العربية فقط وإنما هي سمة تسود دول وشعوب العالم أجمع.
ويرى هؤلاء أن التقدم التكنولوجي في وسائل الإعلام ليس هو السبب الوحيد في تلك الظاهرة بل إن هناك أسباباً أخرى لا تقل أهمية يأتي على رأسها المشاكل والأزمات السياسية والاقتصادية التي تحيط بالناس بالإضافة إلى الحروب التي تشتعل في الدول بين الحين والآخر .
ومن المؤكد أن شبكة الإنترنت أو الكتاب الإلكتروني وعلى الرغم مما يوفرانه من قدرات ومزايا عظيمة في مجال تداول المعلومات المركزة فإنهما ليسا الوسيلة ذات الأفضلية لدى القراء وهو ما يؤكد استمرارية الكتاب في أداء رسالته التثقيفية والتعليمية وفي الحفاظ على نشر الفكر والثقافة والأدب لعقود كثيرة مقبلة .
كثيرون من القراء في هذا الزمان لا يصبرون على الكتب العلمية التي تحتاج إلى الرؤية وبعد النظر ودقة الفكر ؛ لأن وسائل اللهو ومشاغل العيش وأعباء الحياة تحول بينهم وبين ذلك، هذا فضلاً عن أن استيعاب العلم يحتاج إلى جو هادئ بعيد عن الضجيج والعبث واللهو، وهذا لا يتيسر – مع الأسف – في كثير من البيوت والمجتمعات، وهذا من الحضارة الحديثة التي غرتنا في بيوتنا وأسواقنا ومجالسنا فتركت فينا الأثر السيئ، وألحقت بنا وبأخلاقنا وسلوكنا الضرر البالغ !!
اليوم العالمي للكتاب والمكتبات الإلكترونية ومعارض الكتب والعزوف عن الكتاب:
يحتفل العالم كل عام باليوم العالمي للكتاب وحقوق النشر الذي يصادف يوم 23 من شهر أبريل، ويعود الاحتفال بهذا اليوم إلى عام 1995م عندما أتخذ المؤتمر العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) قراراً بأن يكون يوم 23 أبريل من كل عام يوماً عالمياً للكتاب وحقوق النشر .
واليوم يعيش الكتاب مرحلة التنافس مع الوسائل التكنولوجية الجديدة في مجال حفظ وتداول ونشر المعلومات بعد أن تزايدت الأصوات التي تقول بانتهاء الكتاب في شكله التقليدي واتجاه القراء عبر شاشات أجهزة الكمبيوتر بأشكالها المختلفة.
ولتحقيق أهداف القراءة منذ الصغر طبق المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت في عام 2000 برنامجاً علمياً بعنوان ( لماذا نقرأ؟) وهو برنامج موجه لفئة الشباب يحرص من خلاله المجلس على غرس حب القراءة فيهم وتشجيعهم على ارتياد المكتبات العامة وترجمة ذلك في إبداعات أدبية مختلفة، ويستهدف البرنامج القضاء على تفشي ظاهرة العزوف عن القراءة وعلاجها بشكل علمي وموجه للفئات العمرية من 6 إلى 12 عاماً .
وسيعمل البرنامج على خلق قاعدة ثقافية من الشباب وتنمية قدرتهم على التعبير عن الأفكار الخاصة بجمل بسيطة سليمة بالإضافة إلى تشجيعهم على القراءة اليومية لمدة 10 إلى 20 دقيقة لخلق عادة القراءة وكذلك تشجيعهم إلى توجيه العادة للقراءة المنهجية.
كما أن هناك مشروع رائع وطموح وهو مشروع واحة الأمير سلمان للعلوم بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم برنامج موجه للطلاب وأسرهم لغرس حب القراءة بأساليب علمية مشوقة .
القراءة ليست هواية :
تكفي الإحصائية التي قرأتها في جريدة محلية للدلالة على مدى معاناة الكتاب معنا كعرب إذ قرأت في الإحصائية أن متوسط ساعات القراءة في إحدى الدول الأوروبية يصل إلى 200 ساعة سنوياً، بينما تنخفض هذه الساعات وتتقلص و"تنبطح" إلى 6 دقائق فقط سنوياً للفرد العربي ! والعهدة على الصحيفة .
وقد قامت إحدى الباحثات بدراسة قبل سنتين على أحد مراكز التدريب النسائية في موضوع القراءة واستخدام المكتبة الموجودة في المركز. النتائج كانت مذهلة أكثر من 41 % من المتدربات طوال سنوات التدريب لم تعتب أرجلهن داخل المكتبة لاستعارة كتاب واحد 70 % تقريباً يقرأن فقط ما يطلب منهن ومعظمها تكون مناهج دراسية 66 % منهن قراءاتهن تقتصر على المواضيع العامة من المجلات (النسائية) والصحف المحلية 71.6 % يعتقدن أن الاستمتاع هو الهدف الرئيسي من وراء القراءة .
وتم عرض نتائج الدراسة على زميلة عمل أمريكية فعلقت عليها وقالت " أعتقد أن العرب في مرحلة من مراحل تاريخهم كانوا يقرؤون ليتعلموا أما اليوم فإنهم يتعلمون أن يقرؤوا فقط " .
المعرفة قوة – المعرفة تحرر :
إن خاصية المعرفة لا تنصب فقط في رفع قدرة الفرد على القراءة والكتابة وإجراء بعض العمليات في الرياضيات بل في تشكيل اللبنات الأساسية لاستقلاله الذاتي وتزكيتها لمشاركة إيجابية في المجتمع الذي ينتمي إليه.
وفي فترة الدراسة فإن الطفل يريد أن يقرأ هو بنفسه ويظهر مدى براعته في القراءة. وهنا يجب أن نستغل هذه الفرصة المتاحة لنا في توجيه الطفل إلى القراءة الصحيحة والمفيدة، وهنا يظهر لنا منافسان أو منافسون ألا وهم (التليفزيون والكمبيوتر وحتى الإنترنت) في وقتنا الحالي، فنرى بأن الطفل توجه إلى هذه الوسائل بشغف وهذا طبيعي. لذا يجب على الأهل أن يعطوا للقراءة حصتها ضمن هذه الوسائل. وكلما كان الأهل من المهتمين بالكتاب والقراءة كان الطفل كذلك .
وكذلك فإن وجود مكتبة أو رفوف مخصصة للكتب يشكل حافزاً على جعل الطفل يتطلع لأن يكون قارئاً جيداً، وعاملاً جيداً لنشوء علاقة صداقة حميمة بين الكتاب والطفل.
وبعد هذه المرحلة وحتى بداية مرحلة الشباب يتوجب على الكتاب والمؤلفين ودور النشر الاهتمام بهذه الفئة من المجتمع بتأليف ونشر الكتب والقصص التي تحد من تأثير المغريات التي ذكرناها سلفاً (التلفزيون والكمبيوتر والإنترنت) من خلال اهتمامهم بأدب الأطفال، ذلك لأنه أقوى أساس يقوم عليه التكوين العقلي والنفسي والعاطفي لهذه الفئة وخير سبيل ينمي مدركات الخيال ويرهف الإحساس بالجمال عند الأطفال وأحسن أسلوب تتأصل به القيم السياسية والاجتماعية، وترسو به قاعدة العواطف الدينية والقومية عند الناشئة، فينمو الطفل من حالة العيش حول ذاته إلى كائن اجتماعي يتمركز حول الآخرين وتتحول المتعة عنده إلى الخلق والإبداع .
القراءة قضية من ؟
هي قضية الجميع، بدءاً من الأسرة التي تتحمل مسؤولية رعاية الميول وتنمية الاتجاهات نحو القراءة منذ الصغر، مروراً بالمدرسة التي تتولى مسؤولية تعليم القراءة، وتعزيز حبها في نفوس الناشئة، ثم المجتمع بجميع مؤسساته التي تتحمل مسؤولية تشجيع القراءة وتيسير الحصول على مصادرها، وانتهاء بأعلى سلطة في الدولة، ومسؤوليتها في رعاية برامج ومشروعات القراءة بوصفها عاملاً مهماً من عوامل رقي الوطن، ورفعته، وعلو شأنه في أوساط الأمم الأخرى .
وتقدم الأمم مرهون بمدى قراءة أفرادها، وقد سأل فولتير مرة : من يقود الأمم ؟ قال : الذين يقرؤون ويكتبون، ولم يقل : الذين يعرفون القراءة أو الكتابة .
لم يصل مستوى القراءة والوعي القرائي في الدول المتقدمة إلى ما وصل إليه إلا لما شغلت اهتمام الجميع . وقد ترجم هذا الاهتمام في مظاهر عدة أبرزها إنشاء الجمعيات العلمية المتخصصة في القراءة والتي من أبرز أهدافها نشر الوعي القرائي في أوساط الناس، وتنظيم الأنشطة والبرامج والمحاضرات والندوات التي تخدم تلك الأهداف . وهذه الجمعيات العلمية لا يقتصر نشاطها على فئة المثقفين والأكاديميين فقط – كما هو الحال في الجمعيات العلمية لدينا – بل يمتد إلى فئات الشعب المختلفة خصوصاً الأطفال، والآباء والأمهات، والمعلمين، والمهنيين في جميع التخصصات، في الطب والهندسة والعلوم والتقنية وغيرها، فالقراءة ليست حكراً على فئة دون أخرى، بل هي هم الجميع، وفن الجميع، ومطلب الجميع، ومن أشهر الجمعيات في هذا المجال "جمعية القراءة العالمية"، وهي جمعية أمريكية الأصل والمنشأ لكن لها فروعاً كثيرة في بلدان العالم المختلفة . وهذه الجمعية تصدر عدداً من الكتب الموجهة والعلمية المتخصصة كل سنة، وتقيم عدداً من المعارض والمناشط العامة، فضلاً عن المؤتمر السنوي الذي يحضره أكثر من عشرين ألفاً من الآباء والمعلمين والخبراء والأكاديميين .
إننا أمة لا تقرأ !
إن ما يتم ترجمته من عدة لغات إلى اللغة الإسبانية فقط أضعاف ما يتم ترجمته في الوطن العربي بكامله ويصدر لديهم من الكتب ضعف ما يصدر لدينا عدة مرات وتجد هناك أعداداً كبيرة في أوروبا وأمريكا وشرق آسيا تقتني هذه الكتب بشكل كبير حيث تنفذ ملايين النسخ من الكتاب الواحد من الأسواق في وقت وجيز وقد يحتاج إلى عدة طبعات ليواجه الطلب . بينما لدينا تتم طباعة آلاف النسخ من أي كتاب ويبقى في الأسواق مدة طويلة قبل أن ينفد وهذا لا يعود لابتعاد كثير من فئات المجتمع عن القراءة ومتابعة كل ما هو جديد في عالم اليوم.
الأسباب المؤدية للتخلي عن الكتاب والعزوف الجماعي عنه :
- غياب القدوة داخل المنزل فكثير من الآباء والأمهات في مجتمعنا بالذات لا يعطون الكتاب الاهتمام الكافي ولم يسبق لكثير من الأبناء أن شاهد أحد والديه ممسكاً بكتاب وقليلاً ما يحاول أحد الآباء أن يوفر كتباً مناسبة لأبنائه وخاصة في سن مبكر حيث يتم غرس حب القراءة في هذا السن بشكل كبير، وسوف يتأثرون إيجابياً إذا تعودوا على رؤية أحد والديهم وهو يقرأ ويعتني بالكتب حيث سيقوم بتقليده ومن ثم يصبح حب الكتاب عادة يتعود عليها الأبناء .
- غياب المكتبة المتحركة حيث أن كثيراً منا يهتم بجميع مرافق المنزل ويتجاهل مسألة توفير مكتبة منزلية.
- إغفال أهمية التوجيه المستمر من قبل الآباء والمعلمين للأبناء بضرورة الإطلاع وأهميته وحثهم وتشجيعهم على ارتياد المكتبات وأن الكتاب وسيلة مهمة للتحصيل العلمي والثقافي وذو أهمية كبرى في حياة الشخص حتى بعد تركه مقاعد الدراسة وعدم وجود الحافز المعنوي وخاصة لصغار السن .
- وجود المكتبات العامة بمنأى عن الأحياء السكنية في غالب المدن حيث إن الآباء ليس لديهم الاستعداد الدائم لتوصيل أبنائهم إلى المكتبة.
- وجود وسائل الترفيه المتعددة والقنوات الفضائية التي أصبحت في كثير من المنازل حيث أصبح الأبناء يقضون جل وقتهم في متابعتها.
الأفكار والحلول المقترحة لعلاج ظاهرة ضعف القراءة:
- توعية الآباء بدورهم الهام جداً في تربية الأبناء على حب القراءة والإطلاع وكونهم القدوة الحسنة ودور البيت المهم حيث إنه البنية الأساسية في المجتمع فإذا كان دوره إيجابياً وفعالاً انعكس ذلك على المجتمع بصفة عامة.
- إيجاد المكتبة المنزلية أمر ضروري واعتبارها من الأولويات المهمة في كل منزل حيث تعد المرجع الأول لكل طالب بحيث تتضمن مجموعة متعددة من الكتب ابتداء من القصص المخصصة للأطفال وانتهاء بأمهات الكتب .
- فتح فروع من المكتبة العامة في كل الأحياء لتكون قريبة من سكان الحي بحيث يسهل التردد عليها ولتكون جدواها أكبر من كونها في موقع واحد بعيداً.
- أن يوضع في الاعتبار أن أي مخطط جديد لابد من إيجاد أرض مخصصة للمكتبة أسوة بالحدائق والمراكز التجارية فهي في الواقع أهم بكثير واعتبارها شرطاً إلزامياً للموافقة على أي مخطط يتم إنشاؤه.
- إيجاد مناهج لتعليم الطالب وإرشاده إلى كيفية الرجوع للمصادر وكيفية استخدامها، وهذا الأمر ربما يكون متاحاً نوعا ًما حالياً من خلال مادة المكتبة والبحث، ولكن في ظل الظروف التعليمية التي نعيشها الآن في مدارسنا، فالأمر ربما يكون صعباً للغاية نظراً للزيادة في عدد المواد المقررة، ونظراً لاعتمادها بصورة كبيرة على عملية التلقين أثناء التدريس، وعلى عملية الحفظ عند المراجعة، وهذا أسلوب خاطئ، كما يتحدث الكثير من التربويين، فالمدرسة بإمكانها أن تعمل على تغيير اتجاهات الطلبة والانتقال بهم من حالة العزوف عن القراءة إلى حالة الولع بها، وينبغي للمدرسة أن تقوم ببعض ذلك الدور من خلال إيجاد حصة القراءة الحرة التي يختار الطالب أثناءها ما يريد قراءته من مواد بتوجيه من أمين المكتبة، وكذلك باستخدام أسلوب القصة خصوصاً في المرحلة الابتدائية، ولن يكون ذلك إلا بوقفة شجاعة من المسئولين لبدء إصلاح السياسات التعليمية في وطننا العربي والإسلامي .
- توفر الكتاب بسعر مناسب فالقارئ يحصل على الكتاب ويوفر عليه الانطلاق إلى المكتبة وطلاب الجامعات يجدون في مكتبات الجامعة والإعارة ما يسد حاجاتهم ويغنيهم عن المكتبات العامة .
أقل الشعوب قراءة :
إن هناك إقبالاً على كتب الكمبيوتر وكيفية الدخول إلى شبكة الإنترنت والحصول على المعلومات التي يريدها، كما أن هناك إقبالاً على كتب التسويق والكتب السياسية وهناك إقبالاً على نوعية معينة من الكتب، وهي تلك التي تناسب العامة، مثل المواعظ والخطب الدينية .
إن الكتاب مهم وإنه مهما تطورت القنوات الفضائية وجددت من برامجها، إلا أن المعلومات التي تضخها ستظل سريعة النسيان، بعكس الكتاب الذي تبقى فائدته. وإن أهمية الإعلام والدور الكبير الذي من الممكن أن يلعبه في توجيه القارئ إلى الكتب الجيدة التي تستدرجه إلى المعارف والمعلومة الهامة بشكل شيق، دون أن تدخل الملل إلى نفسه.
إن ميل المواطن العربي إلى أسلوب الشفهية حيث إن قارئ الكتاب يروي محتواه لأصدقائه ومعارفه شفاهة، فضلاً عن تقصير الجهات الحكومية والمؤسسات الإعلامية عن الإضطلاع بمهمة تشجيع الجمهور العربي وتحريضه على القراءة، من قبيل تعويد التلميذ منذ الصغر على القراءة باعتباره تمريناً محبباً إلى قلبه، ففي إحصاءات حديثة عن منظمة اليونسكو، تبين أن نسبة الأمية مرتفعة في الوطن العربي (أو الشرق الأوسط) وتزيد على 28 % لدى البالغين . أما الأمية المعلوماتية، فلا تزال حتى اليوم تزيد على 98 % من البالغين، لا يعرفون استخدام الحاسوب .
كما تراجعت صناعة الكتاب الورقي، فهي لا تتجاوز 29 عنواناً لكل مليون نسمة مقارنة مع 726 في البلدان المتقدمة، وحتى قراءة الصحف والمجلات وجميع الوسائل الورقية انخفضت ؛ إذ لم تتجاوز حصة الفرد من استهلاك المطبوعات في البلاد العربية أكثر من نصف كيلو غرام للفرد سنوياً، في حين تصل هذه الحصة إلى 5 كيلو غرام للفرد في البلدان المتقدمة في سوريا مثلاً تراجعت صناعة الكتاب التي راجت في السبعينيات، ولم تتجاوز عام 1993م 598 عنواناً (وهم رقم كبير بالنسبة لسنوات أخرى)، لكنه ضئيل بالمقارنة مع بلدان حديثة التصنيع مثل ماليزيا التي تزيد في عدد السكان عن سوريا بمقدار خمسة ملايين نسمة، لكن طبعت في العام ذاته 3695 عنواناً
لقد أجري استبياناً منظماً لمعرفة مشكلات القراءة عند الشباب، لعينة طبقية عنقودية تمثل نسبة 5.7 بالألف من طلاب جامعة دمشق، بمختلف كلياتها وأقسامها العلمية والنظرية، وتبين أن 20 % لا يقرؤون مطلقاً باستثناء مقرراتهم الدراسية، وهناك 20 % أخرى تقرأ مراجع في ميدان اختصاصها فقط .. أما درجة القراءة عند القراء فهناك 26 % يقرؤون أقل من ساعة يومياً، ونحو 35 % بين ساعة وساعتين، في حين نسبة لا تتجاوز 2 % يقرؤون ما يزيد على 4 ساعات يومياً، غالبيتهم يدرسون في كليات علمية، أما حول وسيلة القراءة المفضلة، فهناك 64 % من القراء الذين يقرؤون الصحف، وإلى جانب ذلك فإن من يقرؤون الكتب لا تتجاوز نسبتهم 67 % من العينة وحول مكان القراءة المفضل، عبر 64 % أن المنزل له الأفضلية الأولى، في حين من يرتادون المكتبات العامة والمراكز الثقافية هم 31 % فقط وحول مدى توفر مكتبة منزلية، أجاب 64 % منهم أن لدى الأسرة مكتبة منزلية.
أوضحت نتائج بحث رسمي نشرت في لندن أن واحداً بين كل خمسة من المواطنين البالغين في بريطانيا يواجه صعوبة في القراءة والكتابة وبذلك يكون في مصاف الأميين أو شبه الأميين لأن مستواهم في القراءة والكتابة دون مستوى طفل أقل من الحادية عشر من عمره .
وكشفت الإحصاءات وزيرة التعليم البريطانية استيل موريس التي قالت أن ذلك موروث من حقبتي السبعينات والثمانينات التي افتقدت التركيز على ضبط القراءة والكتابة والرياضيات مبينة أن واحداً من بين كل أربعة من البالغين في بريطانيا لا يجيد التعامل مع الأرقام كتابة في الجمع والطرح والضرب والقسمة وأن عدد الذين يواجهون صعوبات في القراءة والكتابة وأساسيات الرياضيات يصل إلى حوالي سبعة ملايين مواطن .
وقالت الوزيرة البريطانية أن فقدان القدرات الأساسية له تأثير كبير على طبيعة حياة المواطنين ونوعية العمل والوظائف التي يمكنهم الحصول عليها.
المكتبات العامة بلا رواد ... !!!
إن عزوف الشباب والطلاب عن ارتياد المكتبات يمكن أن نعزوه لعدة أسباب أهمها:
- عدم توفر الرغبة في القراءة لدى أكثرية الشباب والطلاب في الوقت الحاضر واستحواذ الرياضة والفنون الأخرى على عقول عدد منهم وإنشغال بعض الشباب بالوسائل الترفيهية المختلفة نظراً لوجودها في البيوت وتنوعها وسهولة استعمالها دون جهد يذكر وانعدام الحوافز التشجيعية لمرتادي المكتبات بشكل عام ومن الوالدين في البيت بشكل خاص .
- سوء تنظيم الوقت لدى الغالبية العظمى من الشباب مما يفوت عليهم فرصة الاستفادة من الوقت ويتمنى إرشاد الشباب وحثهم على تنظيم الأوقات وأن الدراسة لا تمنع من الإطلاع وأن الإطلاع لا يضيع الوقت ولا يفوت الدراسة وتثبيت ذلك في أذهانهم.
- وقد يكون موقع المكتبة أحد الأسباب وما يصاحب هذا الموقع من أمور مثل عدم توفر وسيلة النقل لدى بعض الطلاب وعدم مساعدة أهلهم في إيصالهم إليها كما أن بعض المكتبات لا يمكن للقارئ داخلها أن يتكيف للقراءة في جو من الهدوء لقربها من الشوارع الرئيسية في بعض المدن .
ويقترح أن تكون هناك مسابقات ثقافية تشترك فيها المدارس بحيث تدفع الطالب للرجوع للمكتبة وأخذ المعلومات منها، كما يمكن أن يقوم أمناء ومسئولو المكتبات العامة بين الفترة والأخرى بجولات على المدارس يبين فيها أهمية زيارة المكتبات والتعريف بموقع المكتبة داخل المدينة أو الحي.
تأصيل عادة القراءة في أطفالنا قبل المدرسة :
هناك مفهوم سائد لكنه خاطئ مؤداه أن تنمية حب القراءة عند الأطفال وربطهم بالكتاب هي مهمة المدرسة وحدها، ويجب الانتظار إلى حين وصول الطفل سن السادسة ودخوله المدرسة ومعرفته للحروف، ومن ثم يتعلم القراءة ثم يرتبط بالكتاب .. وهذا المفهوم لا يتوقف الإيمان به عند غير المثقفين والمتعلمين بل عند بعض المتخصصين في التربية أيضاً . وقد يضاف إلى هؤلاء بعض المتخصصين في علوم القراءة والكتابة الذين يستغربون ما عرضه الطبيب ميخائيل ميقارلادو في مجلة فوكس أون هيلث في أحد أعدادها تحت عنوان " كيف تربط أبناءك بالكتاب " والذي أشار فيه إلى أن تعليم الأطفال للقراءة يبدأ منذ بلوغ الطفل سن 6 أشهر ..! وبدأ الدكتور ميقالاردو مقاله بالسؤال التالي : هل تريد أن تربي قراء جيدين ؟ إذن عليك أولاً أن تتعرف على مهارات السرد القصصي للأطفال فأسلوب السرد القصصي والقراءة للأطفال ومع الأطفال منذ سن مبكرة له أثر بالغ الفعالية على نمو أطفالك الذهني والوجداني ووفقاً لأكاديمية الأطفال الأمريكية (AAP) فإن 5 % فقط من الأطفال يقرأ لهم من والديهم .
إن الطريقة التي تقرأ بها لأطفالك هي أهم عامل مؤثر على ربطهم بالكتاب، وهي أهم حتى من الكمية التي تقرؤها لهم. فمن المهم أن تشجع طفلك على المشاركة في أثناء القراءة، وإلا فإن استفادته من القراءة ستكون محدودة، وستكون شبه منعدمة إذا كان مستمعاً ساكناً. وفي دراسة نشرت في دورية " علم نفس النمو " أثبت بعض الباحثين المتخصصين الاستفادة من القراءة " الناشطة " في برنامج خصص للقراءة لأطفال يبلغون عامين . وتقول الدراسة إن القراءة الناشطة تتمثل في إشراك الآباء والأمهات أبناءهم في الحوار الذي يقرؤونه في قصة، وقد حقق الأطفال الذين يندمجون في تلك الحوارات مستويات متقدمة في تنمية الثروة اللغوية.
أوضحت بعض الدراسات انه كلما كان هناك تبكير في الثقافة وإثراء خبرات الأطفال بالكتب والقصص قبل المرحلة الابتدائية كان استعدادهم للتعلم والقراءة والكتابة أفضل . ولسوء الحظ فقد أشارت دراسة حديثة نشرت في أبريل من عام 1999م إلى أن حوالي واحد من كل أربعة منازل من ذوي الدخل القليل الذين لديهم أطفال لديهم أقل من عشرة كتب فقط من أي نوع، وللقضاء على هذه المعضلة ومقارعتها، قام الأطباء في طول أمريكا وعرضها بالاشتراك في برنامج "توزيع الكتاب" وذلك من خلال عياداتهم . فكل طفل يزور عيادة أطفال وهو لم يصل بعد سن المرحلة الابتدائية تقدم له هدية من الكتب.
يقول جدنس كلبرث رئيس تحرير مجلة ((Scholastic's parents and Child Magazine إنه بالرغم من أن المدرسة تلعب دوراً هاماً في تنمية حب القراءة لدى الأطفال إلا أن الوالدين يجب أن يكونوا قدوة لأبنائهم . فإذا لم يكن البيت غنياً ومفعماً بالقراءة مملوءاً بالكتب، فإن ارتباط الأطفال بالقراءة سيكون احتمالاً ضعيفاً. تعويد الأطفال القراءة يجب أن يبدأ مبكراً وقبل وقت طويل من التحاق الأطفال بالمدارس ؛ لأن الدراسات والأبحاث أثبتت أن مهارات القراءة التي تم اكتسابها مبكراً وثبت وجودها لدى أطفال الصف الأول ابتدائي هي نفسها التي يعود إليها ارتفاع درجات القراءة لدى طلاب الصف الثالث الثانوي .
يجب أن لا تكون الكتب على الأرفف المرتفعة التي تسمح بتراكم الغبار عليها، يجب أن تكون الكتب في كل مكان يوجد فيه الطفل في المنزل، يجب أن تكون الكتب في المطبخ في غرفة نوم الأطفال، تغطي الكتب بالبلاستيك وتوضع في الحمام (عدا ما تحتوي على الآيات والأحاديث أو ذكر الله) ضع بعض الكتب في السيارة، أحمل بعض الكتب إلى الأماكن التي يمكن أن تجبر على قضاء وقت طويل مع ابنك فيها، كالانتظار في المطارات أو الوقوف في صف طويل أو في عيادة الطبيب .
ولمساعدة الأبناء على أن يكونوا "قارئين شاملي الثقافة" لابد من مرافقتهم إلى المكتبة، حدد يوماً ما في الأسبوع لزيارة العائلة إلى المكتبة، إذا تعود الأطفال مثل هذه الزيارات فسينتظرونها بفارغ من الصبر كل أسبوع، حدد وقتاً وسمه "وقت القراءة العائلية.
الكاتب الأصلي للمقالة :
د. جبريل بن حسن العريشي
رئيس قسم المكتبات والمعلومات
جامعة الملك سعود
المصدر :
مجلة المعلوماتية